خطبة عن (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى)
يناير 8, 2022خطبة عن ( فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )
يناير 8, 2022الخطبة الأولى ( درجات الوفاء بعهد الله ، والتطهير في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين (واللفظ للبخاري) : (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ – رضى الله عنه – قَالَ :كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ « بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا » . وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا « فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ ، فَهْوَ كَفَّارَتُهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ »
إخوة الإسلام
بعد أن عاهَد النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وأمَّتَه على الوفاء بعهد الله والتطهير من الموبِقات الست – أصول الرذائل، وجِماع المآثم – بيَّن أنهم في الوفاء ببيعته على ثلاث درجات، بين كل درجة ودرجة من التفاوت والفضل ما لا يُقدِّره إلا الله – عز وجل – بل إن أهل الدرجة الواحدة في الفضل والمنزلة ليسوا سواء. أما أهل الدرجة الأولى، فقد وفَّوا بعهدِ الله كاملاً غير منقوص، فوفَّى الله لهم بعهده، وضمِن لهم على لسان رسوله أجرًا عظيمًا، وهو النعيم المقيم، والمقام الكريم، ورِضوان من الله أكبر ، قال الله تعالى : ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]. وأما أهل الدرجة الثانية، فهم الذين اقترفوا من هذه الموبِقات ما عدا الشرك الأكبر، فإنَّ الله لا يغفر أن يُشرك به، غير أن الله طهَّرهم بإقامة الحاكم الحدَّ عليهم في الدنيا ؛ فقطعت يد السارق، وجلِد أو رجُم الزاني، وقتل القاتل، وجلد القاذف، وهكذا ، كانت العقوبة ماحية لذنب صاحبها مُطهِّرة له؛ حتى يلحق بالسابقين، ولا حَرَج على فضل الله – سبحانه وتعالى وفي صحيح البخاري : ( قال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ ) ، وأما أهل الدرجة الأخيرة، فهم الذين اقترفوا من هذه الموبِقات شيئًا – ما عدا الشرك الأكبر – إلا أن الله تعالى سَتَرهم، فإنْ تابوا وأحسنوا، فإن الله يتقبَّل توبتَهم فضلاً منه وكرمًا، وإلا فأمرُهم مُفوَّض إلى ربهم؛ إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذَّبهم. ففي البخاري : قال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ »، وليس عجبًا أن يغفر الله لمن تاب إليه وأناب، ولو بلغت ذنوبه عَنان السماء، أو أدركته منيَّته قبل أن يعمل بعد توبته عملاً صالحًا، وحسبُنا من الشواهد الكثيرة على هذا ما رواه الترمذي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » ،وأيضا ما رواه الشيخان وغيرهما عن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ». قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ. ومن الشواهد أيضا قصة الكِفْل التي أخرجها الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ قَالَتْ لاَ وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ.وَقَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَعْصِى اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ » ،بل ليس عجبًا أن يغفر الله تعالى لمن شاء من عباده الذين ماتوا قبل أن يتوبوا مما اجترحوا من كبائر الإثم – إلا الشرك – وليس لنا أن نَحكُم على أحدٍ معيَّن من أهل التوحيد بالنار بالغة ما بلغت ذنوبُه وسيئاته؛ فإن هذا سوء أدب مع الله – عز وجل – وافتيات على شؤونه، وانتهاك لحُرماته. ففي صحيح مسلم : (عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَ « أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ». وفي صحيح مسلم : (لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ » ،
فرحمة الله واسعة ، ولا يحدها حد ، ولا ييأس منها أحد ، مهما بلغت ذنوبه وخطاياه ، جاء في الصحيحين وغيرهما عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا ». وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ بِي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا . فَقَالَ « فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ »، وما رواه الشيخان وغيرهما عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » ، وأكبر الظن أن هؤلاء جميعًا تَدارَكهم الله بفضل منه ورحمة قبل أن يتوبوا، وجائز أن يكون الله قد منَّ عليهم فوفَّقهم للتوبة حين وفَّقهم لهذا الصنيع الذي شكره لهم، وجعله مع التوبة سبب مغفرته ورِضوانه. وأيًّا ما كان الأمر، فلا تزال للملوك أسرارٌ، ليس من أدب العبيد أن يتجسَّسوا عليها، بله أن يَقتحِموا حماها. وإذا لم يحلَّ لأحد أن يحكم على آخر من أهل القِبلة بعذاب الله وسخطه، فلا يَحِل له كذلك أن يَحكُم لأحد بالغة ما بلغت حسناته وخيراته، بنعيم الله ورِضوانه، ما عدا المبشَّرين بالجنة على لسان المعصوم – صلوات الله عليه وسلامه – فإن الأعمال بالخواتيم، ولا يعلمها إلا علام الغيوب – سبحانه. غير أن سَتر الله لعبده وكَنَفه عليه في الدنيا أمارةٌ على كنفه عليه ورضاه عنه في الأخرى، ومن دلائل هذا ما رواه الشيخان : (قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ « يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ . قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( درجات الوفاء بعهد الله ، والتطهير في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولا يَغُرَّن أحدًا ما توسوس به نفسه، أو ما يُخادِعه به شيطانه، من سَعَة فضلِ الله تعالى وعظيم رحمته؛ فإن ذلك من الحق الذي يُراد به الباطل، ومن الخير الذي يُتوسَّل به إلى الشر والأذى. فمن تلا قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد: 6]، وقد قيل: إنها أرجى آية في القرآن الكريم، فليتلُ بعدها: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]، ومن روى أحاديث الرجاء في الله، فلْيَرْوِ معها أحاديثَ الخوف من الله. ومن أحسن الظن به – سبحانه – فليُحسِن الأدب معه؛ فإن قومًا غرَّتهم الأماني، وقالوا: نحن نُحسِن الظنَّ بالله تعالى، وكذبوا؛ لو أحسنوا الظنَّ لأحسنوا العمل ومُجْمل القول في هذا المقام أن يتأدَّب العبد مع ربِّه بأدب الخوف منه والرجاء فيه، فلا يَطْغى خوفه حتى يَقنَط من رحمته، ولا يطغى رجاؤه حتى يتهاون في طاعته، فإذا أحسَّ بقُرْب قدومه على مولاه، فليغلِّب الرجاء فيه، وليُحسِن الظنَّ به، وليُوقِن أنه قادمٌ على أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. فالناس في التطهر أو التطهير من الموبِقات على طبقات، لا يُحصيها إلا مَن فضَّل بعضهم على بعض ورفَع بعضهم درجات: فمنهم من قوي إيمانه، وعَظُم يقينه، حتى جاد بنفسه – في سبيل تطهيرها – لله عزَّ وجل. ومن الناس من لم يَقدِر على تطهير نفسه جَهْرًا، أو قدر عليه ولكنه آثر ستر الله تعالى، فطهَّر نفسه فيما بينه وبين ربِّه سرًّا، ومنهم مَن تولَّى الله تطهيره بما ابتلاه من ضروب المحن والبلايا!
الدعاء