خطبة عن التوكل والعمل بالأسباب ( اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ )
نوفمبر 14, 2020خطبة عن ( الطريق إلى الجنة سهل ميسور على من يسره الله عليه )
نوفمبر 14, 2020الخطبة الأولى ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (65) الانعام
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]،واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (65) الانعام فقد جاء في التفسير الميسر : قل -أيها الرسول-: الله عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل عليكم عذابًا مِن فوقكم : كالرَّجْم أو الطوفان، وما أشبه ذلك، أو من تحت أرجلكم: كالزلازل والخسف، أو يخلط أمركم عليكم فتكونوا فرقًا متناحرة ، يقتل بعضكم بعضًا. انظر -أيها الرسول- كيف نُنوِّع حججنا الواضحات لهؤلاء المشركين لعلهم يفهمون فيعتبروا؟وقال السعدى : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } أي: في الفتنة، وقتل بعضكم بعضا. فهو قادر على ذلك كله، فاحذروا من الإقامة على معاصيه، فيصيبكم من العذاب ما يتلفكم ويمحقكم، ومع هذا فقد أخبر أنه قادر على ذلك ،ولكن من رحمته، أن رفع عن هذه الأمة العذاب من فوقهم بالرجم والحصب، ونحوه، ومن تحت أرجلهم بالخسف، ولكن عاقب من عاقب منهم، بأن أذاق بعضهم بأس بعض، وسلط بعضهم على بعض، عقوبة عاجلة يراها المعتبرون، ويشعر بها العالمون فقوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) أي: يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء، متباينة المشارب، مضطربة الشئون، كل فرقة تتبع إماما لها ،تقاتل من سواها، فيزول الأمن ،ويعم الفساد، « وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ » : أي: ويسلط بعضكم على بعض ،بالقتل ،والخصام، لأن من عواقب ذلك اللبس التقاتل والتصارع. وفى قوله تعالى : « أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ » : تصوير مؤثر للعذاب، الذى يذوقه الناس بحواسهم، اذ يجعلهم ـ سبحانه ـ شيعا وأحزابا غير منعزل بعضها عن بعض، فهي أبدا في جدال وصراع، وفى خصومة ونزاع، وفى بلاء يصبه هذا الفريق على ذاك، وذلك أشنع ما تصاب به الجماعة ، فيأكل بعضها بعضا . وفي الوسيط لطنطاوي، قال : وتصوير العذاب بأنه آت من أعلى أو من أسفل أشد وقعا في النفس من تصويره بأنه آت من جهة اليمين أو من جهة الشمال، لأن الآتي من هاتين الجهتين قد يتوهم دفعه، أما الآتي من أعلى أو من أسفل فهو عذاب قاهر مزلزل لا مقاومة له ولا ثبات معه.
أيها المسلمون
لقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى الاعتصام بحبله المتين، وعدم الفرقة، ونبذ الخلاف والتفرق، فقال الله وقوله الحق : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) آل عمران 103، كما بين الله سبحانه وتعالى السنن الكونية التي أجراها على الأمم السابقة، فقد كانت سنة الإهلاك والأخذ بالذنب تطال المكذبين بالرسل في الحياة الدنيا قبل عذاب الآخرة ، وهذا الأخذ بالذنب قد يصل لدرجة الاستئصال؛ وشاملاً للجميع، مثلما حدث في الطوفان ، بعد دعاء سيدنا نوح ( عليه السلام ) ، حينما قال : ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26]. وتنوعت أشكال الإهلاك للمكذبين ، كما في قوله تعالى: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 40]. ومع أن الله سبحانه وتعالى قد نجا المسلمين من هذه السنن الكونية ،التي تختص بالعقاب الشامل، من الهلاك والعذاب في الدنيا، إلا أنه أجرى عليها سنة كونية أخرى، وهي وقوع الفتن بينهم ،والفرقة والاختلاف ، والانقسام والتقاتل، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ جَابِرٍ – رضى الله عنه – قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« أَعُوذُ بِوَجْهِكَ » . قَالَ ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) قَالَ « أَعُوذُ بِوَجْهِكَ » ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَذَا أَهْوَنُ » . أَوْ « هَذَا أَيْسَرُ » ودعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بأن يجنب هذه الأمة سنة الاستئصال فيها، أو الافتراق الذي حدث في الأمم السابقة، فاستجاب الله في بعضها ولم يستجب له في الأخرى، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه : (حدث عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِى مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- :« سَأَلْتُ رَبِّى ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّى أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ». كما روى مسلم في صحيحه : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». ولهذا فقد رأى ابن مسعود أن الفرقة والخلاف أسوأ ما ينزل بهذه الأمة؛ فقد كان “يصيح وهو في المجلس -أو على المنبر: ألا أيها الناس، إنه نزل بكم. إن الله يقول: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾، لو جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم أحد. ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾، لو خسف بكم الأرض أهلككم، لم يبق منكم أحد. ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾، ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (65) الانعام ، فكان لابن عباس تأويل لهذه الآية، ورد عنه من وجه صحيح؛ فكان يقول: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾، فأما العذاب من فوقكم، فأئمة السوء، وأما العذاب من تحت أرجلكم، فخدم السوء” وتعد فتنة الاختلاف بين الأمة الإسلامية مقدمة لفتنة الدماء؛ وتذهب الأموال وتزهق الأنفس والأرواح ، ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« ..وَإِنَّ رَبِّى قَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَلاَ أُهْلِكُهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَلاَ أُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ بِأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَحَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِى بَعْضًا وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِى لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .. ».
الدعاء