خطبة عن (عَلَّمَنِي رَبِّي)
سبتمبر 30, 2024خطبة عن (السُّجُودُ)
سبتمبر 30, 2024الخطبة الأولى (سن الأربعين) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (15) الأحقاف
إخوة الإسلام
(سن الأربعين)، وما أدراك ما سن الأربعين، إنه السن والعمر الوحيد الذي خصه الله بالذكر في القرآن الكريم، وخصه بدعاء مميز، وما ذلك، إلا لأن سن الأربعين هو سن الاكتمال والقوة، نعم سن اكتمال الجسم والعقل، والحكمة، وسن اكتمال النعم: من القوة، والبنين، والمال، والجاه، وهو قمة الرشد، وتمام البلوغ، وفيه تتنزل الرسالات، وقد تنزل الوحي على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سن الأربعين،
وبعد سن الأربعين :يبدأ النقص، نعم النقص في كل شيء، يبدأ النقص في العمر، والصحة، والقوة والعقل والصبر والتحمل، وغيرها، فما بعد التمام إلا النقص، وقد أخرج الطبري بسنده قال: (لما نزلت: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة (3)، وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أُكمل، فإنه لم يكمل شيء إلا نقص، فقال: صدقت) نعم ليس بعد الكمال إلا النقص، فما من شيء في الدنيا كمل، إلا وجاءه النقصان ليكون الكمال لله وحده سبحانه وتعالى. وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ».
وما بعد سن الأربعين هي سنوات الإنابة والتوبة، سنوات محاسبة النفس، ومراجعة الأعمال، وليس معنى هذا أن يؤخر الانسان التوبة وأعمال الطاعات، والرجوع من الذنوب والمعاصي والموبقات إلى هذا السن، ولكن المعنى: أنه إذا فاتك قطار الطاعات، والعبادات، فيما مضى، فسارع الآن، كفاك غفلة، كفاك تسويف، كفاك لعب، فقد تجاوزت الأربعين، ففي الآية ترغيب وتحذير، فإذا بلغ أحدكم الأربعين سنة، فليأخذ حذره من الله، وليبادر بالتوبة والرجوع إليه، وكأن في الآية توديع للحياة الدنيا، لأن بعد الأربعين أفول العمر، وذبول الصحة والنضارة والقوة، فيجد الانسان ما تبقى من مراحل عمره قليلا، ويدرك كم هو قريب من النهاية،
وفي الأربعين: نكتشف بياض الشيب قد ظهر على رؤوسنا، إن لم يكن قد بدأ سابقا، ويبدأ كذلك ضعف البصر، وفي الأربعين: نسمع لأول مرة من ينادينا: (تفضل يا عم)، (تفضلي يا خالة). وهو عمر التشبع بتجارب الحياة، وانطفاء جذوة حماس الشباب، فهو عمر الهدوء والحكمة ،فمن بلغ الأربعين أو جاوزها، ولم يوجه دفة حياته لطاعة الله، فهو غافل، وهو مفتون، ولم يتعلم، ولم يتفكر، وحياته في خطر،
وفي سن الأربعين: يوقن الانسان أنه قد مضى من عمره الثلثان، فإذا لم يغلب خيره شره، فهو في خطر عظيم، وهو أقرب إلى الجحيم، وسن الأربعين وما بعدها هو سن العمل الصالح، وسن التقوى، وسن الرجوع الى الله، وسن البكاء على ما فات، والعمل لما هو آت، فيا من بلغت سن الاربعين، ماذا تنتظر، فعليك أن تكرر هذا الدعاء، وذكر به نفسك صباح مساء، قل: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (15) الأحقاف، ففي هذه السن يكون الإنسان قد استقر أسريا، ووظيفيا، وماليا واكتسب الكثير من الخبرات في مسيرته الحياتية، فلا يتسرع في حكمه على الأشياء، ولا يندفع في آرائه وأحكامه، فينبغي للعبد الناصح لنفسه، وقد بلغ هذه السن أو جاوزه أن يتجهز للآخرة، وأن يغتنم ما تبقى من عمره، قبل فوات الأوان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سن الأربعين)
أما بعد أيها المسلمون
فإذا لم ترجع لربك أيها المغرور وقد بلغت هذا العمر فمتى ترجع؟، فالأيام تمر، ونحن ننظر إلى تقصيرنا وأخطائنا، فنرى أنها لا تليق بمن هو في الأربعين، وقد روى الترمذي في سننه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا)
فيا أيها الغافل عن ربه، أفِقْ من سكرتك، وكن على يقين أنك عن قريب راحل، فإنما هي أيام قلائل, فكل باكٍ سيُبكى، وكل ناعٍ سيُنعى، وكل مذخور سيفنى، وكل مذكور سيُنسى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى.
واعلم أيها الغافل: أنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ}، واعلم أيها الغافل: أن حياتك إنما تبدأ بعد مماتك، فالعاقل من راقب العواقب، والجاهل من مضى قُدُماً ولم يراقب، فكم من يوم غابت شمسه وقلبك غائب، وكم ظلام أُسبل ستره، وأنت في معاصي وعجائب. وكم أسبغ الله عليك نعمه، وأنت على معاصيه تواظب. وكم صحيفة قد ملأتها بالذنوب، والمَلَكُ لها كاتب. وكم أنذرك الموت بأخذ أقرانك وأنت ساه ولاعب.
فأفق من سكرتك، وتذكر نزول حفرتك، فيا عجبا لألسنٍ نطقت بالآثام، كيف غفلت عن قول رب الأنام {اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهمْ}، وآه لأيدٍ امتدت إلى الحرام، كيف نسيت قول الملك العلام: {وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ}، وآه لأقدامٍ سعت في الإجرام، كيف لم تتدبر{وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ}، وآه لأجساد تربَّت على الربا، كيف لم تفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله أبى علي أن يدخل الجنة لحما نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الحاكم
الدعاء