خطبة عن حديث ( الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ )
سبتمبر 13, 2022خطبة عن ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )
سبتمبر 17, 2022الخطبة الأولى ( رضا الله أفضل من الجنة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين : (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. يَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ .فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا »
إخوة الإسلام
الجنَّةُ فيها ما هو أعظَمُ نِعمةً، وأكثَرُ سعادةً مِن دُخولِها، وهو الرِّضوانُ الإلهيُّ الذي لا يساويه شيءٌ من نِعَمِ اللهِ، وإنما كان هذا الرِّضوانُ أكبَرَ؛ لأنَّه سَبَبُ كُلِّ فَوزٍ وكرامةٍ، وطريقٌ إلى رؤيةِ اللهِ تعالى، فإذا كان أهل الجنة في نعيم دائم، فرضوان الله عز وجل لا ينتهي ولا يزول، فالله تعالى المنعم المتفضل جل وعلا يتفضل على عباده المؤمنين في الجنة بسابغ فضله ،وواسع عطائه، وفي هذا الحديث : يناديهم سبحانه، يا أهل الجنة، فيساعون إلى الإجابة قائلين: لبيك، أي إجابة لك بعد إجابة، وسعديك أي إسعاداً منك بعد إسعاد، فيقول سبحانه وتعالى لهم: هل رضيتم بما تفضلت عليكم من نعيم في جناتي؟،فيقولون: أي ربنا نعم رضينا، وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا عطاء ما كنا ننتظره، لأنك سبحانك لم تعط أحداً من خلقك مثل هذا العطاء الذي تفضلت به علينا، فيقول سبحانه وتعالى وهو المنعم المتفضل: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، أعطيكم أفضل من ذلك لأني وعدتكم، ووعدي لا يتخلف، أعطيكم أكثر من ذلك، لأن خزائني لا تنفد، أعطيكم أفضل من ذلك، لأن الحسنة عندي بعشر أمثالها وقد أزيد، أعطيكم أفضل من ذلك لأنني أنا الذي أملك ما أكرم به عبادي، أعطيكم أفضل من ذلك لأنكم رجوتم رحمتي وخشيتم عذابي، أعطيكم أفضل من ذلك لأنني أنا الله لا يقطع رجاء من ارتجاه ولا يخيب من دعاه، لقد أمرتم بصيام النهار فصمتم، وأمرتم بقيام الليل فقمتم، وأطعتم الرحمن ،وعصيتم الشيطان، وأنا الله الواحد الديان، أجود عليكم بواسع رحمتي، وأتفضل عليكم بسابغ جودي وإحساني، عند ذلك تشتاق نفوس المؤمنين لعطاء رب العالمين وتشرئب أعناق المتعطشين إلى ما لم تره عين ولم تسمعه أذن ولم يخطر على قلب بشر، ومازال أهل الجنة في شوق إلى معرفة العطاء الذي هو فوق ما لم يعط سبحانه لأحد من قبل، فيقولون: وأي شيء أفضل من هذا العطاء يا صاحب الجود والإحسان، وهل هناك شيء أفضل من ذلك العطاء يا رب؟ فيقول سبحانه: نعم، الذي هو أفضل من الجنة هو أني أحل عليكم رضواني، فلا ترون بعد ذلك الرضوان سخطاً ما حييتم ، وحياتكم في الآخرة لا تنتهي، فليس بعدها فناء، فرضواني عليكم في دار الخلود رضوان دائم، ليس بعده سخط أبداً ، لأن رحمتي سبقت غضبي، وعفوي سبق عقابي، كتب ربكم على نفسه الرحمة، ورحمتي وسعت كل شيء، نعم إنه الرضوان الذي ليس بعده سخط، والنعيم الذي ليس بعده شقاء، والحياة الأبدية التي ليس بعدها موت،
أيها المسلمون
إن أقصى ما يتمناه المرء العاقل المسلم: هو أن يدخل الجنة دار السعداء، وأن يرضى عنه رب الأرض والسماء، وأن ينجو من النار دار الأشقياء، وهكذا كان عامة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يدور حول هذين الأمرين، ففي سنن أبي داود: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ « كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ ». قَالَ أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ ». وبمثل هذا كانت أماني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكانت عامة أدعيتهم كذلك فيها، فهم يسألون الله تعالى رضاه والجنة، ويستعيذونه من سخطه والنار، وهكذا