خطبة عن ( من هو العبدُ الرباني؟)
سبتمبر 2, 2017خطبة عن حديث (لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ)
سبتمبر 2, 2017الخطبة الأولى ( سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ :« يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ :عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا . فَيَقُولُ نَعَمْ . وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا . فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ : إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ »
إخوة الإسلام
السِّتر؛ هو إخفاء ما يظهر من الزلات والعيوب، وهو خلق رفيع ، والله سبحانه وتعالى ستِّيرٌ يحب السَّتر على عباده ،فالستر صفة من صفات العلي القدير، وفي سنن النسائي : يقول صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ” وهذا من كمال رحمته ،وتمام فضله علينا، قال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ”، فالله يستر عباده في الدنيا والآخرة وعن ذلك يقول رسول الله –صلوات الله عليه وسلامه كما في الحديث المتقدم -: « يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا . فَيَقُولُ نَعَمْ . وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا . فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ : إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ » ، فمن أعظم نِعَم الله على عباده أن يشملهم الله بستره ، فيستر على عباده الكثير من الذنوب والعيوب ، وذكر ابن قدامة في التوابين أن بني إسرائيل .. لحقهم قحط على عهد موسى عليه السلام .. فاجتمع الناس إليه .. فقالوا : يا كليم الله .. ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث ..فقام معهم .. وخرجوا إلى الصحراء .. وهم سبعون ألفاً أو يزيدون .. فقال موسى عليه السلام : إلهي .. اسقنا غيثك .. وانشر علينا رحمتك .. وارحمنا بالأطفال الرضع .. والبهائم الرتع .. والمشايخ الركع ..فما زادت السماء إلا تقشعاً .. والشمس إلا حرارة ..فقال موسى : إلهي .. اسقنا .. فقال الله : كيف أسقيكم ؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة .. فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم .. فبه منعتكم .. فصاح موسى في قومه : يا أيها العبد العاصي .. الذي يبارز الله منذ أربعين سنة .. اخرج من بين أظهرنا .. فبك منعنا المطر ..فنظر العبد العاصي .. ذات اليمين وذات الشمال .. فلم ير أحداً خرج .. فعلم أنه المطلوب ..فقال في نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق .. افتضحت على رؤوس بني إسرائيل .. وإن قعدت معهم منعوا لأجلي .. فانكسرت نفسه .. ودمعت عينه .. فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله .. وقال : إلهي .. وسيدي .. عصيتك أربعين سنة ..وأمهلتني .. وقد أتيتك طائعاً .. فاقبلني .. وأخذ يبتهل إلى خالقه .. فلم يستتم الكلام .. حتى ارتفعت سحابة بيضاء ..فأمطرت كأفواه القرب ..فعجب موسى وقال : إلهي .. سقيتنا .. وما خرج من بين أظهرنا أحد .. فقال الله : يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم .. فقال موسى : إلهي .. أرني هذا العبد الطائع ..فقال : يا موسى .. إني لم أفضحه وهو يعصيني .. أأفضحه وهو يطيعني .. وما أجمل قول القائل :
وهو الحَيِيُّ فَلَيسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ عندَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بالعِصْيَانِ
لَــكِــنَّهُ يُــلْقِــــي عَـــلَيْهِ سِتْرَهُ فَهْوَ السَّتِيرُ وصَاحِبُ الغُفْرَانِ
وفي سنن الترمذي (عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّىَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآخِرَةِ وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ » ، ولأن الستر خلق جميل ، فقد تحلى به الأنبياء والمرسلون ومن تابعهم بإحسان، ففي صحيح البخاري ، (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا ، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ ، اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ ، إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ . وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ، ثَوْبِي حَجَرُ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ ، وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ) ، وفي سنن النسائي : (حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ « وَلِّنِي قَفَاكَ ». فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ.
أيها المسلمون
وهناك أسباب على المسلم أن يعمل بها ، لأنها تجلب ستر الله على عبده : فالطريق إلى ستر الله سهل ميسور على من يسَّره الله عليه ، فمن الأسباب التي تجلب ستر الله على العبد المؤمن : الصدقة : ففي سنن ابن ماجة :(عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِى أَخْلَقَ أَوْ أَلْقَى فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَفِى حِفْظِ اللَّهِ وَفِى سِتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا ». ومن الأسباب التي تجلب ستر الله على العبد المؤمن : الرفق وبر الوالدين والإحسان : فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ : رِفْقٌ بِالضَّعِيف ِ، وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوك ” رواه الترمذي . ومن الأسباب التي تجلب ستر الله على العبد المؤمن: ستر عورات المسلمين وزلاتهم : ففي مسند أحمد : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ نَجَّى مَكْرُوباً فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ ».
