خطبة عن (رمضان شهر التغيير)
مارس 9, 2024خطبة عن (من فضائل شهر رمضان)
مارس 9, 2024الخطبة الأولى ( رمضان شهر التوبة والغفران )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31)) النور ،وقال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ) آل عمران 135، وقال تعالى (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (22) ) النور ، وقال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53) ) الزمر
إخوة الإسلام
من منّا يَسْلَمُ من الخطأ، أو الوقوع في الزلل، أو مقارفة الذنوب، فكلنا ذو خطأ وخير الخطّائين التوابون المستغفرون. فقد روى الترمذي في سننه (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » ، فمهما بلغت ذنوبناً ومعاصينا، فالله –تعالى- يغفرُها، فإنَّ من أسمائه جلّ وعلا (الغَفُورَ)، ومن صفاته (المغفرة) وهذا يدل على حاجة العباد إلى مغفرة ذنوبهم، ويدل على عدم عصمتهم من الوقوع في الذنب؛ ، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ». وفي شهر رمضان يُلهم الله فيه النفوس الآثمة والقلوب الهائمة، لترجع إلى مولاها، وتصحح المسار، وتصحب الأخيار، وتترك طرق الغاوين الفجّار، وتتطهّر من الأقذار والأكدار، وتتخفّف من الذنوب والأوزار، لتسْلَم من الأخطار يوم العرض على الجبّار، وتدخل جنات تجري من تحتها الأنهار، وتنظر إلى وجه الرحيم الكريم الغفار. فرمضانُ هو شهر الغفران، إذ تكثر فيه أسبابُ المغفرة؛ لأنه شهرُ الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر العتق من النار، وشهر الإحسان، فهو فرصةٌ عظمى لمحو الذنوب والمعاصي والوقاية من النار.
إخوة الإسلام
من لم يغفر الله له في رمضان فمتى سيغفر الله له؟ ومن لم يحقق الأسباب الجالبة للمغفرة فماذا يرجو من ربه بعد ذلك؟ ،(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ » [أخرجه الإمام أحمد الترمذي والحاكم وصححه الألباني]. ، والمعنى -والله أعلم- ذلّ أنفُ رجُلٍ ودُسّ في الرَّغام -وهو التراب- دخل عليه رمضانُ ولم يُغفر له فيه.. ولخطورة الأمر نجدُ اللهَ –تعالى- نوّعَ أسبابَ المغفرة في رمضان، من أجل أن يغفر ذنوبَ العباد خلال هذا الشهر، ويخرج كل مسلم من هذا الشهر كيومَ ولَدَته أمُّه، ليس عليه من الذنوب شيء. فمن أسباب المغفرة في رمضان: -الصيام بالنهار إيماناً بالله، وامتثالاً لأمره، واحتساباً للأجر والثواب من عند الله تعالى، ففي الصحيحين البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » وفي الحديث الآخر (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْتُ قِيَامَهُ فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً خَرَجَ مِنَ الذُّنُوبِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ »[رواه النسائي واللفظ له، وأحمد وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح]. 2) القيام بالليل إيماناً بالله واحتساباً للأجر من عند الله، لا لرياءٍ ولا لسمعةٍ ولا لدنيا ولا لصحةٍ، وإنما طلباً للثواب من الله جلّ وعلا؛ (وأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » متفق عليه. 3) قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ لأنها ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر؛ من حُرِم خيرها فقد حُرم؛ قال عليه الصلاةُ والسلام: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » متفق عليه. 4) الصدقة، وهي من القربات العظيمة، التي تُطهّر المال، وتدفع البلاء، وتُكفّر السيئات؛ قال تعالى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وقال عليه الصلاة والسلام: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ) [رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني]. وقد كان رسولنا -عليه الصلاة والسلام- أجودَ الناس، وأجودَ ما يكون في رمضان؛ حين يلقاه جبريل، إذ كان أجود من الريح المُرسلة. ومن أجلّ أعمال الصائم: تفطير الصوّام؛ ففي الحديث: « مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا » [رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني]. 