خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. قَالَ « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ » ، وفي صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني : (عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «آخِرُ مَا فَارَقْتُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
إخوة الإسلام
هذه وصية غالية، ونصيحة خالدة، قالها رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ليحث أمته ويرشدها إلى المداومة على ذكر الله ، وعدم الغفلة عن واهب الحياة ، والمتفضل بالنعم ، ففي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ رجُلًا قال: “يا رسولَ اللهِ، إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت علَيَّ”، أي: كَثُرَت أنواعُ العباداتِ علَيَّ وتشَعَّبَت عِندي، وربَّما يكونُ مُرادُه أنَّ النَّوافِلَ كَثُرَت عليه فلَم يستَطِعِ العمَلَ بها كلِّها، “فأخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به”، أي: قُل لي عمَلًا مِن عبادةٍ أو غيرِها أستطيعُ فِعلَه، فأتَمسَّكُ وأتعلَّقُ به، وهو عملٌ يسيرٌ مُستجلِبٌ لِثَوابٍ كثيرٍ، فأُداوِمُ عليه، وأعتَصِمُ به، ولم يُرِدْ بقَولِه: “كَثُرَت علَيَّ” أنَّه يَترُكُ ذلك كلِّيَّةً، ويَشتَغِلُ بغَيرِه فحَسبُ، وإنَّما أرادَ أنَّه بعدَ أداءِ ما افتُرِض عليه يتَشبَّثُ بما يَستَغني به عن سائرِ ما لم يُفترَضْ عليه ، فأخبرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بما يَنفَعُه في ذلك، فقال: “لا يَزالُ لِسانُك رَطْبًا”، أي: طَريًّا “مِن ذِكْرِ اللهِ”، أي: داوِمْ على ذِكْرِ اللهِ سبحانه وتعالى؛ مِن تَسبيحِه وتَحميدِه ونَحوِ ذلك، فذكر الله تعالى من أجل العبادات وأحبّها إليه سبحانه، فذكر الله تعالى فيه تزكيةً للنفوس وتقويةً للإيمان وزيادةً في اليقين، فالمُلازم لذِكر الله في كافة أحواله، لا تراه إلاَّ سبَّاقًا إلى طاعة الله، وقَّافًا عند حدوده، قائمًا بأمره، مُدبِرًا عن الدنيا، مُقبِلاً على الآخرة، فالذِّكْرُ لَذَّةُ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] ،وقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَا تَلَذَّذَ الْمُتَلَذِّذُونَ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، والذاكرون الْمُحِبُّونَ يَسْتَوْحِشُونَ مِنْ كُلِّ شَاغِلٍ يَشْغَلُ عَنِ الذِّكْرِ، فَلَا شَيْءَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْخَلْوَةِ بِحَبِيبِهِمْ. «قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ كَلِّمُوا اللَّهَ كَثِيرًا، وَكَلِّمُوا النَّاسَ قَلِيلًا، قَالُوا: كَيْفَ نُكَلِّمُ اللَّهَ كَثِيرًا؟ قَالَ: اخْلُوا بِمُنَاجَاتِهِ، اخْلُوا بِدُعَائِهِ» ، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ حَتَّى أُقْعِدَ مِنْ رِجْلَيْهِ، فَكَانَ يُصَلِّي جَالِسًا أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ احْتَبَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَيَقُولُ: عَجِبْتُ لِلْخَلِيقَةِ كَيْفَ أَنِسَتْ بِسِوَاكَ، بَلْ عَجِبْتُ لِلْخَلِيقَةِ كَيْفَ اسْتَنَارَتْ قُلُوبُهَا بِذِكْرِ سِوَاكَ فَإِذَا قَوِيَ حَالُ الْمُحِبِّ وَمَعْرِفَتُهُ، لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ شَاغِلٌ، فَهُوَ بَيْنَ الْخَلْقِ بِجِسْمِهِ، وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصْفِهِمْ: صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَجْسَادٍ أَوَرَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى، وَفِي ” التِّرْمِذِيِّ ” مَرْفُوعًا: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدَيِ الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قَرْنَهُ» . وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِكُمْ} [النساء: 103] ، وَلِهَذَا وَرَدَ فَضْلُ الذِّكْرِ فِي الْأَسْوَاقِ وَمُوَاطِنِ الْغَفْلَةِ كَمَا فِي ” الْمُسْنَدِ ” وَ ” التِّرْمِذِيِّ “، وَ ” سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ” عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ دَخَلَ سُوقًا يُصَاحُ فِيهَا وَيُبَاعُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَمَثَلِ الْمُقَاتِلِ عَنِ الْفَارِّينَ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِي وَسَطِ شَجَرٍ يَابِسٍ» .قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَا دَامَ قَلْبُ الرَّجُلِ يَذْكُرُ اللَّهَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّوقِ وَإِنْ حَرَّكَ بِهِ شَفَتَيْهِ فَهُوَ أَفْضَلُ ، وقد أمرنا الله عز وجل في كتابه بالإكثار من ذكره فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (41) ،(42) الأحزاب، وأخبرنا سبحانه أن ذِكْرَه سبب لطمأنينة القلوب، فقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) الرعد، والذِكْرُ يكون بالقلب ويكون باللسان، وهو مراتب، وأعلى مرتبة إذا وافق القلب اللسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ،في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم: (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) ، ومما ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه من الأذكار: أذكار الصباح والمساء، وقد اشتملت على خير كثير يحصل للعبد إذا وُفِّق لقولها وحافظ عليها، ويدفعُ الله بها عنه شراً كثيراً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها، وكانت جزءاً من أذكاره اليومية الدائمة، لما فيها من مراقبة المسلم لربه، وتمسكه بالعهد الذي بينه وبين خالقه، الذي يجدده كل يوم قائلا: (وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ )، ويُشهد الله وملائكته وجميع خلقه على إيمانه: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ )، ويستعيذ بالله من شر نفسه، ومن أن يقترف سوءاً على نفسه أو يجره على غيره: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرَكِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِى سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ »، وتأتى هذه الأذكار كذلك للتذكير بنعم الله على عبده وإقراره بها: (أصبحت منك في نعمة وعافية وستر)، وتفتح له باب الرجاء والأمل في المزيد من النعم: (فأتم عليَّ نعمتك وعافيتك وسترك).
أيها المسلمون
ولذكر الله فضائل عظيمة ، وفوائد متعددة ، وثمرات يانعة : أولها : أن ذكر الله أكبر من كل شيء، فقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
ثانيها : أن الله يذكر من يذكره: قال الله تَعَالَى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152] ، وفي الصحيحين عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» وروى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عز وجل إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»
ثالثا : من فضائل ذكر الله : أن في ذكر الله امتثالا لأمر الله : قال الله تَعَالَى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].
رابعا : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله سبب من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة : قال الله تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].
خامسا : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله سبب من أسباب مغفرة الذنوب : ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»
سادسا : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله من أثقل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى : ففي الصحيحين عن أَبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ» ، وروى مسلم عن أَبي مالك الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ»
سابعا : من فضائل ذكر الله :أن ذكر الله يعدل عتق عشر رقاب ومائة حسنة ويمحو مائة سيئة، وهو أفضل شيء يأتي به العبد يوم القيامة : ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» ، وفي الصحيحين عن أَبي أيوب الأنصاريِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ؛ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ منْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ»
ثامنا : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى : ففي الصحيحين عن أَبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ، يَحُجُّونَ، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، فَقَالَ: «ألاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبَقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُون أَحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ منْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟»، قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ» ، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» ، وروى الترمذي بسند صحيح، عن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ ؟»، قَالَوا: بَلَى، قَالَ: «ذِكر الله تَعَالَى» ، وروى ابن حبان بسند صحيح عن مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ أن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال لهم: إن آخر كلام فارقتُ عليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن قلتُ: أي الأعمالُ أحبُّ إلى الله؟ قال: «أن تموتَ ولسانك رَطْبٌ من ذكرِ الله»
تاسعا : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله كنز من كنوز الجنة : ففي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ له: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ»
عاشرا : من فضائل ذكر الله : أن مثل الذي يذكر ربه كالحي ، والذي لا يذكر ربه كالميت، ففي الذكر حياة للقلب، وفي تركه موت للقلب : ففي الصحيحين عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»
حادي عشر : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله سبب من أسباب استجابة الدعاء : فقد روى البخاري عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لله، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ»
