خطبة عن (نعمة السَّكِينَة) مختصرة
أغسطس 1, 2024خطبة عن (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
أغسطس 4, 2024الخطبة الأولى ( هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن ، وصححه الألباني : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : « هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ ». فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِى عَنْهُمْ ». قَالَ جُبَيْرٌ فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قُلْتُ أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، قَالَ صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلاَ تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعًا ) .
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الكريم ، والذي يحذرنا فيه صلى الله عليه وسلم من رفع العلم ، وظهور الجهل ، وما يترتب على ذلك من نتائج ، فمعنى قول الراوي في الحديث : (فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ) ، أي رفعه إلى السماء وكأنه يتلقى الوحي من السماء ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ ». أي : يختطف ويسلب علم الوحي منهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم ، فكأنه -عليه الصلاة والسلام- لما نظر إلى السماء كوشف باقتراب أجله فأخبر بذلك :(فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ) ، فالمعنى : أن القرآن مستمر بين الناس إلى يوم القيامة كما يدل عليه قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) الحجر ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ) أي فقدتك ، وأصله الدعاء بالموت ثم يستعمل في التعجب ، ثم قال له صلى الله عليه وسلم : (إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ) ، أما قوله صلى الله عليه وسلم : (هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِى عَنْهُمْ ». أي : فماذا تنفعهم وتفيدهم ، وفي حديث زياد بن لبيد عند ابن ماجه : ” أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ لاَ يَعْمَلُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهِمَا ». قال القاري : أي فكما لم تفدهم قراءتهما مع عدم العلم بما فيهما فكذلك أنتم ، تقرؤون غير عاملين ، فنزل العالم الذي لا يعمل بعلمه منزلة الجاهل ، قال الله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) الجمعة 5، أما قول الصحابي الجليل ( عبادة بن الصامت ) رضي الله عنه :(لأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلاَ تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعًا )، ففيه إخبار بأن الخشوع في الصلاة هو أول ما يرفع من هذه الأمة ، فتصبح الصلاة خالية من الخشوع ، ويؤديها المرء وقلبه مشغول بغيرها ، قال ابن القيم رحمه الله ( عن الخشوع ) في مدارج السالكين : (الخشوع): قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والجمعية عليه. وقيل (الخشوع): الانقياد للحق وهذا من موجبات الخشوع. وقيل (الخشوع) خمود نيران الشهوة وسكون دخان الصدور وإشراق نور التعظيم في القلب. وقيل (الخشوع) “الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب”.
أيها المسلمون
ورَفْع العلم وقلَّتُه ونقصُه وظهور الجهل وتفشِّيه وكثرته وثُبوته علامةٌ من علامات قُرب السَّاعة وشَرطٌ من أَشْرَاطها، ولا ريبَ أنَّ المراد بالعلم في هذا الموطن العلم بالوحي أي بالكتاب والسُّنَّة، والعلم بأحكام الدِّين أصوله وفروعه، وهو العلم الَّذي يورث خشيةَ الله لا غير؛ لذلك لـمَّا يرفع هذا العلم يخلفُه الجهل الَّذي يزيل خشيةَ الله من القلوب، ويجرُّ النَّاس إلى أنواع من الذُّنوب العظيمة والجَرائم الغليظة كالقتل والزِّنا وشُرب الخمور ونحوها. وقد جعل اللهُ تعالى لرفع هذا العلم بينَ النَّاس وإحلال الجهل محلَّه أسبابًا وطرقًا. قال ابنُ العربي: «وأمَّا ذهابُ العلم، قال المشيَخَةُ: فيكونُ بوجُوه، إمَّا بمحوِه من القلوب، وقد