خطبة عن (البشرية قبل البعثة النبوية)
سبتمبر 6, 2023خطبة عن (مرافقة الرسول في الجنة)
سبتمبر 7, 2023الخطبة الأولى رسول الله خير الناس (قد جِئتُكُم مِن عِندِ خَيرِ النَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده: (جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالسَّيْفِ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ «اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ». فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ». قَالَ كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ «أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ». قَالَ لاَ وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ – قَالَ – فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ (قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ).
إخوة الإسلام
هذا الرجل قد كان صادقا في قوله: (قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ): فهذه شهادة حق، نطق بها هذا الرجل، لما رأى من اجتماع كل أوصاف الخير في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو خير الناس اسما ونسبا، وهو خير الناس خلقا وخُلقا، وهو خير الناس سيرة وذكرا، ودعوة وجهادا، وهو خير الناس في كل شيء. وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم، وقال تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء:113، وفي صحيح مسلم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ). وفي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ)، وفيه أيضا: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا، لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلاَ فَخْرَ». وفيه أيضا: (أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِيَ فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَلاَ فَخْرَ». نعم، فهو صلى الله عليه وسلم خير الناس: فقد اتخذه الله خليلا، وجعله خاتم رسله، وأنزل عليه أفضل كتبه، وجعل رسالته عامة للثقلين إلى يوم القيامة، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأجرى على يديه من الآيات والمعجزات ما فاق به جميع الأنبياء قبله،
أيها المسلمون
حقا ما قال الرجل: (قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ): فالرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في شفقته ورحمته ورقة قلبه وحنانه، فكان رحيما بالإنسان والحيوان والطير: فقد دعا الله تعالى لمن آذوه، فقال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» متفق عليه، وفي الصحيحين: (قال صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»، وعن عبد الله بن مسعود قال: (كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ: مَن فجعَ هذِهِ بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها إليها) رواه أبو داود واحمد.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في عفوه وصفحه وحلمه، ونقاء سريرته وصفاء قلبه: فقد عفا عن قومه وقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء)، وهذا لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سَحَر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعفا عنه ولم يعاقبه، وإنما اكتفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (شفاني اللهُ، وكرهت أن أُثير شرًّا)،
والرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في أخلاقه: في زهده وحيائه، وخوفه ورجائه، وصدقه وعدله، وفي جوده وكرمه، وعطائه واحسانه: ففي صحيح مسلم: (مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ – قَالَ – فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِى عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ). والرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في تعبده وطاعته لله تعالى، فقد قام لله تعالى حتى تورمت قدماه: ففي صحيح البخاري: (كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لَيَقُومُ لِيُصَلِّىَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»، والرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في فهمه لحقيقة الدنيا والآخرة: (دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشاً أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ « مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه ابن حبان واحمد،
وهو صلى الله عليه وسلم خير الناس في شجاعته وقوته، واقدامه وجرأته، ودفاعه عن الحق، وقيادته للجيوش : ففي غزوة بدر وأحد وغيرهما من غزوات قاد النبي صلى الله عليه وسلم المعارك والقتال بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه، وقد شُجَّ في وجهه، وكُسِرت رَباعيتُه، فهو صلى الله عليه وسلم شجاع في موطن الشجاعة، وقوي في موطن القوة، وعفو في موطن العفو، ورحيم رفيق في موطن الرحمة والرفق.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في صبره وتحمله، وكظمه لغيظه، ومقابلة السيئة بالحسنة، والعقوبة بالإحسان، وهو خير الناس في مزاحه وتلطفه، وضحكه وتبسمه، وفرحه وسروره، وهو صلى الله عليه وسلم خير الناس زوجا وأبا وجدا: فكان في بيته في مهنة أهله، وأَقْبَلَتْ ابنته فَاطِمَةُ، فَقالَ صلى الله عليه وسلم: (مَرْحَبًا بابْنَتي، ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ، أوْ عن شِمَالِهِ)، وفي سنن النسائي: (قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ)،
والرسول صلى الله عليه وسلم خير الناس مع أصحابه: يسأل عن غائبهم، ويزور مريضهم، ويستجيب لدعواتهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويشيع ميتهم، ويصلي عليهم، ويدعو لهم، ويساعد فقيرهم، ويواسي حزينهم، ويداعب أطفالهم، ويلاطفهم ويمازحهم، ويضحك لضحكهم، ويبكي لبكائهم، ففي الصحيحين: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ – قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ – كَانَ فَطِيمًا – قَالَ – فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَآهُ قَالَ «أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ». قَالَ فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ). وذلك أنه كان لهذا الطفل الصغير طائر يلعب به فمات، فحزن الطفل عليه حزنًا شديدًا، فكلما لقبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا عمير، ما فعل النغير، أي ذلكم الطائر الذي مات.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس قضاء للدين، وفي الوفاء بالعهد والوعد: ففي الصحيحين: (كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ «أَعْطُوهُ». فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ «أَعْطُوهُ». فَقَالَ أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ. قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً»، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى الْحَمْسَاءِ قَالَ بَايَعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاَثٍ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ فَقَالَ « يَا فَتَى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَىَّ أَنَا هَا هُنَا مُنْذُ ثَلاَثٍ أَنْتَظِرُكَ».
