خطبة عن الصحابي: ( رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ )
فبراير 10, 2018خطبة عن (من ثمرات التوبة وأحوال التائبين)
فبراير 10, 2018الخطبة الأولى (سعادة القلوب بلقاء المحبوب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} العنكبوت (5) ،(6) ، وفي الصحيحين 🙁عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، .. ) ،وروى البخاري في صحيحه 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبَّهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ »
إخوة الإسلام
إن القلوب إذا لم يحركها حادي الشوق إلى معرفة الله عز وجل وتعظيمه ، ومحبته والشوق إلى لقائه ، فإن العطب سيتمكن منها ، والران سيكسوها . والحياة المادية إذا استغرقنا فيها ،وابتعدنا عن تذكير القلوب بهذه المعاني : ( معرفة الله ، ومحبة الله ، والشوق إلى لقائه ) فإننا ولا شك سنستجلب الهموم والغموم، ونبتعد عن التوفيق ، بل وعن لذة الحياة ، فأي لذة في حياة من لم يتعرف على الله ،وأي حياة تلك التي تخلو من محبة الله سبحانه وتعالى ، ومناجاته ، والشوق إليه. فروح المؤمن إذا لم يحركها حادي الشوق إلى لقاء الله ، ومحبته ، والتعرف عليه عز وجل ، بالقراءة في أسمائه وصفاته ، وتدبر كتابه ، فأي حادي سيوصلها إلى غياتها بعد ذلك .قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( إن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله – سبحانه وتعالى – وتوحيده والإيمان به . وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ،ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه ) ، وقال : ( والفرح والسرور ، وطيب العيش والنعيم ، إنما هو في معرفة الله وتوحيده ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، واجتماع القلب والهمة عليه ، فالعيش الطيب ، والحياة النافعة ، وقرة العين : في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لم يسكن ، ولم يطمئن ، ولم تقر عينه حتى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه ، الذي ليس من دونه ولي ولا شفيع ، ولا غنى له عنه طرفة عين ) . وقال : ( لا سعادة للعباد ولا صلاح لهم ، ولا نعيم إلا بأن يعرفوا ربهم ويكون وحده غاية مطلوبهم ، والله سبحانه وتعالى يتعرف إلي العبد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه والأنس والفرح به والسرور بخدمته والمنافسة في قربه والتودد إليه بطاعته واللهج بذكره والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية : التوكل عليه والافتقار إليه والاستعانة به والذل والخضوع والانكسار له، وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته في إلهيته، وإلهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعزه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه ، وعطاءه في منعه وبره، ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه .
أيها المسلمون
يقول الله تعالى { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } العنكبوت (5) ، وقيل في معناها وتفسيرها : هذا تعزية للمشتاقين وتسلية لهم : أي انا أعلم أن من كان يرجو لقائي فهو مشتاق إلي ، فقد أجلت له أجلا يكون عن قريب ، فإنه آت لا محالة وكل آت قريب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه كما في سنن النسائي وغيره : (وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِى غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ». قال بعضهم : لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم الشوق إلى لقاء الله ، ولم يسكن شوقه إلى لقائه قط ، وفي قوله تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} طه (84) قالوا : معناها: أي شوقا إليك ، فستره بلفظ الرضى ، وقيل : إن أهل الشوق إلى لقاء الله ، يتحسسون حلاوة القرب عند وروده، لما قد كشف لهم من روح الوصول أحلى من الشهد ،فهم في أعظم لذة وحلاوة وقيل : من اشتاق إلى الله ، اشتاق إليه كل شيء ، وقيل: خرج نبي الله داود عليه السلام يوما إلى الصحراء منفردا ،فأوحى الله تعالى إليه : مالي أراك منفردا ؟ ، فقال: إلهي استأثر شوقي إلى لقائك على قلبي، فحال بيني وبين صحبة الخلق ،ومن أعظم أشواق المحبين : شوق المؤمن العابد إلى الجنة : وذلك لأن أطيب ما في الجنة قربه من الله تعالى ،ورؤيته ،وسماع كلامه ورضاه، فالشوق إلى مجرد الأكل والشرب والحور العين في الجنة ناقص جدا بالنسبة إلى شوق المحبين إلى الله تعالى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سعادة القلوب بلقاء المحبوب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإن من أعظم صلاح العبد ،أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى وحده ،بحيث يحب الله بكل قلبه ،وروحه ،وجوارحه ، فيوحد محبوبه ، ويوحد حبه ، وليس لقلب المؤمن المحب صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله ، فلا يحب إلا الله ، ففي الصحيحين (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ » ، والعشق إذا تعلق بما يحبه الله ورسوله ، كان عشقا ممدوحا مثابا عليه ، ومن ذلك : محبة القرآن ،بحيث يغني بسماعه عن سماع غيره ،ويهيم قلبه في معانيه ،ومراد المتكلم سبحانه منه ،وعلى قدر محبة الله ،تكون محبة كلامه ،فمن أحب محبوبا ، أحب حديثه والحديث عنه ، كما قيل: إن كنت تزعم حبي .. فلم هجرت كتابي * أما تأملت ما فيه ..من لذيذ خطابي وكذلك محبة ذكره سبحانه وتعالى ، فهو من علامة محبته ، فإن المحب لا يشبع من ذكر محبوبه ، بل لا ينساه ، فيحتاج إلى من يذكره به .وكذلك يحب سماع أوصافه ،وأفعاله ،وأحكامه ،فعشق هذا كله من أنفع العشق ،وهو غاية سعادة العاشق ،وكذلك عشق العلم النافع ،وعشق أوصاف الكمال، من الكرم والجود، والعفة والشجاعة والصبر ، ومكارم الأخلاق ،ومحبة الله ورسوله وكلامه ودينه ،إنما تناسب الأرواح العلوية السمائية الزكية ، لا الأرواح الأرضية الدنية ، فإذا أردت أن تعرف قيمة العبد وقدره، فانظر إلى محبوبه ، ومراده . فما أسعد القلوب ، بلقاء المحبوب ، وما أسعد القلوب ، إذا تحقق لها المطلوب
الدعاء