خطبة عن (الحلف بغير الله: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ)
يناير 27, 2018خطبة عن (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
يناير 27, 2018الخطبة الأولى ( ديمقراطية فرعون الماضي والحاضر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته على لسان مؤمن آل فرعون :( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (29)غافر، وقال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (11) ،(12) البقرة
إخوة الإسلام
لقد كان فرعون طاغية من الطغاة، ولكنه ديمقراطي بمقياس الديمقراطية التي نعيشها الآن، فالطغاة والمتجبرون دائما ينادون بالديمقراطية المزيفة للتغطية جرائمهم البشعة من القتل والتشريد والتجويع وغيرها الكثير ،فقد كان لفرعون موسى الطاغية برلمان ومجلس شعب ويمثله (الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) ، وفرعون يحتاج لتأييٍد هذا المجلس على قراراته لينفذها ،وكأن فرعون يأتمر بأمره ،وينفذ قراراته: { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} (34) :(37) الشعراء ، وكان من بين قراراته التي أحالها إلى البرلمان الديمقراطي للتصديق عليها ، ما قاله فرعون عن موسى ، قال تعالى : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (غافر:26). فهو يطلب من المجلس إعطاءه الصلاحيات الكاملة لقتل موسى عليه السلام، لأنه مفسد في الأرض ، ومخرب وارهابي ، ويثير الفتنة بين الشعب ، وموسى أيضا متهم بالتعصب لدينه ، وازدراء الأديان الأخرى ، وكان مؤمن آل فرعون هو الوحيد الذي يخفي إيمانه ويجلس مع هؤلاء الملإ ، وهو يمثل دور (المعارضة) ، ويدافع عن موسى في هذا المجلس . وبعد صراع ونقاش قام المجلس (بالتصويت) بالأغلبية (الساحقة) بإعطاء فرعون الصلاحيات بقتل موسى ومن آمن معه، فقال تعالى : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف:54). وقد يسأل سائل: ألم يدع فرعون الألوهية؟ ، قال تعالى : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38) ،وقال تعالى على لسان فرعون : {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (النازعات:24). ولكن الذي يسأل هذا السؤال لم يفهم معنى ادعاء فرعون للألوهية. فهو يعني ( أنه المشرع الأعلى)، وأنه ( وحده الذي يطاع)، وأن أوامره فوق كل أمر، فهي فوق (القوانين والدساتير). وهي تماماً كما يفعل طغاة اليوم. وليس مقصوده أنه (خالق الكون)، فهذا لو ادعاه لا يصدقه أحد. بل إن فرعون وقومه كانوا من الوثنيين المشركين وعبدة الأصنام، وكان ( البرلمان الفرعوني) يطالب فرعون بحماية دينهم، وآلهتهم من موسى . قال تعالى : {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف:127). ونلاحظ كلمة {آلهتك}في الآية . فهو يعبد الأصنام مثل قومه. ولقد كان فرعون يتظاهر بالديمقراطية في أول الأمر ، وكان يناقش الحجج ويقول لموسى : {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأعراف:106)، ويطلب من خصمه (المناظرة) أمام سائر الناس ، قال تعالى على لسان فرعون : {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أَنتَ مَكَانًا سُوًى} (طه:من58) ، ولكن حين رأى التغيير يهدد نظامه ، وبدأ الناس يقتنعون بدعوة نبي الله موسى ، واستمع بعضهم لما قاله الرجل المؤمن من آل فرعون، هنا تغير منطق فرعون وتبدلت أفعاله، وضرب بالديمقراطية عرض الحائط ، فقال تعالى على لسانه : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (29) غافر ، ففرعون لا يقبل الحوار إلا إذا كان في صالحه، فإذا أحس بالهزيمة استعمل لغة البطش والتنكيل (السجن والقتل). فالفراعنة لا يعرفون غير هذه اللغة، قال تعالى على لسان فرعون : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (29) الشعراء ، وقال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (26) غافر
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ديمقراطية فرعون الماضي والحاضر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن فراعنة الحاضر هم هم فراعنة الماضي ، فقد كَذَب الفرعون الأول والفراعنة بعده: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]. فلا هم هدَوْهم، ولا هم قصدوا نفعهم وهدايتهم أصلًا، وما زال ولن يزال الفراعنة يقولون ذلك في كل عصر ومصر، بطريقة أو بأخرى؛ بلسان الحال أو المقال، بل ويقولون كما قال فرعونهم الأول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24]. والفراعنة يدَّعون الحق، ويدَّعون أنهم هم المصلحون، وأنهم يريدون الخير والحق للبلاد والعباد، وأنهم قادرون عليه، أما آل موسى عليه السلام فهم-عندهم- المفسدون في الأرض، المخرِّبون للأوطان: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} الأعراف: 127، لا بل يُرسلون مخبريهم ، ووسائل إعلامهم ، وآلات إعدامهم: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } [الشعراء: 53-56]. والفساد الذي يُظهِرُه سيدنا موسى في الأوطان يتعلق بدعوته الناس للإيمان بالله وحده ، وأن يرسل معه بني إسرائيل لتحرير بيت المقدس من الطغاة والظلمة أليست ديمقراطية فرعون اليوم، تشبه ديمقراطية فرعون الماضي ؟ ، قال تعالى : {أَتَوَاصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (الذاريات:53).
الدعاء