خطبة عن (رَمَضَانُ شَهْرُ الصَّبْر)
مارس 19, 2023خطبة عن (الانتصار على أعداء الانسان في شهر رمضان)
مارس 19, 2023الخطبة الأولى ( رمضان شهر الانتصار على أعداء الانسان ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183) البقرة
إخوة الإسلام
ونستكمل الحديث عن انتصارات المؤمن على أعدائه في شهر الصوم ، فمن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على السلبية واللامبالاة : فالصيام ميدان رحب لتحقيق كل مظاهر الجدية والإيجابية لدى المؤمن ، من خلال مضاعفة أجر الطاعات ، وفتح أبوابها على مصراعيها ، وترغيبه فيها من طرف مولاه ، بأن صفد له الشياطين ، وأكرمه بجملة من التكريمات ، رحمة ومغفرة وعتق من النار وفرحتان وباب الريان وخلوف فمه كريح المسك وغيرها . فالصيام ينمي روح الإيجابية والفعالية والشعور بالمسؤولية ، فيتعلم فيه الفرد فن الانتصار على السلبية واللامبالاة وتبلد الشعور بالتبعة والتفريط في القيام بالواجب، فيغرس فيه الصوم كل عوامل الجدية، ليصبح عنصرا فعالا نافعا مؤثرا صانعا للحياة من حوله. ( 7 ) ــ ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على أمراض القلوب : فلأن القلب السليم هو العملة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة وتنقذه من عذاب الله ، كما قال تعالى: ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ( الشعراء 88، 89). وبما أن القلب الأسود المظلم بأمراض الأحقاد والبغضاء والكراهية والحسد والكبر والاستعلاء على الناس وغيرها حاجز لرحمة الله حائل دون توفيقه مانع لمعيته الخاصة للعبد، وبما أن هذه الأمراض حالقة للدين كما جاء في الحديث: ( عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ،وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعْرِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ » (رَواهُ أحمد والبزار). فإن شهر الصيام فرصة ذهبية للتخلص منها والانتصار عليها ، لأن وسائل التنظيف والتطهير للقلب متوفرة بكثرة ، والمحفزات المساعدة على ذلك ميسرة إلا من أبى. ومعركة أمراض القلوب ، معركة فاصلة في تحديد قيمة العبد ومقامه عند مولاه، وما تفاضل من تفاضل من الصالحين إلا بها ، وما بشر من بشر بالجنة وهو حي إلا بها ، لذا أحرى بالعبد المؤمن أن لا يتهاون في الفوز بها ، مهما كانت التضحيات ، لأن لها ما بعدها ــ كما قلنا ــ في ضمان موقعه الريادي في الدنيا والآخرة ، فسيد القوم من لا يحمل الحقد هذا في الدنيا، فما بالك في الآخرة التي قال الله عز وجل في حق أهل جنته : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) (الحجر47). ( 8 ) ــ ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على اليأس والإحباط: فمن لم يستطع أن يتجاوز روح اليأس والإحباط ، وينتصر عليها في رمضان ، فهو فيما سواه أعجز ، لأن ما يوفره الشهر من أجواء إيمانية وفرص ربانية وشفافية روحية ، تساعد المؤمن الصائم وتدفعه دفعا إلى الأمل والتفاؤل ، وتكون سندا قويا له على التعافي من كل مظاهر اليأس والإحباط ، التي تكون قد لازمته قبل رمضان. وانظروا إلى سيدنا يعقوب عليه السلام وهو يبعث روح الأمل ، وعدم القنوط في نفوس أولاده ، والبحث عن إخوتهم، قال تعالى على لسانه : (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (87) ) يوسف ، وبما أن من صفات شهر الصيام أنه شهر الانتصارات ، فإنه يتنافى وكل عوامل اليأس والإحباط ، وما تحققت هذه الانتصارات للأمة على مدار تاريخها كله ، إلا لما تخلصت من الروح اليائسة المحبطة المستسلمة للواقع ، وتجاوزت حالتها المنكمشة المكتفة الأيدي ، المنتظرة مصيرها على أيدي أعدائها دون أن تنتفض وتنهض ، والمؤمن كذلك على مستواه الفردي ، إذا أراد أن يحقق الانتصارات التي ذكرناها ، فما عليه إلا أن يتحرر من شرانق الإحباط ، التي حبس نفسه فيها ، ليرى أنوار الأمل المشرقة البراقة من حوله تملأ الدنيا ببركات ونفحات هذا الشهر الفضيل.