خطبة عن الغيبة (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ. ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)
سبتمبر 14, 2019خطبة حول قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
سبتمبر 17, 2019الخطبة الأولى ( خَلَّتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي وغيره بسند صحيح : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « خَلَّتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَلاَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا ». قَالَ فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ قَالَ : « فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ ». قَالُوا وَكَيْفَ لاَ يُحْصِيهَا قَالَ « يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا. حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ ».
إخوة الإسلام
ذكر الله تعالى من أعظم العبادات في الإسلام، وهي عبادةٌ يسَّرها الله ذو الجلال والإكرام لعباده، ووعد الذاكرين والذاكراتِ أجرًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]، وتسبيح الله سبحانه من السُّبل الشريفة لذكر الله تعالى، وفي السنن النبوية درر ثمينة في فضائل التسبيح، وعِظَم أجره، وملازمة فعله؛ ولذا كان من الواجب علينا أن نبين هذه الكنوز للمسلمين؛ لكي يعرفوا فضلها، ويدركوا أجرَها، ويَلزَموا تتبُّع فعلها. ومن هذه الكنوز ، وتلك الدرر الثمينة ، والتي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث النبوي الشريف المتقدم ، الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خَلَّتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَلاَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا ». « فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ ». فكيف لا تكون هذه الأعمال من أسباب دخول الجنّة، وهي مكفّرات للسّيئات ؟! ويُستبعد أن يصل حال المسلم إلى أن يعمل ألفين وخمسمائة سيّئة في اليوم واللّيلة ! فتبقى الحسنات تملأ ميزان حسناته. وكأنّه قال: أيّكم يأتي بأكثر من هذا من السيّئات في يومه وليلته حتّى لا يصير معفوّا عنه ؟!
أيها المسلمون
فما أيسر هذا الدين العظيم , وما أكثر فضائله , وما أحسن شرائعه , وما أسهل تحقيق الثواب فيه للعاملين الصادقين المخلصين . إنه دين المرحمة , جاء به رسول المرحمة صلى الله عليه وسلم , من لدن رب رحيم لطيف بعباده , بر كريم , منان يمن على عباده بالفضل والكرم , وهو سبحانه الشكور ، وهو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد ،فيضاعف لهم الجزاء , ويعطي الأجر الكثير على العمل القليل . فالعبادة في الإسلام تجارة رابحة مع الله سبحانه , تنجي من العذاب الشديد في الآخرة , وتقيل من عثرات الدنيا , وتهون كروب الحياة , فتنصر المؤمنين في الدنيا والآخرة , فالمسلم قد يعمل عملا قليلا , ولكنه بجدية وإيجابية , وإخلاص وصدق , فيكتب الله سبحانه له مقاما كمقام السابقين , ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ – رضى الله عنه – يَقُولُ أَتَى النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ . قَالَ « أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ » . فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ ، فَقُتِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا » ،فبالنية الصالحة ،قد يستوي الغني والفقير , كرجل نوى أن لو رزقه الله مالا أن يتصدق به أو أن يفعل به صالحا , ففي سنن أبي داود : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِى يَعْمَلُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ ..) ،فهذا الرجل لم يفعل سوى أنه نوى الخير ،وعزم على فعله , فآتاه الله المنزلة , ورزقه بالثواب . وبالنية الصالحة يستوي المعذور والمعافى ,ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ :« إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ » ، فهؤلاء اشتركوا في الأجر مع المجاهدين في كل خطوة من خطواتهم , وكل مسير يقطعوه , وكل صالح يفعلوه , لأنهم أحسنوا النية لكن منعهم العذر، من مرض ، أو عجز .
