خطبة عن اسم الله (الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ)
مارس 10, 2018خطبة عن السجود لله ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
مارس 10, 2018الخطبة الأولى ( من سنن الله في خلقه سنة التدافع )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (251) البقرة، وقال الله تعالى : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (40) الحج
إخوة الإسلام
لله في خلقه آيات وسنن ثابتة ، لا تتبدل ولا تتغير.. ولا يملك البشر لها دفعا ولا رفعا، ولا يجدون منها ملجأ ولا مفرا.. إنها سنن حتمية تنزل بهم كما نزلت بمن قبلهم ،قال الله تعالى : (سُنَّةَ الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]. ومن هذه السنن سنة التدافع؛ وهي سنة مذكورة في القرآن الكريم، فكل الآيات التي تدل على اختلاف البشر، والصراع بينهم، وحكاية أخبار حروبهم، ووقوف الرسل عليهم السلام في وجوه الملأ من أقوامهم ،فهي دالة على وقوع سنة التدافع فيما بينهم ، قال الله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253]. والتدافع : هو دفع هؤلاء لهؤلاء، وهؤلاء لهؤلاء، ومعناه: أن هناك صراعا، بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الإسلام والكفر. بل هناك صراعات حتى بين الأمم الكافرة نفسها، وقد تقع صراعات بين المسلمين أنفسهم. والوقت الوحيد الذي سيكون فيه سلام عالمي كامل، هو زمن عيسى -عليه السلام-، بعد ما يقتل الدجال، وبعد هلاك يأجوج ومأجوج، يعيش المسلمون في الأرض مدة معينة، هي قصيرة بالنسبة لعمر الأرض، يكون فيها سلم كامل، وبعد ذلك يقبض الله أرواح المؤمنين، ويبقى شرار الخلق، وبعد ذلك من الناس من يبقى على الكفر إلى أن تقوم الساعة. وجاء التصريح بسنة التدافع في موضعين من كتاب الله تعالى؛ فأما الموضع الأول فبعد قصة حرب طالوت ومن معه من المؤمنين لجالوت ومن معه من الكافرين؛ إذ بعد الإخبار عن هزيمتهم أخبر سبحانه عن سنته قائلا : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) [البقرة:251]. وأما الموضع الثاني فعند الإذن بالجهاد وبيان مشروعيته؛ إذ إن الجهاد سبب لمدافعة الكفر وأهله ، قال الله تعالى : (وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا) [الحج:40] ، أي لولا مدافعة المؤمنين من أهل كل ملة كفار أمتهم لهدمت دور العبادة التي شرعها الرسل، وأنشأها أتباعهم، ولمُنعوا من ذكر الله تعالى فيها. وقد بين الله -تعالى- الحكمة من هذه السنة، وهي: حفظ الدين من الانهيار، وحفظ الدنيا من الفساد، فلولا هذا التدافع لفسدت الأرض ، فالتدافع من حكمته الإلهية: أن لا يعم الفساد الأرض، فتتعطل منافعها، وتبطل مصالحها، حتى أماكن العبادة ستهدم، ستزال، لولا سنة التدافع ما بقي لله في الأرض بيت عبادة، وبالتالي لا يعبد الله في الأرض ، فالدَّفْع أو التدافع سنةٌ راسخة تقوم بإعادة الترتيب وَفْق سنن الكون الأصلية، تقطع دابر الفساد، وتمنع الإفساد؛ عبرَ تمحيص الصفوف، والحيلولة دون أن يُحقِّق المفسدون وذوو النيات السيئة مآربَهم وأغراضهم، قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: “أي لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار، وتكالب الكفار، لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها، وإقامتهم شعائر الكفر، ومنعهم من عبادة الله، وإظهار دينه، ولذلك ختم الله الآية بقوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) [البقرة: 251] ، فأهل الباطل لن يتركوا أهل الحق في حالهم، وأهل الحق لن يتركوا الدعوة إلى الحق والجهاد في سبيل الله، وقد قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة: 120].
