خطبة عن ( الصحابي: عمر بن الخطاب)
مارس 27, 2016خطبة عن (أولياء الله والكرامات)
مارس 28, 2016الخطبة الأولى (زيارة القبور)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح مسلم (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا )
إخوة الإسلام
كانت زيارة القبور في أول الإسلام محرمة على الرجال والنساء ، وذلك لأن القوم كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام وغيرها ، وبعدما استقرت العقيدة الإسلامية في القلوب ، أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ) ،وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرض والهدف والغاية من زيارة القبور، كما في الروايات المتعددة للحديث ،ففي رواية : ( نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ فَزُورُوهَا ولاَ تَقُولُوا هُجْراً )، وفي رواية « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِى الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ ». وفي رواية « نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ، (فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً ) ، وفي رواية : فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبِ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ فَزُورُوا وَلاَ تَقُولُوا هُجْرًا »، وفي رواية (فَإِنَّ فِى زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً ) وأخرى (وَلْتَزِدْكُمْ زِيَارَتُهَا خَيْرًا ) ، (فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ » ، إذن فالهدف والغاية من زيارة القبور : ( إِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ ، أنها ترقق القلب القاسي، وأنها تدمع العين الجافة ، وأنها تذكر الإنسان بالمصير ، إلى الدار الآخرة ، وتزهد ه في الدنيا ، فيترك الطمع في نعيمها، والأمل فيها ، وفيها تذكرة وعبرة ، و يجني من وراء ذلك كله الخير في الدنيا والآخرة )
أيها المسلمون
ومن مجموع الروايات السابقة للحديث ، وما أفتى به العلماء أن زيارة القبور ، بما فيها قبور الصالحين، جائزة ولكن بشروط : منها : أن يقصد بالزيارة العظة والعبرة وتذكر الآخرة ( كما في الروايات السابقة )، وأن يقصد أيضا الدعاء لأهل القبور ، وطلب الرحمة والمغفرة لهم كما في صحيح مسلم وغيره واللفظ لمسلم : (إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِىَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَتْ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « قُولِي السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ ». وفي رواية (أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ نَسْألُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمِ الْعَافِيَةَ) ، وفي رواية « سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا بِكُمْ لاَحِقُونَ اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ ». أما إن كانت هذه الزيارة لتجديد الأوجاع والأحزان ، أو كانت تصحبها نياحة أو ضرب للخدود وشق للجيوب ، أو كان فيها اختلاط الرجال بالنساء ، والفتيان بالفتيات ، وما يؤدي إلى أعمال فاضحة ، وأخلاق فاسدة ، فإنها لا تجوز ، بل هي حرام ، ويجب منعها حفظا للكرامة ، وسدا للطريق أمام المنحرفين والمفسدين تحت ستار زيارة القبور
أيها المؤمنون
