خطبة عن (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى)
مايو 30, 2020خطبة حول قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)
مايو 30, 2020الخطبة الأولى ( دروس تربوية من قصة موسى والخضر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) (65)، (70) الكهف
إخوة الإسلام
إن المتأمل في قصة نبي الله موسى ، والعبد الصالح ( الخضر ) عليهما السلام ،يجد فيها الكثير والكثير من الدروس والعبر ، وسوف أحاول اليوم إن شاء الله استخلاص بعض الدروس والعبر التربوية والتي ظهرت من خلال أحداث القصة ، ومعاملة المعلم (الخضر ) ،والمتعلم ( موسى ) عليهما السلام ، فمن هذه الدروس التربوية : أولا : الأدب مع الله : فقد ظهر في القصة أدب جم مع الله تعالى في عدة مواقف، ومنها : فقد قال موسى للخضر (عليهما السلام) وهو يحدثه عن نسيانه لأمر الحوت: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63]، فقد نسب النسيان إلى الشيطان. وقال الخضر لموسى وهو يحدثه عن أمر السفينة: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف :79] فقد نسب العيب إلى نفسه، بينما نسب الخضر الخير إلى الله تعالى في أمر الجدار والكنز الذي تحته: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} [الكهف:82]. ثانيا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن لم تظهر بعض حكمته للعقول ، وأن الله يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم في خلقه ما يريد. ثالثا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : قصور العلم البشري عن معرفة أمور كثيرة، فقد ظن موسى أن ما فعله الخضر شرًا، فتبين له أنه خير كله. رابعا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أن العجب بالعلم هو مكمن الخطر، فعلى الإنسان ألاّ يعجب بعلمه أو بظنّ بنفسه وصول المنتهى. ويظهر ذلك في معاتبة الله تعالى لموسى عليه السلام بعد أن سئل عن أعلم الناس فنسب ذلك إلى نفسه، وهو درس لمن وراءه، أن لا يرى في نفسه إعجاباً بعلمه أو فهمه أو تميزه، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وما أوتي الإنسان من العلم إلا قليلاً حتى لو كثر. خامسا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أن الحرص على التعلم محمدة مهما بلغ شأو الإنسان العلمي وشأنه المعرفي، وهذا هو نهج الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين والعلماء، فالعلم ميراث النبوة، ورفعة الشأن، وصلاح الأسس، حتى لو استغرق الأمر من الإنسان زمناً طويلا يسعى به لتحقيق مرامه، ونيل أهدافه. ويظهر ذلك في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) الكهف (60) ، سادسا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أنه تجلى فيها الأدب الجميل .. أدب المتعلم مع المعلم : (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) الكهف (66) ،وفيه أيضاً فائدة لطيفة، فالمتعلم له أن يبيّن حاله التي سيكون عليها مع معلمه، لينال رضاه عليه، وإقباله لتعليمه. ورغم أنّ المتعلم هنا أرفع قدراً بحكم النبوة والرسالة ( باعتبار نبوة الخضر عليه السلام ) ، إلا أنه يقدم عرضاً للمعلم كي تطيب نفسه بصحبته بشيئين: أ. (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ). أي صبر على التعلم مع تعليقه الصبر بالمشيئة. ب. ( وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) الكهف (69). وفيه تمام الامتثال والطاعة.
سابعا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أنه على المعلم أن ينصح تلميذه غاية النصح، وذلك بتبيين حال العلم حتى لا يُدخله فيما لا يطيقه من العلم: ( قَالَ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً). مع تبيين السبب فيما يرده عنه أو يمنعه منه. وذلك في تبيين الخضر لموسى عليهما السلام: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً). ثامنا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : ألاّ يتعجل التلميذ بسؤال معلمه حتى ينهي حديثه، فربما عرض الجواب في ثنايا الحديث، وذلك يؤخذ من قول الخضر لموسى : (فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) ، تاسعا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : المبادرة إلى الإنكار في حال وقوع المنكر، فرغم أنّ موسى عليه السلام قد شرط للخضر ألاّ يسأله، إلا أنه أنكر عليه ما رأى ظاهره المنكر، وقد أنكر ناسياً الشرط في البداية حين خرق السفينة، إلا أنه لم يكن قد نسيه حين قتل الغلام، لكون المنكر عظيماً في نظره ، فقال: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) الكهف (71) ،وقوله : (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) (74) الكهف ، عاشرا : ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : للمعلم العتاب حين يخطئ تلميذه أو يجاوز الحد: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) (75) الكهف ،وعلى المتعلم الاعتذار: (قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) الكهف 73. وقبول عذر الناسي من شيم الصالحين، لأنه لا حيلة له في النسيان. الحادي عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أنه يجوز إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه، فهي قاعدة عظيمة من قوله تعالى: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا). وجواز ارتكاب أخف الضررين لتفويت أشدهما، كما فعل الخضر عليه السلام مع السفينة، فلو لم يخرقها لأخذها الملك الظالم. ويندرج تحت هذا: فساد بعض الشيء لإصلاح معظمه كما يقطع الطبيب يد المريض خوفًا من سريان المرض إلى بقية جسمه وبالتالي ربما موته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( دروس تربوية من قصة موسى والخضر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أن صلاح الأب ممتد الأثر ودائم النفع، إذ في الآية دعوة لأن يبدأ الآباء بتربية أنفسهم قبل تربية أبنائهم، فستكون الثمار يانعة وباقية . (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً). الثالث عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : مشروعية إخبار الرجل عن تعبه وإرهاقه، فقد قال موسى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} ، ومثلها أن يخبر الرجل عن آلام مرضه دون تسخط على القدر ، الرابع عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أنه يستحب لمن هم بشيء أن يقول: إن شاء الله، فقد قال موسى عليه السلام للخضر: (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) (69) الكهف ، الخامس عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : مشروعية خدمة أهل الفضل والعلم فقد خدم يوشع بن نون موسى في رحلتهما في طلب العلم ، ومشروعية حمل الزاد والطعام في السفر كما فعل موسى وتلميذه يوشع بن نون عليهما الصلاة والسلام ، السادس عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : مشروعية طلب القوت من الناس عند الحاجة إليه، ولا يعد هذا من السؤال المذموم. كما يصح إطلاق البخل على أهل القرية جميعًا إذا كان أكثر أهلها بخلاء، وكذلك الصلاح إذا كان أكثر أهلها صالحين ، السابع عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أنه في إخفاء الرجل الصالح للمال يدل على جواز كنز المال وتوفيره، وهذا في حق أي مسلم بشرط أن يؤدي زكاة ماله. الثامن عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : أنه في إقامة الخضر للجدار دون أن يطلب منه أحد يدل على أن المؤمن راغب في الأجر وفعل الخير ولو لم يكن أجرة على ذلك، لأن الأجر الأعظم من الله تعالى ، التاسع عشر: ومن الدروس التربوية في قصة موسى والخضر : فقد ظهر صبر المعلم على تلميذه في موقف موسى مع تلميذه حينما أخبره أنه نسي أن يخبره عن أمر الحوت، مع أن هذا كلفهما سفرًا طويلًا زائدًا، وظهر صبر المعلم أيضًا: في موقف الخضر حيث أعطاه أكثر من فرصة وصبر على احتجاجاته
الدعاء