خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( ستر العورة ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « الْفَخِذُ عَوْرَةٌ »، وفي سنن الترمذي وأبي داود : (عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ – قَالَ كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ – قَالَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ فَقَالَ «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ » ، وفي الصحيح الجامع للألباني: (قال عبدالله بن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (غطِّ فخِذَكَ ،فإنَّ فخِذَ الرجلِ عورَتُهُ)
إخوة الإسلام
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بمحاسن الأمور، وأمر شرع الله سبحانه وتعالى بكل ما يصلح البشرية ، ولهذا أمَرَ الشَّرعُ الحكيم (بسَترِ العَورةِ) عن الأعيُنِ؛ وذلك أدَبًا وحِفظًا للأعراضِ والهَيبةِ، وخاصَّةً أمامَ الأجانبِ والأغرابِ ، فالإسلام يحرص حرصاً كبيراً على القضاء على الفاحشة والرذيلة في المجتمع ،ومن جملة وسائله الفاعلة لذلك أمر بستر العورات المهيجة للغرائز والمثيرة لها، وهذه طريقة مجدية جداً في طريق المحافظة على العفة، وذلك بأن طلب من الإنسان أن يستر عورته عن الآخرين ،ويغض بصره أيضاً عن عوراتهم ،
هذا وقد تركز في النفس البشرية – عند الأسوياء عبر القرون الطويلة – أن الستر مطلب إنساني قبل أن يكون دينياً ، فالكل يدرك أنه يختلف عن الحيوان الأعجم الذي من فطرته التعري ، ولا يميل الإنسان إلى التعري إلا وهو يرتكس إلى دركه أدنى من الحيوان ، فالأصل أن يغض كل إنسان بصره عن عورة الآخرين ، ولكن – حماية للعورة من نظرة غير مقصودة يمكن أن تقع من أحد – شرع الله ستر العورة، فاذا ما وقعت هذه النظرة فجأة وقعت على عورة مستورة ،وبذلك يأمن من عاقبة النظرة السيئة ، والإسلام ربى المسلم على الستر ولو في مكان خال ،ولو كان وحيداً ، وذلك لأن الحياء صار صبغة له ،فلا تنفك عنه في أي حال من الأحوال، ومن المعلوم أيضا أن الرجل والمرأة كليهما مطالبان بالستر ، ولكن الستر يختلف حسب الحاجة، فالاستثارة السريعة للرجل تحتم الستر الكامل للمرأة، بخلاف المرأة تجاه الرجل، فكان الستر له جزئياً ،
والعورة سميت عورة لقبح ظهورها، ولأجل غض النظر عنها سمي العوَر عوراً، وهو النقص والعيب، ولذلك فإن العورة هي كل أمر يستحيا منه، فكل ما يستحيا من ظهوره عورة، وأما في شريعة الله : فإنها كل ما يجب ستره من بدن الإنسان ، والعورة كما ذكر أهل العلم : عورة نظر يجب سترها عن عين الناظر، وعورة الصلاة وهو ما يجب على الإنسان سترة حال الصلاة ، أما الذي يجب على الإنسان سترة حال الصلاة فإن أدلته في الشريعة معروفة، لكن الناس ينبغي عليهم أن لا يخلطوا بين عورة النظر وعورة الصلاة، حتى لا يحصل منهم احتجاجات فاسدة، فأنت ترى أنه يجب على الرجل أن يستر منكبيه في الصلاة لما ورد في ذلك في الحديث الصحيح، لكنه لا يجب عليه ستر المنكبين أمام رجال مثله مثلاً، وكذلك المرأة تكشف وجهها في الصلاة، لكنه لا يجوز لها كشفها في غير الصلاة ، وهي تستر ساقيها مثلاً وبدنا فيها الصلاة، لكنه يجوز لها أن تكشفه أمام الزوج، فلا يحتجن محتج بعورة الصلاة على عورة النظر، والشريعة قد جاءت بالأمر بغض البصر، وقال الله سبحانه وتعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النــور30-31.، وفي سنن أبي داود وغيره : (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ « يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ».، فلا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ،ولا المرأة إلى عورة المرأة . هكذا جاء عنه ﷺ، ارتباط مسألة النظر بالعورة، وغض الأبصار عن العورات ، والأدلة التي جاءت في الشريعة على ستر العورة فهي كثيرة، ومنها ، قول الله تعالى:(يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف31. ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالبيت عريانة، وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويزعمون أن هذه الملابس التي لديهم قد عصوا فيها، فلا ينبغي أن يطوفوا فيها، فأنزل الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) الأعراف31. فنعى الله على أهل الجاهلية فعلهم هذا في آية أخرى كذلك فقال الله تعالى : (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الأعراف 28. وقول الله تعالى : (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) النور30. وقوله تعالى : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) النور31. كل ذلك فيه دليل على غض البصر عن العورات ، وقوله تعالى: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) النور30. وقوله تعالى : (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) [النور31]. فكل هذا دليل على وجوب ستر العورات عن النظر، فتأمل محاسن الشريعة، كيف أنها أمرت بغض البصر وأمرت