خطبة عن الحث على العمل والسعي في طلب الرزق وحديث (دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ)
ديسمبر 14, 2019خطبة عن العمل بالتجارة (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)
ديسمبر 21, 2019الخطبة الأولى ( رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته في وصف عباده المؤمنين: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) (32) النجم
إخوة الإسلام
لنا اليوم -إن شاء الله- وقفات مع قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) ، إنها بشرى عظيمة لكل مذنب ،ولكل عاص ،ولكل مقصر وغافل ،ولكل شارد 🙁إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) فهو سبحانه وتعالى (وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لمن تاب من ذنبه ،واستغفر ربه ;فرحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء ، ومغفرته تسع كل الذنوب مهما بلغت، قال الله تعالى 🙁قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53) الزمر ،فمع كثرة ذنوب عباده ، فهو يغفرها لهم ، ويحط من خطاياهم ، ويمحو سيئاتهم ،إذا استغفروه وأنابوا إليه، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .. وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً »حقا (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) فلو أنك أيها المؤمن التائب من ذنوبه ، المستغفر من ذنبه ، لو لقيت الله سبحانه بملء الأرض من الذنوب ،غير أنك لا تُشرك به شيئا ، واستغفرته ، وأنبت إليه ، وندمت على ما كان منك ،غفر الله لكَ ذنوبَكَ جميعها ولهذا كُرِه للعبد أن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت؛ ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ ».، فيا أيها المسرف على نفسه ، المولى يناديك ، والرحمن مشفق عليك ، فأكثر من التوبة والاستغفار ، فلا تملَّ، ولا تيأسْ ، فالله تعالى يُنادي عبادَه : هل من مستغفرٍ؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ». فهو سبحانه وتعالى :﴿ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ فسبحانك ربي ،ما أعظمَك وما أرحمَك، فأنت الغنيُّ عن خلقك، المتفرِّدُ في مُلكك، ولا يضرُّه كفرُ الجاحدين، ولا ينفعُه إيمانُ الشاكرين ، ومع هذا ، يُنادي عبادَه كلَّ ليلةٍ : هل من مستغفرٍ؟،هل من تائبٍ؟ ليفتح لهم واسعَ رحمتِه، ويُرغِّبهم في التوبة إليه
أيها المسلمون
وما أكثرَ ما نخطِئ ونذنِب ، ونزِلّ ونَعصي، والله تعالى يغفر ويعفو، ويتجاوز ،ويصفح، ففي الحديث القدسي قال تعالى: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رواه مسلم. ،فالمغفرة وعد الله لمن استغفر، فلا يمنعنك عظيم ذنب ارتكبته، ولا كبير وزر اقترفته أن تطلب من الله العفو والمغفرة؛ فالله واسع المغفرة، كثير العفو، عظيم الحلم، غمر العباد بألطافه، وتفضل عليهم بواسع رحماته، وجزيل عطاياه وهباته، فالله تعالى فتح بابه للتائبين ليلا ونهارا ، فقد روى مسلم (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». ولأن الله تعالى واسع المغفرة ، فقد نوّع لعباده الأسباب التي تُغفَر بها الذنوب، وتُحَط بها السيئات، وتُكفِّر بها الخطايا ، فمن أعظم ما تُنال به مغفرته: دعاؤه وسؤاله، والإلحاح عليه في طلب المغفرة والعفو، قال تعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} هود 61، وفي صحيح البخاري : (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » ومن أعظم الأعمال تكفيرًا للخطايا وحطًّا للأوزار والرزايا (الصلاة )، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» ، ومن الأسباب التي تغفر بها الذنوب الوضوء ففي الصحيحين عن عثمان رضي الله عنه أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».، وفي صحيح مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ».، وفيه أيضا : (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».، وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله تعالى :(إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) ، ومن يظن أن ذنبه لا يتسع له عفو الله تعالى ومغفرته ،فقد ظن بربه ظن السوء ،وهذا من القنوط ، والقنوط من رحمة الله تعالى من أعظم الذنوب ،قال الله تعالى 🙁وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف ـ 87) ،وهذا لا يعني أبدا أن يعتمد العبد على سعة عفو الله تعالى ورحمته ،ويتمادى في المعاصي والذنوب ، فهذا معناه (الأمن من مكر الله) والأمن من مكر الله تعالى هو أيضا من كبائر الذنوب ،مثل القنوط من رحمة الله ، فيجب على العبد أن يعترف بذنبه ويطلب من الله تعالى مغفرته ويبادر بالتوبة من كل ذنوبه ، والتوبة ليست مجرد لفظ يتردد على اللسان من غير التزام لمدلولها ،فمدلول التوبة: هو الرجوع من المعصية إلى الطاعة، والإقلاع عن الذنب وعن أسبابه الموصلة إليه، والندم على ارتكابه، وأن يعزم عزماً جازماً على ألا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى طيلة حياته، وإذا كان الذنب الذى تاب منه متعلق بحقوق العباد فلا بد أن يتحلل منه ويطلب منه المسامحة فإن كان هذا الحق مالا أخذه بغير حق رده لمستحقه ، وإن كان الحق معنويا (كأن استطال في عرضة بغيبة أو نميمة أو سب أو شتم) وجب عليه أن يستسمحه، فقد روى الإمام مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ »
الدعاء