خطبة عن (من المواقف في حياة الرسول)
سبتمبر 9, 2025الخطبة الأولى (رَسُولُ اللَّهِ فِيكُمْ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} (7) الحجرات، وقال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) (101) آل عمران، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (33) الانفال،
إخوة الإسلام
إن المتدبر لهذه الآيات يتبين له أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لا يزال فينا، فنحن –المسلمين- الرسول صلى الله عليه وسلم فينا، أي حيٌّ في مشاعرنا، وهو حَيٌّ في قلوبنا، وهو فينا يصاحبنا في كل أعمالنا، وفي آدابنا، وفي أحكامنا، فهو صلى الله عليه وسلم فينا، وليس معنا، وفي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا». قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ». فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ. فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا».
وقولَه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}، أي: فاعْلَموا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة بين أيديكم، فعَظِّموا له قدْرَه، واحْفَظوا له مَكانتَه، واتَّبِعوا أوامِرَه؛ ففي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ». فالرسول صلى الله عليه وسلم يتشوق إلينا، وأنه صلى الله عليه وسلم سيستقبلنا على الحوض يوم القيامة، وسيسقينا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا، ففي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا»،
وقولَه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}: فمعيتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسير على النهج الذي سار عليه، وأن نلتزم بالوصايا التي أوصانا بها، فيوم خطب خطابه المودع في خطبة الوداع، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، وقال: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»، وقال: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ)، وقال: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)، وَقال: (وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ «اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» وقال: (أيها الناس: الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه إن يطمع فيما سوى ذلك، فقد رضي بما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم)، وقال: (المسلم أخو المسلم وأن المسلمين إخوة ، فلا يحل لأمرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمن أنفسكم)، وقال: (ومن تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه، ويشتت عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته وتأتيه الدنيا وهي راغمة، فرحم الله امرأ سمع مقالتي حتى يبلغه غيره، ورب حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (رَسُولُ اللَّهِ فِيكُمْ)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فمازال حديثا موصولا عن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}: فيكون الرسول فينا باتباع سنّته وطاعته، والاهتداء بهديه، والتخلق بأخلاقه، لأن الله تعالى جعل اتباع النبي سبيلًا لمحبة الله، وطاعته واجبة بالقرآن والسنة، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آل عمران (132)، وقال تعالى: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) النساء:80. وفي صحيح البخاري: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ)، وجعل الله اتباع نبيه سببا لنيل محبته، فقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران (31). وفي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»، وبعد الإيمان به، وطاعته، تأتي محبته، وتعظيمه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الآنَ يَا عُمَرُ»، وإذا تحققت محبته، وتمت طاعته، واتباعه، لزم المسلم نشر دينه، وإحياء سنته، ونصرته صلى الله عليه وسلم، ورد الشبهات عنه، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف:108.
الدعاء