والتدافع بين أهل الإيمان والكفر، لا يقتصر على جانب واحد، وهو الاقتتال بالسيف أو بالسلاح، بل إن المواجهة والمدافعة تكون في أمور كثيرة، ومتعددة ، فقد تكون هناك مدافعة اقتصادية، وقد تكون هناك مدافعة إعلامية، وقد تكون هناك مدافعة أيضاً باللسان والقلم، وتكون هناك مدافعات اجتماعية، ونحو ذلك. فالمدافعات أنواع، وليست مدافعات بالسنان فقط، وهذا واضح الآن، فهناك مدافعات عبر شبكات النت والتواصل الاجتماعي ، وهناك مدافعات عبر القنوات، وبالخطابة، وفي المناظرة، وغيرها وغيرها ، فبيان الحق، وإزالة الشبهات، والرد على الباطل، هذه لا يتوقف ، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة المنكر، مدافعة لا تتوقف. وبيان سبيل المؤمنين، وطريق الحق والسنة، وكشف الباطل والبدع، وسبيل المجرمين، مدافعة لا تتوقف. والصبر على الحق، والصبر أمام كيد الأعداء، وأذى العدو، مدافعة لا تتوقف. وقمة ذلك: الجهاد والقتال في سبيل الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “والجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من سنن الله في خلقه سنة التدافع )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فقد تحدث أنواع من المقاطعات الاقتصادية لأهل البدعة، أو لأهل الكفر، فهي من أنواع المدافعة ، فهذه قريش قاطعت بني عبد المطلب، لا يبيعون منهم، ولا يشترون منهم، ولا يزوجونهم، ولا يتزوجون منهم ، فهم فعلوا مقاطعة اجتماعية، ومقاطعة اقتصادية، فحاصروهم، وجوعهم. فإذاً، فالمدافعات أنواع، ومن عرف هذا انكشفت له أمور كثيرة، وذكر الأمثلة يطول، ولكن المسلم إذا استحضر أنه الآن تحت السنن الإلهية تحدث كل هذه الأشياء، ومن أراد فليؤمن ومن شاء فليكفر، ومن شاء أن يتقدم ومن شاء أن يتأخر، من شاء أن يبذل ومن شاء أن يقعد، من شاء أن يعمل، ومن شاء أن يكسل، وسنة التدافع تشير دائماً وتؤكد باستمرار على أن الغلبة للإيمان وجنده، وهذا ما تؤكده عشرات الآيات القرآنية، ومنها، قوله تعالى : ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم : 47). وقوله تعالى (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (139) (آل عمران) .وقوله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (55) (النور) ، ولكن شرط غلبة أهل الحق على الباطل أن يكونوا مع الحق، وأن يكونوا حقاً من أهل الفضل. فإن استوى الفريقان المتدافعان في معاصيهم وانحرافاتهم.. فالغلبة تكون للقوة والعدد ، وهذا ما يشير إليه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدقة في وصيته إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائد جيوش المسلمين إلى فارس، حيث قال له عمر: (أما بعد .. فإني أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وأوصيك ومن معك بأن تكونوا أشدّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.. فإن لم تغلبوهم بفضلكم غلبوكم بقوتهم. فلا تعملوا بمساخط الله وأنتم في سبيله). وهكذا تكون نتيجة المدافعة: التمكين للمسلمين ، واستخلاف في الأرض، وهي سنة أخرى من السنن الإلهية التي تتم على الأرض. إنها سنَّة الله – جلَّ جلاله – في أرضه بين الحقِّ والباطل وأتْباعهما، يجبُ علينا – أهلَ الإسلام – فهمُها، والوقوفُ عند آياتها وآثارِها على المستوى الفَرديِّ والاجتماعيِّ والكوني، على مَرِّ الدُّهور، وتعاقُب العُصور.
الدعاء