الصالحون من عباد الله ،فشأنهم أن رضا الله والجنة غاية أمانيهم. ولهذا فهم دائماً يسألون ربهم أن يدخلهم الجنة وينالون رضاه، ويستعيذون به من النار، كما جاء في صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ . قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا . قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ . قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِى قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ . قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا ، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا . قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا ، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا ، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً . قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا ، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً . قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ . قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ . قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ »،
وأهل الرضوان في الدنيا هم أهل الخير والصدق والأخلاق الحسنة، وهم مصابيح الهدى ، ولآلئ النور ، ومصدر الاستقرار ،ويصنعون الخير ليلَ نهار، وهم – في الدنيا – حملة قلوب نقيَّة، لا حقد فيها ولا حسد ولا بغض، وهم يتصدَّقون عند المقدرة ، وأعينُهم تفيض حزنًا إذا لم يُسعفهم النصيب أن يتصدَّقوا وينفقوا بسبب عَوَزهم وقلَّة مالِهم، وهم لله محبِّين ، ولرسوله متَّبعين ، ولآلِه وصحابتِه محترِمين ، وعلى خُطاهم سائرين ، أتعبوا أقدامهم بين يدي الله في الليل واقفين، وبِجِباههم على الأرض ساجدين ، ولأيديهم رافعين متضرِّعين ، وبالسماء مُتعلِّقين ، وللدُّنيا مُطلِّقين . هم في الدنيا صابرون ، وابتغاء أجر ومرضاتِ ربهم محتسبون ، وإلى جيرانِهم محسنون ، وبأخلاقهم متميِّزون ، ولدِينهم ناصرون عاملون ، ولنهضة أمَّتهم صانعون، ولمن حولهم مُسْعِدون،
وأهل الرضوان في الدار الآخرة : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (21) :(24) الحاقة ،وهم كما قال الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (8): (16) الغاشية، وأهل الرضوان : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (17): (40) الواقعة ،
أيها المسلمون
وما أروع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف نعيم الجنة كما في صحيح مسلم: « يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا »
فما أعظمَ ذلك الرِّضوان ،لأن المانحَ له والمتكرِّم به هو الخالقُ المعبود ، صاحب الكرم ، وعظيم الجود، ما أعظمَ ذلك الرِّضوان لأن المانح له والمتكرِّم به هو من كتب على نفسه الرحمةَ لعباده ؛ فكان رحيمًا ، بل واسعَ الرحمة ، بل زادتْ عن ذلك ووسِعت رحمتُه كلَّ شيء ،ما أعظمَ ذلك الرِّضوان لأنه رضوانٌ من ربٍّ راضٍ ، عظيم كريم ، كتبَ على نفسه الكرم والعدل ، الكريم والعدل اسمين من أسمائه ، وجعل الكرَم والعدل وصفًا من أوصاف ذاتِهِ سبحانه ،ما أعظمَ ذلك الرِّضوان: لأن المُكافَئين به هم أهلُ الجنة ،
وهذا الحديث يدعونا ويرغبنا في الاستعداد التام لنيل هذا العطاء الجزيل، وهذا الاستعداد يتطلب منا عملاً دائباً، وأملاً لا ينقطع ، ورجاءً لا ينتهي، ولا بد لهذا كله من السير في طريق الصالحين، واتباع هدى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فليس هذا العطاء للخاملين المتقاعسين، وإنما هو للنشطاء العاملين، الذين تحركت مشاعرهم عند سماع قول الله عز وجل في حديثه القدسي: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
الدعاء