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رمضان شهر الانتصار على أعداء الانسان ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على سوء الخلق : فرمضان مدرسة الأخلاق الفاضلة كذلك، فيه يتعلم الصائم ويتدرب ويمارس كل أنواع الخلق الحسن ، التي رغب فيها الإسلام وحث عليها ، وقد يجد بعض الممارسات والأفعال من الناس لتختبر فيه مدى تمسكه بحسن الخلق ، سواء مع جيرانه أو أهل بيته أو زملائه في العمل أو معامليه في الأسواق ، لذلك كان الحديث :( وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ .) (متفق عليه عن أبي هريرة)، وسوء الخلق يمحق بركات الصيام ، وأنه ـ أي الصيام ـ ما فرض إلا ليتدرب فيه الصائم عمليا على حسن الخلق ، وذلك لما له من عاقبة حميدة ، تقربه من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وهو والله العز والشرف ، كما أنه يثقل ميزانه عند الحساب وهو عين النجاة ، كما جاء في الحديث:( عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا ) ( رواه أحمد والترمذي وابن حبان). وقال أيضا:( عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ » ( رواه الترمذي). لذلك فإن الانتصار على السيء من الأخلاق ، وعلى العادات السيئة من السلوك والتي يكون العبد قد تعودها قبل رمضان ، من الغايات العظمى التي ينبغي أن يجعلها المؤمن على سلم أولوياته في هذا الشهر. ( 10 ) ــ ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على التآكل والهزال الروحي: فإن هموم الحياة ومشاغلها وضغوطها ، تنحت من الجانب الروحي والإيماني للمؤمن، فإن لم يتعهدها دائما بالتجديد والتزود فإنه الهلاك بعينه ، فتأتي نفحات رمضان و فيوضاته الروحية ، ليستدرك بها وفيها ما نقص من إيمانه ،وما تآكل وهزل وجف من روحه، فيجدد التوبة والأوبة والرجوع إلى مولاه، ويكثر من الاستغفار والتذلل والانكسار والإنابة إليه، ويتصالح مع الصلاة والقرآن والأذكار ، ويكثر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله، فما يمر عليه الشهر إلا وهو ممتلئ روحيا يقظ إيمانيا ، ويجد نفسه وقد ردت إليه روحه التي كاد أن يفقدها في زحمة المغريات والشهوات والجواذب والصوارف ، وتخلص من تآكلها وهزالها وجفافها ، بعد أن كانت قاحطة جدباء، وأنها قد أشرقت بنور ربها ، بعد أن أظلمت وأدلهمت بكثرة الذنوب والمعاصي والآثام والتقصير في جنب الله عز وجل، فيخرج من محطة الصيام وهو أقوى إيمانا وأرق فؤادا وأنور قلبا وأهنأ بالا وأكثر إطمئنانا وأشف روحا وأشد عزما وأصلب عودا وأوفر سكينة وأعظم زادا ، فما عليه إلا أن يواصل الترقي الروحي ويحافظ على كل ذلك لينتفع بها بعد رمضان. فالحذر كل الحذر أن يخرج عليك رمضان ـ أخي المؤمن ـ وأنت تراوح مكانك روحيا، فلا أنت تخلصت من جفافها وتآكلها ، ولا أنت استطعت أن تتفوق في عمليتي التخلية والتحلية ، فإن كان ــ وهو ما لا نتمناه لك ــ فأعلم بأنك قد انهزمت في معركة الروح ، وأنك حرمت بركات الشهر وفضائله . جعلنا الله وإياكم من المنتصرين ومن المقبولين في شهر الانتصارات .
الدعاء