خطبة عن (دين الحق واحد)
نوفمبر 4, 2023خطبة عن (شرط دخول الجنة)
نوفمبر 4, 2023الخطبة الأولى (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
من دعاء نبي الله إبراهيم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم (41)، ومن دعاء نبي الله نوح: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (28) نوح
إخوة الإسلام
إن الاستغفار لمن أعظم الطاعات، ومن أنفع القربات، فالأعمال الصالحة مع كونها صالحة، إلا أنها تختم بالاستغفار، لأن العبد لا يخلو عمله من التقصير، أما إذا ظلم نفسه، ووقع في الذنوب والمعاصي، فإنه يستغفر ربه ويتوب إليه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (135)، (136) آل عمران، وقد أمرنا الله تعالى بالمداومة على الاستغفار فقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل:20]، وقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (90) هود،
فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير، وهنيئًا للمستغفرين، ولآباء المستغفرين، الذين يستغفرون لأنفسهم ولآبائهم، ففي سنن ابن ماجه ومسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ». وفي رواية: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ فَيَقُولُ رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ فَيَقُولُ بِدُعَاءِ وَلَدِكَ لَكَ». فمن أحب أن تسره صحيفته، فليكثر من الاستغفار، والنبي ﷺ وهو العليم بأحوال النساء يأمرهن بالاستغفار، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ». فبالاستغفار تغفر الذنوب، وتحط الخطايا وترفع الدرجات، وفي سنن أبي داود: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ»، فعلى المسلم أن يلزم الاستغفار، وخاصة إذا وقع في ذنب ومعصية، أو قصر في حق العزيز الغفار، ففي الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا – فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ – وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ – فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي . ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ – أَوْ أَصَبْتُ – آخَرَ فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا – قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ – أَوْ أَذْنَبْتُ – آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي – ثَلاَثًا – فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ »، فالمسلم كلما أذنب استغفر ربه؛ لأنه يعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ويجمع بين الخوف والرجاء، وفي مسند أحمد: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ».
أيها المسلمون
والمتدبر للآيات المباركات، التي بين أيدينا اليوم، يتبين له أنها تحثنا على الاستغفار، فمعنى قوله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ): أي: أسألك يا إلهى أن تغفر لي ذنوبي، وأن تغفر لوالدي، وللمؤمنين، يوم يقوم الناس للحساب، وهذا الدعاء يمثل أحد صيغ الادعية التي دعا بها خليل الرحمن (إبراهيم عليه السلام)، وهو يحمل داخله أعظم المطالب والمقاصد التي عليها النجاة، في الدنيا والدار الآخرة، وهو طلب المغفرة له، ولجميع المؤمنين، ويدل دلالة جليلة على ما أوتيه عليه السلام من الشفقة لجميع المؤمنين. فقوله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي)، فقد خصَّ نفسه بالمغفرة، وقدّمها في الدعاء، هضماً لها، وشعوراً بالتقصير مما لا يسلم منه البشر
وقوله: (وَلِوَالِدَيَّ): دعا لوالديه بالمغفرة، لعظم حقهما عليه، إلا أنه دعا لأبيه بالمغفرة، إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلمّا أصرّ على الكفر تبرأ منه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) ( 114) التوبة، فدلّ ذلك على عدم جواز الدعاء للمشركين بالمغفرة، ما داموا على الكفر، والشرك، سواء كان ذلك في حياتهم، أو بعد مماتهم؛ لكن له أن يدعو لهم بالهداية، والتوفيق للإيمان،
وأما استغفاره للمؤمنين يوم يقوم الحساب، (وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ): أي واستر ذنوب المؤمنين، وتجاوز عن سيئاتهم، يوم يثبت ويتحقق محاسبة أعمال المكلَّفين على الوجه الأعدل منك، ولا يوجد أعدل منك يا ربنا. وفي هذه الدعوة البشارة الكبيرة لكل مؤمن ومؤمنة بالمغفرة ؛ لأن اللَّه تعالى لا يرد دعاء خليله نبي الله إبراهيم فيما سأله، وفي سنن ابن ماجه: (أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ «دَعْوَةُ الْمَرْءِ مُسْتَجَابَةٌ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ كُلَّمَا دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ قَالَ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ»،
لذا ينبغي للعبد أن يكثر من هذه الدعوة المباركة الشاملة لكل مؤمنٍ ومؤمنةٍ من لدن آدم إلى قيام الساعة، ويدخل في ذلك الداعي وأهله دخولاً أولياً. قال ابن كثير رحمه اللَّه: (ينبغي لكلِّ داعٍ أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته)، فهنيئاً لمن أصابته هذه الدعوة الطيِّبة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ويستحب للداعي أن يبدأ بنفسه حال دعائه، كما قال تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، «محمد: 19». وهذه الدعوة المباركة: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم (41)، تتضمن العديد من الفوائد، ومنها: أهمّية مطلب سؤال اللَّه المغفرة لأنّ عليها السلامة والفلاح في الدنيا والآخرة، حيث خصّ سؤالها خليل الرحمن في دعائه، وذكرها لنا ربنا لنقتدي به.
كما ينبغي للداعي أن يجعل نصيباً في دعائه لوالديه؛ لأنه من كسبهما؛ ولعظيم فضلهما عليه. وتتضمن هذه الدعوة عِظم الثواب المترتب على هذه الدعوة الطيبة المباركة: لكونها ذكرت في كتاب اللَّه، قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، فضلا عن عِظم أجرها، فإن الداعي ينال بدعائه للمؤمنين بكل مؤمن ومؤمنة حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إضافة إلى أنها دعوة من خليل الرحمن، واللَّه جلَّ وعلا لا يردّ دعوة خليله. فهذه الدعوة هي دعوة مستجابة، فإنّ دعوة المرء المسلم لأخيه المسلم بالغيب مستجابة كما تقدّم.
وينبغي للداعي أن يكون له حظ من دعواته لإخوانه المؤمنين. والإكثار من هذه الدعوة توجب المحبة، وكمال الأخوة بين المؤمنين، وهذا من مقاصد الشارع الحكيم. كما يستحبّ للداعي أن يبدأ بنفسه حال دعائه. وينبغي للداعي أن يكون أكثر دعائه في أمور الآخرة. كما أن فيها أهميّة الأدعية الشرعية؛ وفيها عظيم المقاصد والمعاني التي تجمع كل مطالب الدنيا والآخرة التي يتمنّاه العبد بأوجز لفظ، وأجمل عبارة.
الدعاء