خطبة عن حديث (إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ ) مختصرة
يناير 12, 2023خطبة عن (طَائِرُك فِي عُنُقِك ) مختصرة
يناير 12, 2023الخطبة الأولى ( رَبِّي سَيَهْدِينِ ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (61) :(62) الشعراء
إخوة الإسلام
(كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء (62): بهذا النداء العظيم، نادى كليم الله موسى (عليه السلام) ربه السميع البصير، العليم الحكيم، نادى ربه بقلب الواثق ،فلما قال له أصحابه :{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]، لم يتردد نبي الله موسى، بل قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ،قالها وكله ثقة بالله عز وجل ،وتوكلٌ عليه، وحسن ظن به، فنبي الله موسى (عليه السلام) لا يشك لحظة في قدرة الله تعالى، والتأكد من النجاة، وإن كان لا يدري كيف تكون. فهي لا بد كائنة، فالله تعالى هو الذي يوجهه ويرعاه. وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، لا بد أن يكون منهاجا للمسلم في حياته، فلا بد أن يكون لسان حال كل مسلم عالما بأنه لا حبل موصول إلا حبل الله عز وجل، ولا فرج ولا مخرج ولا ملاذ إلا بالله عز وجل. ففي سنن النسائي : (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ) ،وفي سنن الترمذي: (عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا». قَالَ سَبْعَةً، سِتًّا فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ « فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ». قَالَ الَّذِى فِي السَّمَاءِ).
وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي}، فمعية الله تعالى على نوعين: مَعِيَّةٌ عَامَّة، وَمَعِيَّةٌ خَاصَّة: أما المعية العامة :فهي شاملة لجميع المخلوقات، فهي تشمل كل مُؤْمِنٍ وكافِرٍ، وَبَرٍّ وفاجر، وهي تعني الْإِحَاطَةُ بجميع المخلوقات عِلْمًا وَقُدْرَة، وَسَمْعًا وَبَصَرًا، وَسُلْطَانًا وَتَدْبِيرًا، فهو سبحانه مع كل شيء بعلمه وقدرته، وقهره وإحاطته، لا يغيب عنه ولا يعجزه شيء، وهذه المعية المذكورة في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (الحديد:4)، وقوله سبحانه: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (المجادلة :7). أَمَّا الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ : فهي معية الله لعباده المؤمنين، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل: 128). وقال سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة :153). وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي). فهذه الْمَعِيَّةُ مَعِيَّةٌ خَاصَّة، وهي مُقْتَضِيَةٌ لِلنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، والحفظ والعناية، والمحبة والتوفيق، وَالْكِفَاية والْهِدَايَةِ لعباده المؤمنين. ولا شك أن هذه المعية إذا استحضرها العبد في كل أحواله، فإنه يستحيي من الله عز وجل أن يراه حيث نهاه، أو أن يفتقده حيث أمره، فتكون عونا له على اجتناب ما حرم الله، والمسارعة إلى فعل ما أمر به من العبادات والطاعات.. وأما ما يتعلق بالمعية الخاصة، فمن آثارها: أنَّ مَنْ كان الله معه فلا يغلبه أحد، فهو يتصل بمصدر القوة، وهي قوة الله الغالب على أمره، القاهر فوق عباده. ولا يشعر صاحب المعية الخاصة بوحشة ولا ضعف لأن ربه سبحانه معه، يؤنسه ويثبته ويقويه ،فهو يستشعر من خلال هذه المعية الخاصة الرضا والاطمئنان، والعزة والقوة، واستحضار معية الله سبحانه وتعالى هو منهج الأنبياء، وشعار الصالحين، ودأب المخلصين، وعلى هذا أكد سيدنا رسول الله عليه وسلم، فلا يستطيع أحد دون الله تعالى أن يجلب لنا نفعًا، أو أن يدفع عنا ضرًا، إلا ما كتبه الله لنا، فالمؤمن يستشعر معية الله تعالى له في نومه واستيقاظه، وصباحه ومسائه، فإذا أصبح قال: أصبحنا وأصبح الملك لله، وإذا أمسى: قال أمسينا وأمسى الملك لله، وإذا وضع جنبه للنوم قال: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانًا بعدما أماتنا وإليه النشور، فيستشعر العبد بمعية الله تعالى له في عباداته ومعاملاته، وكسبه وإنفاقه، ويستشعر معية الله في خلواته وجلواته، بل حتى في فَقدِه لأحبابه، ففي الصحيحين لما تُوفِّي إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- دمعت عينَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: “تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله -يا إبراهيم- إنَّا بكَ لَمحزونون”،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رَبِّي سَيَهْدِينِ )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، يبين لنا أيضا: أن الهداية والتوفيق بيد الله عز وجل، فمن شاء الله أن يهديه هداه، ومن شاء أن يضله أضله، وكل ذلك بعلمه وحكمته وعدله سبحانه، قال تعالى: ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/23،فالعبد مطالب بالأخذ بأسباب الهداية، والبدء بطريق الاستقامة، فإذا بذل الأسباب، وحرص على أن يرزقه الله الهداية التامة جاءه التوفيق من الله تعالى. ففي صحيح مسلم في الحديث القدسي : (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال ربه الهداية ، فيقول كما في صحيح مسلم: “اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”. وأخرج الإمام مسلم في صحيحه أن من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ». فالهداية أكبر نعمة ينعم بها الهادي سبحانه على عبده، وكل نعمة دونها زائلة، لذلك كان أهل العلم الراسخون فيه أكثر الناس حرصًا على هذه النِّعمة، وهم يدعون بعدم زوالها قائلين: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا” [آل عمران: 8]، والإنسان بقدر هدايته تكون سعادته وطيب عيشه وراحة باله في الدنيا، وفوزه في الآخرة؛ قال تعالى :”فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة: 38]
الدعاء