كانَ في الَّذين من قبلنا، ثمَّ عصَمَ اللهُ هذه الأمَّة، فذهابُ العِلم منها بمَوت العُلماء. وقد قال جماعةٌ منَ النَّاس: إنَّ ذهابَ العلم يكونُ أيضًا بذهاب العَمل به، فيحفَظون القُرآن ولا يعمَلون به فيذهب العلم. والواقع أنَّ هذه الوجُوه كلها توجد في هذه الأمَّة، فقَد يُذنب الرَّجُل حتَّى يُذْهِبَ ذنبُه علمَه، وقد يقرؤه ولا يعمَل به، وقَد يُقْبَضُ بعلمِه فلا ينتَفعُ أحدٌ به، أو يُمنَع من بثِّه فيذهَب لوقتِه» ، وفي رفع العلم وذهابُه بمَوت العُلماء: رُوي في الصحيحين واللفظ لمسلم (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ». ومما لا شك فيه أنَّ موتَ العلماء نقصٌ في الدِّين، وعلامة لحلول البَلاء المبين، لهذا قال الحَسن البَصري: «كَانُوا يَقُولُونَ: مَوْتُ العَالِم ثُلْمَةٌ في الإسْلام لا يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» ، فلا يزالُ النَّاس في خيرٍ وعافيةٍ وصلاحٍ مَا بَقِيَ العالم بينَ أظهرهم حَتَّى يُتَعَلَّمَ منه، فَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُتَعَلَّمَ منه هَلَكَ النَّاسُ، فقد سئل سَعِيد بن جُبَيْرٍ: مَا عَلامَةُ هَلاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ عُلَمَاؤُهُمْ» ، وقال ابن بطَّال: «وإنَّما يكونُ قبضُ العِلم بتَضييع التَّعلُّم فلا يُوجَد فيمَن يبقَى مَن يخلُف مَن مضى» ، فلذلك فنحن نهيبُ بكلِّ مَن يرى من نفسه أهليَّةً أن يتوجَّه إلى طلب العلوم الشَّرعية بنَهم وشَرَهٍ دون كلل أو ملل، ويسعى ليبلغ فيها مبلغًا عظيمًا ويكونَ من أوعية العلم الَّذين يَدرأ اللهُ بهم الهلاكَ عن الأمَّة، كما أنَّ مَن حمل علمًا فعليه أن ينشُره في النَّاس ويبثَّه بينهم ولا يتأخَّر، واعلموا أن طلبَ العلم ونشره من أفضل القُربات، ولهذا لـمَّا قِيلَ لِعَبْدِ الله بنِ المبَارَكِ: «لو قيل لك لمْ يبقَ منْ عمُرك إلاَّ يومٌ ما كنت صانعًا؟ قال: كنتُ أُعَلِّمُ النَّاسَ» وعلى مَن لم يكن عالـما أو طالبَ علم أن يكونَ محبًّا للعلم وأهلِه، ويفتخر بالانتظام في سِلكهم ويتشرَّف بالانتساب إليهم، وأن يحمل همَّ إيجاد العالم في الأمَّة، فيسعى بكلِّ ما أوتي من وسائل مشروعة لإيجاده وتيسير الطَّريق لطلبة العلم الجادِّين الَّذين يُتَوسَّم فيهم الخير ليبلغوا مُرادَهم منَ العلم، ويكونوا علماء همُّهم نَشر العلم وبثّه، ورفع الجهل وتقليله، ليُحفظ لهذه الأمَّة كرامتها وخيريتها، وأما رفع العلم وذهابُه بعَدم العَمل به: فهو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة : (هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِى عَنْهُمْ ». فهؤلاء يحفظون التوراة والانجيل ولكن لا يعملون بها ، ومن المعلوم أن العلمَ قِسمان: أحدهما: ما كانَ ثمرتُه في قلبِ الإنسان، وهُو العلمُ بالله تعالى وأسمائه وصفاتِه وأفعالِه المقتَضِي لخشيتِهِ، ومهابتِه، وإجلالِه، والخضوع له، ولمحبَّتِه، ورجائهِ، ودعائه، والتَّوكُّل عليه، ونحو ذلك، فهذا هو العلمُ النَّافع، كما قال ابنُ مسعود: «إنَّ أقواماً يقرأون القُرآن لا يُجاوُزِ تَراقيهم، ولكن إذا وقَعَ في القلب، فرسَخ فيه نَفَع» ،وقال الحسنُ: «العلمُ عِلمان: علمٌ على اللِّسان، فذاك حُجَّةُ الله على ابن آدم، وعلمٌ في القَلب، فذاك العلم النَّافع» ، فأوَّلُ ما يُرفعُ مِنَ العلم، العلمُ النَّافع، وهو العلم الباطنُ الَّذي يُخالِطُ القلوبَ ويُصلحُها، ويبقى علمُ اللِّسان حجَّةً، فيتهاونُ النَّاسُ به، ولا يعمَلون بمقتَضَاه، لا حَمَلَتُه ولا غيرُهم، ثمَّ يذهبُ هذا العلم بذهاب حَمَلتِه، فلا يبقى إلاَّ القُرآن في المصاحف، وليسَ ثَمَّ مَن يعلمُ معانيه، ولا حدودَه، ولا أحكامَه، ثمَّ يُسرى به في آخر الزَّمان، فلا يبقى في المصاحف ولا في القُلوب منه شيءٌ بالكلِّيَّةِ، وبعد ذلك تقومُ السَّاعة، كما قال ﷺ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاس» ، وقال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ وَفِي الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ: الله الله» ، ولهذَا فلا يجب أن تتوجَّه العناية إلى القرآن بحفظه في الصُّدور وإقامة حروفِه وحسن قراءتِه وتجويده، ثمَّ نغفل تدبَّر آياته، وفَهم معانيه، والعَمل بأحكامِه، فإنَّ مجرَّدَ بقاءِ حِفظِ الكتابِ لا يُوجِبُ هذا العلمَ، لا سِيَّما أنَّ القُرآنَ يَقْرَؤُهُ المنافقُ والمؤمنُ، ويقرَؤُهُ الأُمِّيُّ الَّذي لا يعلَمُ الكتابَ إلاَّ أمَانيَّ ، فالسَّبيل إلى حفظِ العلم وتثبيته هو العمل به كما قال جلَّ ذكره: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء:66].