5) العُمْرة؛ فهي مما يُكفّر الذنوب، ويطهّر القلوب؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ » متفق عليه، والعمرة في رمضان أعظم منها في غيره، وقد جاء في الصحيحين عن رسولنا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: « فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِى حَجَّةً مَعِي » فيا له من فوزٍ عظيم أن يكون المعتمرُ في رمضان كمن حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمن صحبه في إحرامه وفي طوافه وفي سعيه وفي كل مناسكه. 6) الدعاء في الأوقات الفاضلة من هذا الشهر الكريم، وخصوصاً ليلةَ القدر؛ فقد سميت بذلك لعظم قدرها، وجلالة مكانتها عند الله، ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب بها، فهي بحق ليلة المغفرة، وقد ورد في فضل الدعاء فيها أن عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ « قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ». ” [رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني]. وقد كان ابنُ عمر -رضي الله عنهما- يقول عند فطره: (اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي)،
أيها المسلمون
إن الصيام أهم شعيرة سنوية تحل بالمسلمين كمحطة للمراجعة والتوبة والإنابة وطلب الغفران، أراده الله ليكون مناسبة لمراجعة النفس ومواجهتها، وردِّها إلى فطرتها وأصل خِلقتها، والعودة بها إلى رحاب الله، وإلى كنفه وهداه مع أهل الله، ولتتذوق حلاوة الإيمان، ولترقى في مدارج الإحسان، ولتُحِس بعزة العبادة ولذتها، بعد مرارة المعصية وذلة الخضوع للهوى وللشيطان، ويكفي من شرف هذا الشهر المبارك وفضله أن من صامه وقامه بإيمان وإحسان وإتقان مُحِيت صفحاته السوداء، وفُتِحت له صحيفة نقية بيضاء، وسَطَع له في الملأ الأعلى نور وأضَاء، وفي رمضان ينادي منادي الله بنداء لطيف مُشفِق حانٍ: يا أيتها الأنفس الشاردة، ارجعي إلى ربكِ، وعودي إليه، وادخلي في صف عباده الصالحين، لتدخلي جنته مع الداخلين، ولتنعمي مع من: ( أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء:69، 70].والله الكريم المنان ذو فضل على الناس ـ كل الناس ـ وعلى المؤمنين بوجه خاص، ففي رمضان يُغلِّق أبواب جهنم جميعًا، ويُفتِّح أبواب الجنان جميعًا، ويقيّد الشياطين ويسلسلهم، ويحرك الأنفس للطاعات، ففي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَ يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ » وعندما يُقبِل رمضان تتدفّق أمواج التائبين على المساجد، ويكثر سواد المتدينين، وتتطهر أرواح المذنبين، وتتعطر بأريج التوبة، وتعلو البسمة والبِشْر وجوههم، وتغمرهم نسائم الإيمان، وتهزُّهم أشواق الإحسان في شهر القرآن، وكم تبكي عيون المذنبين، وتقشعر جلودهم، وتلين قلوبهم، وتطمئن لذكر الله، ويزول عنها الران الذي علاها، وتصفو وتزكو، وتُفتح أبوابُ الأمل في وجوه المذنبين الذين أطاحت بهم الشياطين في فخاخها، وأوقعتهم في شباكها، وأحاطت بهم خطاياهم من كل جانب حتى اشتد قلقهم وتوجسهم منها؛ لأن الله الكريم الحليم هيّأ لهم الأجواء، وقلل عنهم سبل الإغواء، وأخرس ألسنة الشياطين الأعداء، وشَلَّ حركاتهم، وأزال وساوسهم، وجعل أرواح المؤمنين تستجيب لأوامره سبحانه، وأخمد نيرانَ الشهوات، وأضعف حدة الهوى في نفوسهم، وما ذلك إلا ليتوبوا ويسلكوا سبيل التائبين النادمين المقبلين على الله، قال الله الحليم الرحيم: ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) [النساء:26-28]. ورمضان يأتي وفيه فُرَص الغفران ومواسم الامتنان ومفاتيح أبواب الجنان، وفيه تتطلع النفوس إلى رحمة الله المبسوطة في أوله، وإلى