لقد كان أصحاب الرسول والسلف الصالح يزورون القبور، ولكنهم كانوا يفهمون معنى الزيارة ، فالزيارة عندهم تعني ( تذكر ، وتسليم ، ودعاء ) ، و كان الواحد منهم يتوضأ ويدخل المقابر على طهارة ، مراقبا لله ومتواضعا له ، معتبرا بمن سبقه من الموتى ، فإذا وصل القبر وقف مسلما ، مستقبلا القبلة في دعائه ، ولا يمسح قبرا ، ولا يقبل أعتابا ، ولا يطوف حول القبر ، ولا يطلب من صاحب القبر أن يفرج همه ، أو يزيل غمه ، لأنه يعلم أن ذلك يتعارض مع عقيدة المسلم ، الذي يشهد ، أن لا إلا الله ، ولا معبود ولا مقصود بحق سواه، أما اليوم ، فما نراه وما نسمعه غير ذلك ، فقد فسدت عقائد البعض منا ، وتغيرت أخلاقهم وآدابهم ، فنرى من بين زائري القبور، من يستأذن على باب القبر من صاحب الضريح ، وآخر يتمسح بالحديد ، وآخر يطلب من صاحب القبر أن يشفي مرضه أو يفرج همه ، أو يساعده في حل مشكلاته ، ونرى آخرين ينذرون ويذبحون لأصحاب القبور ، ويحلفون بهم ، ويطلبون منهم الشفاعة ، هكذا اتخذوا من القبور مطافا كالكعبة ، ومستلما كالحجر الأسود ، ومصلى كمقام إبراهيم ، وكل ذلك يحرمه الشرع ، ولا يقره الدين ، بل ويغضب الصالحين ، ووصل الأمر في بعض البلاد الإسلامية أنهم يشدون رحالهم ليزوروا قبور غير المسلمين ويحتفلوا بها ، ويذبحوا عندها الذبائح ، ويقدموا لها القرابين ، يا للهول ، و يا للمصيبة ، وأي مصيبة أكبر من ذلك ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه ألا يدخلوا ولا يمروا على قبور الكافرين ، بل ويأمرهم أن يبكوا أو يتباكوا إذا مروا بها ، ففي صحيح البخاري (عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا مَرَّ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْحِجْرِ قَالَ « لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ » . ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي) ، وفي المعجم للطبراني (عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا مررتم بأرض قد أهلك الله أهلها فاجدوا السير )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (زيارة القبور)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن زيارة القبور تذكرنا بالموت ، الذي هو هاذم اللذات ، ومفرق الجماعات، ومن أكثر ذكره تعلق بالآخرة ، وزادت خشيته، فبادر بالأعمال قبل لحاق الموت به، في المستدرك للحاكم : ((عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت )) ، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه لما سئل: أي الناس أكيس؟ قال: (أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس)، وقال عمر بن عبد العزيز: “الدنيا سريعة الفناء قريبة الانقضاء، تعِد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، وتنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة وهي سائرة سيرًا عنيفًا ومرتحلة ارتحالاً سريعًا”.
أيها الإخوة المسلمون
لا بد لنا أن نتذكر ذلك اليوم الذي تتوقف فيه الابتسامات والضحكات ، ويتوقف العناد والكبرياء والإخلاص والرياء، ويتحول الوجه الفاتن واليد الظالمة واللسان الكذوب والعين الخائنة والقلب القاسي إلى جماجم وأعظم نخرة، ولا يبقى إلا العمل الذي قدمه صاحب القبر، هناك تزول أسئلة الدنيا: من أنت؟ وماذا تملك؟ ولا يبقى إلا سؤال واحدٌ: ما هو عملك الصالح؟ ما هو عملك الذي يحيل قبرك إلى روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟ ففي البخاري ومسلم (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ – صلى الله عليه وسلم – « يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ »
معاشر المسلمين،
إننا نريد تذكر الآخرة لكي نعمل لها، لأن التذكر مطلوب شرعًا ، ليكون موصلاً إلى العمل الذي هو من أسباب النجاة من النار، ولا ينفع البكاء والندم بتذكر الموت والآخرة إذا لم يقترنا بالعمل، لا بد من العمل، لا بد من العمل للآخرة، لقد أكثرنا من العمل لدار الغرور فلا بد أن نعمل للآخرة. يا بانيَ الدار المعدّ لها ماذا عملت لدارك الأخرى؟وممهد الفرش الوثيرة لا… تغفل فراش الرقدة الكبرى ،أتراك تحصي من رأيت من ال …أحياء ثم رأيتهم موتى ، فلتلحقن بعرصة الموتى …ولتنزلن محلة الهلكى
إن زيارة القبور، تذكِّر مَن طبعُه النسيان بالنّهاية الحتمية وهي الموت، وهذا من شأنه أن يجعل المرء متذكرًا للآخرة، عاملاً لما بعد الموت. وفي سنن الترمذي ومسند أحمد وغيره (شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ».
الدعاء