أيها المسلمون
وإذا كان الله تبارك وتعالى حيي ستير يحب الستر فقد أمر عباده المؤمنين أن يتخلقوا بهذا الخلق ، فيستروا أنفسهم وإخوانهم من المسلمين ، ولكن هناك صنف من الناس يأبى إلا أن يفضح نفسَه ، والله سبحانه يكره من عبده إذا قارف ذنباً أن يذيعه ويشهره بل أمره بالتوبة والاستغفار منه؛ ففي البخاري أن (رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ » . فأكثر ذنوب العباد مستورة من الله عز وجل، والستير سبحانه لا يهتك ستر عبده من أوّل ذنب حتى يتمادى . فيُروى عن الفاروق رضي الله عنه أنه قال لسارقٍ اعتذر أنها أول مرة: ( كذبت ، إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة ). وبعد أن قطعت يد السارق سأله علي رضي الله عنه هل كانت سرقتك الأولى قال لا بل سرقت مراراً . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صعِدَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المنبرَ فَنادى بصَوتٍ رفيعٍ، فقالَ: ” يا مَعشرَ مَن أسلمَ بلِسانِهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قَلبِهِ، لاَ تؤذوا المسلِمينَ ولاَ تعيِّروهم ولاَ تتَّبعوا عَوراتِهِم، فإنَّهُ مَن يتبِّعُ عورةَ أخيهِ المسلمِ تَتبَّعَ اللَّهُ عورتَهُ، ومَن يتبِّعِ اللَّهُ عورتَهُ يفضَحْهُ ولَو في جَوفِ رَحلِهِ ” أخرجه الترمذي وحسنه الألباني . واعلم أخي أنك حينما تستر مسلماً ليس معنى ذلك أن تترك الإنكار والنصيحة له ، بل يناصح ويستر، فإن لم ينته رفع أمره للحاكم وليس ذلك من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة . فاستر أخي المسلم على نفسك ، واستر على زوجتك، واستر على عمالك، واستر على أصحابك، واستر على إخوانك، واستر على المسلمين . وفي سنن ابن ماجة (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ». فالمؤمن يستر وينصح ،والمنافق يهتك ويفضح.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللستر في حياتنا صور متعددة ، ومجالات وأحوال كثيرة ، ومنها : ستر العورة : فالمسلم يستر عورته، ولا يكشفها لأحد لا يحل له أن يراها. قال الله تعالى : ” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ “. المؤمنون 5-6. وفي سنن الترمذي : (حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ « احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ « إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا ». قَالَ قُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ « فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَسْتَحْيِىَ مِنْهُ النَّاسُ ». وفي صحيح مسلم : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلاَ تُفْضِى الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ». ومن صور الستر في حياتنا : الستر عند الاغتسال : فيجب على المسلم إذا أراد أن يغتسل أو يستحم أن يستتر ؛ حتى لا يطَّلع على عورته أحد لا يحق له الاطلاع عليها ، ففي سنن أبي داود ( قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ». ومن صور الستر في حياتنا : الستر عند قضاء الحاجة : فإذا أراد المسلم أن يقضي حاجته من بول أو غائط (براز) في الفضاء ، فعليه أن يقضيها في مكان لا يراه فيه أحد من البشر؛ حتى لا يكون عرضة لأنظار الناس. ، ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ » . ومن صور الستر في حياتنا : ستر أسرار الزوجية : فيجب على المسلم أن يستر ما يدور بينه وبين أهله ، فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة، وقد أمرنا الدين الحنيف بكتمانها ، وعدَّها الرسول أمانة لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها ، وإنما عليه أن يسترها. ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ». ومن صور الستر في حياتنا : ألا تضع الزوجة ثيابها في غير بيت زوجها: ففي مسند أحمد (دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أَنْتُنَّ اللاَّتِي تَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنِ امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلاَّ هَتَكَتْ سِتْراً بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». قَالَ حَجَّاجٌ « إِلاَّ هَتَكَتْ سِتْرَهَا ». ومن صور الستر في حياتنا : ستر الصدقة : فالمسلم لا يبتغي بصدقته إلا وجه الله سبحانه، لذا فهو يسترها ويخفيها حتى لا يراها أحد سوى الله ، وقد قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (274) البقرة . كما أخبرنا النبي أن أَحَدَ السبعة الذين يظلُّهم الله في ظله يوم القيامة رجُلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ومن صور الستر في حياتنا : ستر الرؤيا السيئة : فإذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها، وليعلم أنها من الله ، وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين، أما إذا رأى رؤيا سيئة يكرهها فليتفل عن يساره ثلاث مرات ، ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا ، ولا يذكرها لأحد ، وليعلم أنها من الشيطان ، ولا تضره. ففي صحيح مسلم : (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالرُّؤْيَا السَّوْءُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفِثْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ لاَ تَضُرُّهُ وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ وَلاَ يُخْبِرْ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ ». ومن صور الستر في حياتنا : ستر وساوس الشيطان : فإذا تحدث المؤمن في نفسه بشَرٍّ ، أو نوى أن يقوم بمعصية، لكنه عاد إلى رشده ؛ فإن عليه ألا يذكر ما جال بخاطره وما حدثتْه به نفسه من الشر. ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ ». ومن صور الستر في حياتنا : ستر الميت : ففي مسند أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَأَدَّى فِيهِ الأَمَانَةَ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) ، ومما يجدر بنا أن نفعله أن نُربيَ أبناءنا على حفظ الأسرار وأمانة المجالس ، وعدم إفشاء أحاديثها كما فعلت أم أنس ، جاء في الحديث أن أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ فَأَبْطَأْت عَلَى أُمِّي ، فَلَمَّا جِئْت قَالَتْ مَا حَبَسَك ؟ قُلْت بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ ، قَالَتْ : مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْت: إنَّهَا سِرّ ٌ، قَالَتْ : لا تُخْبِرْنَ بِسِرِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ:” وَاَللهِ لَوْ حَدَّثْت بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُك بِهِ يَا ثَابِتُ”. وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: “يَا بُنَيَّ.. إنِّي أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِيكَ- يَعْنِي عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلاثًا : لا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلا تَغْتَابَنَّ عنده أَحَدًا، وَلا يَطَّلِعَنَّ مِنْك عَلَى كِذْبَةٍ” .
الدعاء