أيها المسلمون
ومن الأجر الكبير على العمل اليسير : الذكر والدعاء : فقد روى مسلم (عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِىَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِىَ جَالِسَةٌ فَقَالَ « مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-« لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ » .وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ » .قال الإمام النووي: وظاهرُ إطلاقِ الحديث، أنه يحصلُ هذا الأجرُ المذكورُ في هذا الحديث مَنْ قال هذا التهليلَ مائةَ مرةٍ في يومه، سواء قالهُ متواليةً أو متفرقةً في مجالس، أو بعضها أولَ النهار وبعضها آخره؛ لكنَّ الأفضلَ أن يأتيَ بها متواليةً في أول النهار، ليكونَ حرزاً له في جميع نهاره ،وقال في فضلِ هذا الحديث العظيم: قد ثبتَ أن مَنْ أعتَقَ رقبةً أعتقَ الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار! فقد حصلَ بعتق رقبةٍ واحدةٍ تكفيرُ جميع الخطايا، مع ما يبقَى له من زيادةِ عتقِ الرقابِ الزائدةِ على الواحدة، ومع ما فيه من زيادةِ مائةِ درجة، وكونه حرزاً من الشيطان… وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ». قال الحافظ ابنُ حجر في الحديث الأول: فيه حثٌّ على المواظبةِ على هذا الذكر، وتحريضٌ على ملازمته، لأن جميعَ التكاليفِ شاقةٌ على النفس، وهذا سهل، ومع ذلك يثقلُ في الميزان كما تثقلُ الأفعالُ الشاقة، فلا ينبغي التفريطُ فيه. وقوله: “حبيبتان إلى الرحمن”… خُصَّ “الرحمن” من الأسماء الحُسنى للتنبيهِ على سعةِ رحمة الله، حيث يُجازَى على العملِ القليلِ بالثواب الجزيل، ولما فيها من التنزيهِ والتحميدِ والتعظيم ،وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ ». فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ قَالَ :« يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ » رواه مسلم . ومما جاء في فضلِ التسبيح أيضاً، ما رواهُ ابن ماجة في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِى تَغْرِسُ ». قُلْتُ غِرَاسًا لِي. قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا ». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خَلَّتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما جاء في العمل القليل ،وفيه الأجر الكثير : ما روي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّى السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ » رواه الترمذي وحسنه. والقيعان: جمعُ قاع، وهي الأرضُ المستويةُ الخاليةُ من الشجر، وقد أوجدَ الله بفضلهِ فيها أشجاراً وقصوراً بحسب أعمالِ العاملين، لكلِّ عاملٍ ما يختصُّ به بسببِ عمله. والمعنى: أعلِمهمْ بأن هذه الكلماتِ – وهنَّ الباقياتُ الصالحات – ونحوها، سببٌ لدخولِ قائلها الجنة ،وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ ؟ قَالَ : وَمَنْ يَسْتَطِيعُهُ ؟ قَالَ : كُلُّكُمْ يَسْتَطِيعُهُ ، قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ ، أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ) رواه البزار. وفي سنن الترمذي : (مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِىَّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم َحرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ » والحسنةُ بعشر أمثالها: أي مضاعفةٌ بالعشر، وهو أقلُّ التضاعفِ الموعودِ بقوله تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ الانعام 160، وقد تتضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف أو أكثر ، فقد قال الله تعالى : ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ البقرة 261، وروى البخاري : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ »
أيها المسلمون
إنها نعمة بالغة من الله سبحانه الرحيم بعباده المؤمنين الصادقين ، فجعل سبحانه وتعالى في العمل القليل الأجر الكبير , ألا فليصلح المسلمون قلوبهم ،وليستحضروا صالح نواياهم ،وعندئذ تتضاعف قيمة الأعمال ، ويصبح العمل الصغير في أعين البعض عظيما عند الله .يقول ابن المبارك : ” رُبَّ عمل صغير تُعظِّمه النيّة، ورُبَّ عمل كبير تُصغِّره النيّة” . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر” وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ». رواه مسلم ، وروى أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :« إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ فَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكَ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ قَالَ لاَ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلاَمٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ »
الدعاء