والرسول صلى الله عليه وسلم هو خير الناس مع الجار والقريب: ففي سنن الترمذي: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
والرسول صلى الله عليه وسلم خير الناس تعاملا مع أعدائه: (فلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ – قَالَ – فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكَ. قَالَ فَدَعَا اللَّهَ) رواه مسلم، وفي رواية للبزار: (فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا وَوَثَبَ عَنْهَا إِلَى الأَرْضِ، وَنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذَا أَحْسَبُهُ، قَالَ: مِنْكَ أَوْ عَمَلِكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهُ، فَوَاللَّهِ لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ ،وَخُذْ سَهْمًا مِنِّي فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلٍ لِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،فَانْطَلَقَ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ) .
والرسول صلى الله عليه وسلم خير الناس في تعامله مع الأسرى: فانظروا إلى موقفه مع ثمامة بن أثال؛ وقد كان زعيمًا مشهورًا من زعماء بني حنيفة، وقرَّر أن يأتي للمدينة ليقتل رسول الله، فأسره أصحاب رسول الله، وجاءوا به إلى المسجد النبوي، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن قال لأصحابه: “أَحْسِنُوا إِسَارَهُ” “واجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَيْهِ” ، وفي غزوة بدر أسر المسلمون سبعين من قريش، فقرر صلى الله عليه وسلم إعفاءهم من القتل، وقبول الفدية ممن يستطيع منهم، ومن لم يكن معه مال، كان فداؤه أن يُعلّم بعض المسلمين القراءة والكتابة. والرسول صلى الله عليه وسلم خير الناس في حكمه وعدله، ففي سنن ابي داود: (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ قَسْمًا أَقْبَلَ رَجُلٌ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ فَجُرِحَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَعَالَ فَاسْتَقِدْ ». فَقَالَ بَلْ عَفَوْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في اخلاصه واستقامته وأمانته، ونصيحته لأمته: ففي سنن البيهقي : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ »
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس، فهو خير من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وخير من صبر وبلغ رسالة ربه، ففي صحيح البخاري: (جَاءَ عُقْبَة بْن أَبِى مُعَيْطٍ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ يُصَلِّى، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ. وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)، وفيه أيضا: (أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِى فُلاَنٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ، لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنْعَةٌ. قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في الايثار والتغافل والتقوى: وفي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّى أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ)، وفي مسند أحمد: (قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَنَا أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ». وهو صلى الله عليه وسلم خير الناس في تواضعه: ففي صحيح البخاري: (أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية رسول الله خير الناس (قد جِئتُكُم مِن عِندِ خَيرِ النَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في توكله: ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي بَكْرٍ – رضي الله عنه – قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي الْغَارِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا. قَالَ «اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في قناعته وورعه: ففي صحيح مسلم: (دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ – قَالَ – فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ قَالَ «مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ». قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا لِي لاَ أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. فَقَالَ «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا». قُلْتُ بَلَى)،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في حسن ظنه بالله تعالى، وسلامة قلبه، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ». وفي حديث فيه ضعف: أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: (أمَّا بعدُ أيُّها الناسُ: فإني أَحمَدُ اللهَ الذي لا إله إلا هو. فمَنْ كنتُ جلدتُ له ظَهرًا فهذا ظهري فَلْيَسْتَقِدْ منه! ومَنْ كنتُ شَتَمْتُ له عِرْضًا فهذا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ منه !. ألا وإنَّ الشحناءَ لَيْسَتْ مِنْ طبعي ولا مِنْ شأني. ألا وإنَّ أحبَّكم إلَيَّ مَنْ أخذ مِنِّي حَقًّا إن كان له أو أحلَّني منه فَلَقِيتُ اللهَ وأنَا طَيِّبُ النَّفْسِ) ،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في مراقبته لربه، ففي صحيح البخاري: (أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ – رضي الله عنهما – تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « كِخٍ كِخٍ – لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ – أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»، وفي مسند أحمد: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ نَائِماً فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ « إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ».
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في صلاته وخشوعه: ففي صحيح مسلم: (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ. ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّى بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ «سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ ». فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ «سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى» فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ)، وفي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قُلْنَا وَمَا هَمَمْتَ قَالَ هَمَمْتَ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم)، وفي سنن النسائي وصححه الألباني: (عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس في ذكره لله تعالى: (فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أكملَ الخَلْق ذِكْرًا للّه جل جلاله، بل كان كلامُه كله في ذِكر اللَّه، وكان أمرُهُ ونهيُه وتشريعُه للأمة ذِكْرًا منه لِلَّهِ، وكان إخبارُه عن أسماءِ الربِّ وصِفاتِه، وأحكامِهِ وأفعاله ووعدِه ووعيده ذِكرًا منه له، وكان ثناؤُه عليه بآلائه وتمجيدُه وحمدُه وتسبيحُه ذكرًا منه له، وكان سؤالُه ودعاؤه إياه ورغبتُه ورهبتُه ذِكرًا منه له، بل كان صمتُه ذِكرًا منه له بقلبه، فكان صلى الله عليه وسلم ذاكرًا للّه في كل أحيانه، وعلى جميع أحواله، وكان ذِكْرُهُ لله يجري مع أنفاسه، قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، وفي مشيه وركوبه ومسيره، ونزولِه وظعنه وإقامته). [زاد المعاد].
ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: «إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ يَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (رواه أحمد)، وقالت عنه زوجه عائشة رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ» (رواه مسلم)
الدعاء