خطبة عن ماذا يريد الله لعباده؟ : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ )
سبتمبر 18, 2021خطبة عن بشرى المؤمنين ، وقوله تعالى ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ )
سبتمبر 18, 2021الخطبة الأولى ( اللهم ربي : إِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قرأ : {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـٰنِ عَهْدًا} [مريم : 87]، فقال: اتخذوا عند الرحمن عهدًا ، فإن الله يقول يوم القيامة : «من كان له عندي عهد فليقم» ، قال: فقلنا : فعلمنا يا أبا عبد الرحمن، قال : قولوا : « اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ » . (أخرجه أحمد مسنده ، والحاكم ،وصححه الذهبي ،والهيثمي ،وقال الأرنؤوط : صحيح
إخوة الإسلام
ما مُنِح عبد منحة أعظم ولا أفضل ولا أجلَّ من منحة أن يحفظه الله – عز وجل – ويكلؤه ويسدده، ويفوقه ويصلحه، ويثبته على ذلك. فإياك إياك أن تعتمد على ذكائك أو على حفظك، أو على فهمك أو على ضبطك، ولكن توكَّلْ على الله – عز وجل – وقُلْ : حسبي الله ونعم الوكيل؛ لأنه متى وكل العبد إلى نفسه ، فقد وكل إلى ضعف وضَيْعة، وفقر وفاقة، وعجز وعَوْرةٍ، ويكون بذلك قد دنا وقرب من كل شر، وتباعد عن كل خير. قال الطحاوي – رحمه الله -: (ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين، فقد كفر، وصار مِن أهل الحَيْن).. فإذا لهج العبد بالدعاء، كان فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي، بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك – حقَّق اللهُ له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحًا وسرورًا”. فكل من عرف التقصير من نفسه وتأكد له ذلك، فلجأ إلى الله – عز وجل – فقد سعد في الدنيا والآخرة، وهذان الأمران هما أحد المعاني السامية لهذه الكلمات والدعوات، والتي أشار إليها هذا الأثر الوارد عن بعض أئمة سلفنا، وهو يحيى بن معاذ الرازي – رحمه الله – عندما قال: (مَن عرَف نفسه، عرَف ربه) ، ومعناه كما قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية : “من عرَف نفسه بالعجز والافتقار والتقصير والذلة والانكسار، عرَف ربه بصفات الجلالة والجمالة على ما ينبغي لهما”. ويقول عبدالحميد الكاتب : “إن ظنَّ منكم ظانٌّ أو قال قائل: إن الذي برز من جميل صنعته، وقوة حركته، إنما هو بفضل حيلته وحسن تدبيره – فقد تعرض بحُسن ظنه أو مقالته إلى أن يكلَه الله – عز وجل – إلى نفسه، فيصير منها إلى غير كافٍ، وذلك على من تأمله غير خافٍ”. وعن أبي بكرة – رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ » رواه أو داود ففي هذه الكلمات والدعوات كما قال شيخ الإسلام ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد : “من تحقيق الرجاء لمن الخير كله بيديه والاعتماد عليه وحده، وتفويض الأمر إليه، والتضرع إليه، أن يتولى إصلاح شأنه، ولا يكله إلى نفسه، والتوسل إليه بتوحيده مما له تأثير قوي في دفع هذا الداء”. وقال المناوي في فيض القدير : “هذه الكلمات إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور وشهود، ومَن شهد لله بالتوحيد والجلال، مع جمع الهمة وحضور البال، فهو حريٌّ بزوال الكرب في الدنيا، والرحمة ورفع الدرجات في العقبى”، وفي سنن أبي داود : (أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الإِيَادِيَّ قَالَ : نَزَلَ عَلَىَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الأَزْدِيُّ فَقَالَ لِي : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ الْجُهْدَ فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا فَقَالَ : « اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْهُمْ إِلَىَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ وَلاَ تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَلاَ تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ » ، وكذا كانت هذه الكلمات والدعوات – أيضًا – هي وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة – رضي الله عنها – ولسائر المسلمين صباحَ مساءَ؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضي الله عنها: (ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكِلْني إلى نفسي طرفة عين أبدًا) رواه الحاكم في المستدرك. وقال شيخ الإسلام – رحمه الله: “روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوم بدر يقول: (يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث)، وفي لفظ: (أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك)”. فدلت هذه الكلمات العظيمات على جملة من الأمور، ولعل من أعظمها : 1- أنه يُستغاثُ بصفات الرب كما يستغاث بذاته، وكذلك يستعاذ بصفاته كما يستعاذ بذاته. 2- أن أكمل الخَلْق أكملُهم عبودية، وأعظمهم شهودًا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين. 3- عدم جواز الثقة بالنفس؛ ولذلك قال ابن أبي مليكة – رحمه الله -: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاقَ على نفسه”. وهذا الدعاء وأضرابه كنوز نعجِز عن حصرها، وفوائد يعسُرُ علينا عدها، والموفق والسعيد من وفقه العلي الحميد لتأملها واستخراجها واقتنائها، ومن حرم من ذلك فهو المحروم، فمن ذلك الذي يستطيع أن يستغني عن الله وعونه طرفة عين، والعبيد كلهم لا يخرجون من هذا؟! فهم على قسمين لا ثالث لهما البتة : الأول : الموفق له ، والثاني : المخذول عنه ، وبقدر قربهما من هذا تحقيقًا وعدمًا تكون سعادتهما وتوفيقهما، أو العكس.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللهم ربي : إِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيطيب لنا يا ربنا أن نبثّك النجوى .. وأن نرفع إليك الشكوى ..ومن أحقُّ بالنجوى منك ؟! وهل يُشتكى ربي إلا إليك؟! نناجيك يا ربَّنا بالحبّ.. بعد أن عقِمت أقلامٌ وحناجر لا قلوب لها.. ونشكو إليك ما نزل بنا من كرْب .. وماحلّ بنا من ضعف ..وما دبّ فينا من خوَر وخوف . فأعِنا يا مولانا حتى نرتقيَ إلى أفق الإسلام لنغيّر ما بأنفسنا.. واكشف اللّهم عنا العذاب .. واصرف اللّهم عنا البلاء .. ولا تعاملنا يا ربنا بما اجترح السفهاء منا .. اللهم حُجّتُنا لديك ، حاجتُنا إليك … وكنزُنا المرجّى عجزُنا بين يديك …اللهم : سبيلنا إليك ، إنعامُك علينا …وشفيعنا لديك ، إحسانك إلينا … إلهنا : ما أقربك ممن دعاك…وما أحلمك على من عصاك …فلا تُبعد اللهمّ من اقترب منك … ولا تطرد اللهمّ من ابتعد عنك … اللهم : حاشاك أن تمنع من يسألك .. وأنت تغضبُ على من لا يسألك ..اللّهم لا ثقة لنا إلا في رحمتك.. فلا تكلْنا إلاّ إلى رحمتك ، وإسلام الأمر لك.
الدعاء