خطبة عن ( الإيمان بالقضاء والقدر )
أكتوبر 21, 2017خطبة عن حديث (وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ)
أكتوبر 21, 2017الخطبة الأولى( ربي ما أرحمك ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]. وقال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49]. وروى مسلم في صحيحه (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلاَئِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ)
إخوة الإسلام
إن ألسن المؤمنين الموحدين لتلهج بالذكر والشكر والثناء، لمن وسعت رحمته أهل الأرض والسماء ، فسبحانك ربي سبحانك ما أرحمك ، وما أكرمك، وما أعظمك ،نذنب فتغفر ، ونخطئ فتمهل ، وندعوك فتستجب ، ونسألك فتعطي .
سبحانك ربي سبحانك .. ما أرحمك !! .. فهذا فرعون ، قلت عنه في كتابك الكريم : (فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (21): (24) النازعات ،ومع ذلك ،تقول لنبيك موسى وأخيه هارون عليهما السلام : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (43) ،(44) طه
قال أحد الصالحين وهو يسمع هذه الآية: يا رب : إذا كان هذا هو عطفك ورحمتك بفرعون الذي قال : ” أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ” فكيف يكون عطفك بـعبد سجد لك، واستسلم بين يديك ، ومرغ جبهته في التراب وقال : « سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى » ، سبحانك ربي .. ما أرحمك !! .. جاء ضيف إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام ، فلم يكرمه لأنه كافر فقال له الرب الكريم الرحيم : يا إبراهيم ، أمن أجل ليلة تستقبله فيها تريد أن تغير دينه ، بينما أنا أرزقه أربعين سنة وهو كافر؟ فقام سيدنا إبراهيم، مسرعا وراء الرجل ، فلحق به، وناداه ، فقال له الرجل : ما الذي جعلك تتغير هذا التغير المفاجئ ؟؟فقال له نبي الله إبراهيم : « والله إن ربي عاتبني لأني صنعت معك هذا ». فقال له الرجل : أربك عاتبك وأنت رسوله ، فيّ وأنا كافر به ، فنعم الرب ربٌ يعاتب أحبابه في أعدائه ، فأسلم الرجل ، سبحانك ربي سبحانك .. ما أرحمك !! .. روى أنه كان في بني إسرائيل شاب ..عبد الله تعالى عشرين سنه ثم عصى الله عشرين سنة ..ثم نظر في المرآة .فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال : اللهم أطعتك عشرين سنة .ثم عصيتك عشرين سنة ..فإن رجعت إليك أتقبلني ؟ فناداه منادي أرحم الراحمين : أحببتنا فأحببناك ..وتركتنا فتركناك ..وعصيتنا فأمهلناك .وإن رجعت إلينا قبلناك .وكيف لا وقد قال الله في كتابه العزيز : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ..} الشورى 25، 26 ، سبحانك ربي سبحانك .. ما أرحمك !! .. (فعَنْ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَصَبِىٌّ فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ ابْنِى ابْنِي. وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِىَ ابْنَهَا فِي النَّارِ. قَالَ فَخَفَّضَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « وَلاَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُلْقِى حَبِيبَهُ فِي النَّارِ ». رواه أحمد. سبحانك ربي سبحانك .. ما أرحمك !! ما أرحمك بأهل التوحيد ممن وجبت لهم النار ، فهؤلاء أهل المعاصي والكبائر من الذنوب ، قد أوصلتهم غدراتهم وفجراتهم إلى النار ، وأدخلوا فيها ، فجاءتهم رحمتك لتنقذهم من الخلود في النار مع الكفرة والفجار فقد روى الإمام أحمد وغيره عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة الطويل : (..ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فَيَشْفَعُونَ لِمَنْ أَرَادُوا. قَالَ فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً. قَالَ فَيَدْخُلُون الْجَنَّةَ.
قَالَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ تَلْقَوْنَ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ. قَالَ فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلاً فَيَقُولُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لاَ غَيْرَ أَنِّى كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَسْمَحُوا لِعَبْدِى كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي وَأَكْثَرَ . فسبحان من رحم في عدله وعقوبته، كما رحم في فضله وإحسانه ومثوبته. سبحانك ربي سبحانك .. ما أرحمك !! وسعت رحمتك كل شيء، وعم كرمك كل حي،وأنت غَنِيِّ عن عبادك، ورحيم بهم، وهم مفتقرون إليك على الدوام، في جميع أحوالهم، فلا غنى لهم عنك، طرفة عين .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية سبحانك ربي ما أرحمك
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
سبحانك ربي سبحانك .. ما أرحمك !! .. تفرح بتوبة عبدك العاصي المذنب ، بعدما بارزك بالمعاصي ، وصد عن سبيلك ، ثم جاءك تائبا ، فقد روى مسلم في صحيحه عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ». وروى الترمذي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )
أيها المسلمون
أورد ابن القيم رحمه الله عن بعض العارفين أنَّه رأى في بعض السِّكك بابًا قد فُتِح وخرج منه صبيٌّ يَستغيث ويَبكي، وأمُّه خلفه تَطرده، حتى خرج، فأغلقَت البابَ في وجهه ودخلَت، فذهب الصبيُّ غير بعيد، ثمَّ وقف مفكِّرًا، فلم يجد مأوًى غير البيت الذي أُخرِج منه، ولا مَن يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد البابَ مغلقًا، فتوسَّده ووضع خدَّه على عتبة الباب، ونام، فخرجَت أمُّه، فلمَّا رأَته على تلك الحال لم تملِك أن رمَت بنفسها عليه، والتزمَته، تقبِّله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عنِّي؟ مَن يُؤويك سواي؟! أين تذهب عنِّي؟ مَن يؤويك سواي؟! ألم أقل لك: لا تخالِفني ، ولا تحملني بمعصيتك على خِلاف ما جُبلتُ عليه من الرَّحمة بك، والشَّفقة عليك، وإرادة الخير لك؟ ثمَّ ضمَّته إلى صدرها، ودخلَت به بيتها، فتأمَّل قولها: لا تَحملني بمعصيتك على خلاف ما جُبِلتُ عليه من الرحمة بك، والشَّفقة عليك. فإذا كانت هذه هي رحمة الأم بصبيها الذي خالفها وعصى أمرها بعدما رجع إليها ، فكيف برحمة أرحم الراحمين !
الدعاء