بستر العورة، لكي تعالج الموضوع من جميع جوانبه ، ومن الأحاديث الواردة بستر العورة ، ما جاء في سنن الترمذي وغيره : (قَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ : عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ « احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ « إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا ». قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ « فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَسْتَحْيِىَ مِنْهُ النَّاسُ ». ، وفي صحيح مسلم : (عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ أَحْمِلُهُ ثَقِيلٍ وَعَلَىَّ إِزَارٌ خَفِيفٌ – قَالَ – فَانْحَلَّ إِزَارِي وَمَعِيَ الْحَجَرُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَضَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ وَلاَ تَمْشُوا عُرَاةً ».، وروى الامام البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « الْفَخِذُ عَوْرَةٌ »، وفي سنن الترمذي وأبي داود : (عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ – قَالَ كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ – قَالَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ فَقَالَ «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ » ، وفي الصحيح الجامع للألباني: (قال عبدالله بن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (غطِّ فخِذَكَ ،فإنَّ فخِذَ الرجلِ عورَتُهُ) ، أما إن كان الرجل خالياً ،ودعت الحاجة إلى كشف العورة : مثل قضاء الحاجة من بول أو حلق عانة أو اغتسال أو جماع لزوجته، فإنه لا بأس بذلك، وأما إذا كان ليس هناك حاجة فإن قوله ﷺ للرجل لما سأله: إذا كان أحدنا خالياً، قال: فالله أحق أن يستحيا منه . قال أهل العلم: أنه لا يكشف الإنسان عورة نفسه إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك،
وقد تساهل الناس في هذا الزمان في أشياء عديدة تساهلاً كثيراً ، وخصوصاً في مسألة الفخذ هذه بالنسبة للرجال؛ لأن بعض الناس عندهم منطق جاهلي يقول: العورة للنساء، وليس للرجال عورة، ولذلك فهم تراهم يجلسون في المجالس فتظهر عوراتهم ، والعلماء قد اتفقوا على أن عورة الرجل للرجل ما بين السرة والركبة، لا يجوز له كشف ما بين سرته وركبته، أما عورة الرجل بالنسبة لمحارمه والمحارم كل من حرم عليك نكاحها لحرمتها، فإن الرجل والمحرم ومحرمه من النساء يجوز له أن ينظر إليها فيما جرت العادة بظهوره منها، أما المرأة بالنسبة للرجال الأجانب، فبعض العلماء يرى إنها كلها عورة، كما قال الله عز وجل: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور31. و بعض العلماء يرى أن الوجه واليدين ليس من العورة ، وإذ نحن في عصر انتكست فيه الفطر، وزالت فيه العفة إلا من رحم الله، فلذلك ينبغي التشديد وعدم التهاون في هذه القضية، وستر العورة يحصل بشرطين: الأول : أن لا يكون الثوب شفافًا: أي لا يكون رقيقًا يُرى اللون من تحته، فما يُرى من تحته اللون لا يعتبر ساترًا للعورة ، والثاني : أن لا يكون ضيقًا يحدد العورة بالتفصيل كالمحدد للفخذ على قدره تمامًا، والمحدد للأليتين مثلًا على قدرهما وهكذا، أما إن حدد العورة بسبب ريح ونحوه فهذا لا يمكن الاحتراز عنه وليس محرمًا إجماعًا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ستر العورة ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لعلكم تتفقون معي أن البشرية اليوم قد خالفت شرع الله في ستر العورات، خالفت البشرية شرع الله لما ابتكروا شوارع وشواطئ للعراة، وخالفت البشرية شرع الله لما ظهروا بهذه (المايوهات) والملابس القصيرة على شواطئ البحار وغيرها وفي المسابح، وخالفت البشرية شرع الله في ستر العورات عندما أنتجت وسوقت الأفلام التي تظهر فيها المرأة كاشفة لعورتها أو لجزء من العورة التي أمر الشرع بسترها، وخالفت البشرية شرع الله في ستر العورات لما انتجت الإعلانات التجارية لتروج للبضائع، وفي الكثير منها صورة امرأة، كاشفة عن عورتها أو جزء من عورتها، وخالفت البشرية شرع الله عندما طبعت المجلات وعلى أغلفتها فتاة شبه عارية، وخالفت البشرية شرع الله عندما دخلت النساء في الأسواق متبرجات مائلات مميلات ، والنساء والرجال خالفوا شرع الله في هذه الألعاب الرياضية وكشفوا فيها من العورات من الفخذ وغيره ما يندى له جبين المسلم الحر الكريم، وخالفوا شرع الله في تساهلهم في ظهور أولادهم وبناتهم بثياب قصيرة
وهذه الأشياء الوافدة إلينا، والتي نقترفها نحن بأيدينا دليل واضح على تضييع قضية ستر العورة ، فقد صارت مسالة ستر العورة الآن من المسائل الضائعة المضيعة في عالمنا وواقعنا الاسلامي ؛ لأن من مخططات اليهود إظهار العورات وكشفها ،لكي يصبح المجتمع المسلم مجتمعاً إباحياً، حتى لا تشغل القضية الأذهان، ولا يبقى هناك مجال للعاقل لكي يبصر ما ينقذ به أمته من الضياع .
الدعاء