ثاني عشر : من فضائل ذكر الله : أن الذاكرين هم السابقون: فقد روى مسلم عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ»، قالوا: وَمَا المُفَرِّدُونَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كثيرا والذَّاكِرَاتِ»
ثالث عشر : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله أحب الكلام إلى الله سبحانه وتعالى : فقد روى مسلم عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟ إنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ»
رابع عشر : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله عمل يسير وأجره عظيم : فقد روى مسلم عن سعد بن أَبي وقاصٍ رضي الله عنه قَالَ: كنا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كلِّ يومٍ ألْفَ حَسَنَةٍ»، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ ألفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ ألْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألفُ خَطِيئَةٍ»
خامس عشر : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله غراس الجنة. روى الترمذي، وحسنه عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «من قَالَ: سُبْحان الله وبِحمدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ» ، وروى الترمذي، وحسنه عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقِيْتُ إبْرَاهِيمَ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَقرِئ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّ الجَنَّةَ طَيَّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الماءِ، وأنَّهَا قِيعَانٌ وأنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أكْبَرُ»
سادس عشر : من فضائل ذكر الله :أن ذكر الله يعطيك أجر حجة وعمرة تامتين : فقد روى الترمذي بسند حسن عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ»
سابع عشر : من فضائل ذكر الله : أن ذكر الله ينجيك من عذاب الله يوم القيامة : فقد روى أحمد بسند صحيح، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل ذكر الله : أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ، وأنه يرضي الرحمن عز وجل ، ويزيل الهم والغم عن القلب ، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط ، يقوى القلب والبدن، و ينور الوجه والقلب ، وأنه يجلب الرزق، ويكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة ، أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة، وقد جعل الله لكل شيء سبباً، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره، فإنه الدرس والمذاكرة كما أنه باب العلم، فالذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم ،
ومن فضائل ذكر الله :أن ذكر الله يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت ، أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل، فمتى أكثر الرجوع إليه بذكره أورثه ذلك رجوعه بقلبه إليه في كل أحواله، فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه، وملاذه ومعاذه، وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا ،
ومن فضائل ذكر الله : أن ذكر الله تعالى يورثه القرب من الله، فعلى قدر ذكر العبد لله عز وجل يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه ، وذكر الله يفتح باباً عظيماً من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة ، أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله، لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل؛ فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه.
أيها المسلمون
والذكر منه ما هو مقيد كالباقيات الصالحات، وأذكار النوم واليقظة، والأكل والشرب، ودخول المسجد، وآداب الخلاء، ونحو ذلك، ومنه ما هو مطلق كالتسبيح، والتهليل، والاستغفار، والصلاة على الرسول – صلى الله عليه وسلم ،والذكر عبادة توقيفية، فلا يحل لأحد أن يذكر الله بأذكار من وضع البشر، وإنما عليه أن يلتزم بما صح عنه، ففي الصحيح غنى وكفاية، كما لا يفهم من فضل الذكر الانقطاع له، وترك الواجبات العينية والكفائية، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار، والمنافقين، والدعوة إلى الله، فإن لكل مقام مقال، ولكل حال شأن، ففي بعض الأحيان يكون الاشتغال بالجهاد، والرباط، والرد على أهل البدع والأهواء، والذود عن دين الله أفضل وأجل الأعمال ، هذا مع تجنب البدع الشرعية، نحو ضرب الطبول، والرقص والتواجد، والسماع ، وإحياء الموالد ، ومن البدع الإضافية الذكر بالاسم المفرد، أو الذكر الجمَاعي، فكل هذا من المحذور الممنوع، وهو يباعد بين العبد وربه، والحذر من أن تظن من أن هناك بدعاً حسنة وأخرى سيئة، بل كلها سيئة ، ففي مسند أحمد : (عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْفَجْرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ».
الدعاء