المغفرة الشاملة في وسطه، وإلى العتق من النار المتاح في آخره، فمن أقبل فيه على الطاعات فاز وسَعِد، ومن أعرض عنها غُبِن ونَكِد، وحرم نفسه من نفحات العفو الإلهي المعروضة في شهر المغفرة، ورمضان مناسبة يمنحها الكريم لعباده كي يغتنموها لإصلاح ما فسد من تدينهم، وتجديد ما بَلِي من إيمانهم، وتقويم ما اعوَجَّ من سلوكهم، وتطهير ما ران على قلوبهم، وللإكثار من الصالحات؛ ليكون ذلك رصيدًا يُكمِّل لهم ما يعتري أعمالهم خلال السنة من نقص أو تقصير، فإذا أضاع المسلم هذه الفرص وحُرِم مما يتاح فيها من الخيرات والبركات وأضاع ما يمكن أن يربح فيها من الصفقات فهو محروم مهموم مَغْبون، وأي حرمان بعد هذا؟! وبئس المحروم مَن حُرِم مِن فضل الله الدافق الرائق.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رمضان شهر التوبة والغفران )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ها هو رمضان شهر التوبة والغفران قد أقبل، واعلموا أن التوبة افتقار إلى الله وانكسار، واستغفار واعتذار من الذنب والناس هجوع، وتذلل بين يديه وخضوع، وإقلاع عن الذنب ورجوع، وندم على ما فات، وعزم وعهد على الابتعاد عن المعاصي وأسبابها ومقترفيها وأمكنتها فيما هو آت، ورد للمظالم والحقوق المغتصبة بغير حق إلى أصحابها. والتوبة فتح صفحة بيضاء، وسلوك سبيل واضح وضَّاء، وحَذَر من العودة إلى الذنب وبكاء، وتضرع وقت النزول الإلهي ودعاء، وخوف ورجاء. قد أهَلَّ الهلال من رمضان شهر زلفى وتوبة وأذْكار، فاذكروا الله فيه ذكرًا كثيرًا، واستجيروه من عذاب النار، وارجعوا عن ذنوبكم بمتاب صادق، وأقلعوا عن الإصرار، وادعوا ربكم جهرة وفي الإسرار، واحذروا غفلة القنوط وداووا داءها بالرجوع للغفار. فإذا ظهر هلال رمضان حري أن يلجأ إلى الله المذنبون، ويقف بأبواب رحمته القانطون، ولفضله يرجو المسرفون. قل لأهل الذنوب والآثام: قابلوا بالمتاب شهر الصيام، وأقلوا الكلام فيه نهارًا، واقطعوا ليله بطول القيام، واطلبوا العفو من إله عظيم ليس يخفى عليه فعل الأنام. إن الله التواب الرحيم العفو الحليم جل جلاله وكرُم نواله يفرح بتوبة التائبين أكثر من فرحة الأم بولدها، ويَقبَل رَجعتهم إليهم، ويغفر لهم ولا يبالي، وفي الصحيحين « لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً ، وَبِهِ مَهْلَكَةٌ ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي . فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ » فما أوسع رحمة الله! وما أجمل عفو الله! وما أكمل إحسان الله! جل الله، ما أعطف حلم الله! سبحان من سبقت رحمتُه غضَبه، سبحان من كتب على نفسه الرحمة، وجعلها تسَعُ كل شيء. فرمضان أجمل فُرَصِ التطهير، وأحسن أوقات التنوير، موسم الغفران المرتجى والعطاء والرضا والقربى والزلفى، شهر الصفح الجميل وعفو الجليل، شهر الهبات وإقالة العثرات ومحو السيئات وتكثير الحسنات وعلو الدرجات وانسكاب البركات. فإذا كان الله عز وجل قد رغَّبنا في أن نتوب إليه، وإذا كانت نفوس الناس تتطلع إلى التوبة وترجو الغفران فأي توبة مطلوبة؟! وأي رجعة إلى الله مرغوبة؟! إن التوبة المطلوبة هي التي لا تستقيم الحياة إلا بها، ولا يصحُّ السلوك إلى الله إلا بشروطها، ولا تصلح الأحوال ولا تكتمل سعادة المؤمن إلا معها، ولا تحصل فرحة الأمة وترفع عنها الغُمّة إلا بها، هي التوبة الشاملة الكاملة الفاعلة العميقة المتجدّدة، التوبة الصادقة التي تعُم كل أفراد المجتمع أو أغلبهم، وتشمل مؤسساته وإداراته وهيئاته وحكَّامه ومسؤوليه من أدناهم منزلة إلى أعلاهم مسؤولية، توبة تنقل الفرد إلى الاستقامة على الدين والالتزام به والدعوة إليه وخدمة أفراد المجتمع وإسداء الخير لهم وأداء واجباتهم والسهر على مصالحهم والتألم لآلامهم والتطلع إلى تحقيق آمالهم والإشفاق على ضعيفهم وإغاثة محرومهم واجتناب كل ما يضرُّ بهم ويعطل مصالحهم ويحرمهم من حقوقهم،
الدعاء