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما رفع العلم وذهابُه بمحوه من الصُّدور: فإنَّ اللهَ تعالى تكفَّل بحفظ كتابه، ولن تَصل يدُ التَّبديل والتَّحريف إلى حروفِه أبدًا إلى أن تأتي ليلةٌ يُرفع فيها القرآنُ إلى السَّماء ويُمحى من الصُّدور والسُّطور، فلا يبقى منه في الصُّدور كلمة، ولا في المصاحف منه حرف. ومصداق هذا ما جاء في سنن ابن ماجة : (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْىُ الثَّوْبِ حَتَّى لاَ يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا ». فَقَالَ لَهُ صِلَةُ مَا تُغْنِى عَنْهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صَلاَةٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلاَثًا كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. ثَلاَثًا. فعلى المسلم أن لا يتأخَّر ولا يتوانى في طلب العلم النَّافع الَّذي يعرِّفُه ربَّه وأحكامَ شريعته من العلماء، وينشر ما أمكنه منه بين أهله وذويه وأقربيه قبل أن يُرفع ولا يبقى منه شيءٌ؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: «يا أيُّها النَّاسُ! عليكم بالعلم قبل أن يرفع، فإنَّ من رفعه أن يقبض أصحابُه، وإيَّاكم والتَّبَدُّعَ والتَّنَطُّعَ، وعليكم بالعتيق، فإنَّه سيكون في آخر هذه الأمَّة أقوامٌ يزعُمون أنَّهم يدعون إلى كتاب الله، وقد تركوه وراء ظهورهم»
أيها المسلمون
وأما قوله : (إِنْ شِئْتَ لأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلاَ تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعًا ) ، فالخشوع في الصلاة على ثلاث درجات الدرجة الأولى: استحضار معاني ما يتلفظ به من قراءة وتسبيح، وهذه الدرجة هي أقل وأدنى ما يُجزِئ من الخشوع الكامل، ومن لم يعقل ما يقول، وسها بتفكيره ، فقد خرج من الخشوع إلى الغفلة، ومما يدلّ على ذلك ما جاء في البخاري (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ،ويُؤكِّد هذا المعنى قول ابن عباس رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:(ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ) ، الدرجة الثانية: أن يقرأ ويسبح وهو يعقل ما يقول، ويتأثر بالمعاني حال القراءة والتسبيح، وهذه الدرجة تزيد عمّا قبلها بوجود التأثّر من تلك المعاني الدرجة الثالثة: أن يقرأ مُتأثِّراً غاية التأثر فتدمع العين ويخشع القلب وتضطرب الجوارح فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى وهو يصلِّي صلاة الليل، ففي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها وهي تصف حال رسول الله في قيامه قالت : (ثم قام يصلي قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض). فالخشوع هو لب الصلاة وثمرتها فالصلاة بلا خشوع كشجرة بلا ثمار. وفي المستدرك عن أبي هريرة قال :صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر فلما سلم نادى رجلا كان في آخر الصفوف فقال : يا فلان ألا تتقي الله ألا تنظر كيف تصلي ؟ إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يقوم يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه) ، أي ليعلمها الأدب والخشوع لله سبحانه وتعالى ولذا لما سمع بعض السلف قوله تعالى : ( لاَ تَقْرَبُواْ الصلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ). قال كم من مصل لم يشرب خمراً وهو في صلاته لا يعلم ما يقول، وقد أسكرته الدنيا بهمومها).
الدعاء