خطبة عن (سُئل النبيُّ فأجاب)
نوفمبر 21, 2023خطبة عن (نداءات الرحمن لبني آدم ولأهل الإيمان)
نوفمبر 23, 2023الخطبة الأولى (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (37) الأنبياء
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآية من كتاب الله العزيز، نتلوها، ونتدبرها، ونتفهم معانيها، ونرتشف من رحيقها المختوم، وقد جاء في تفسير السعدى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي: خلق عجولا، يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون، يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطئونها، والكافرون يتولون ويستعجلون بالعذاب، تكذيبا وعنادا، ولهذا قال تعالى: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي} أي: في انتقامي ممن كفر بي وعصاني {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} ذلك، فالله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو سبحانه يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود (102)، فلا ينبغي لِلعبدِ أنْ يَغتَرَّ بحِلمِ اللهِ عليه؛ فقدْ يكونُ ما عليه مِنَ الأمنِ في المعصيةِ والظُّلمِ لِنفسهِ ولغيرِه، إنَّما هو استدراجٌ مِنَ اللهِ تعالَى له، حتَّى إذا سبَقَ الكتابُ، أخَذَهُ اللهُ بما قدَّمَ مِن عَملٍ، فلا يَجِدُ له مِن دُونِه وَلِيًّا ولا نَصيرًا، وعلى الإنسان الظالم لنفسه ألا يغتر بنفسه، ولا بإملاء الله تعالى له، فإن ذلك مصيبة فوق مصيبته، فالإنسان إذا عُوقب بالظلم عاجلا، فربما تذكر واتعظ ويترك الظلم، ولكن إذا أملى له، وتمادى في الظلم، ازدادت عقوبته، ويؤخذ على غرة، حتى إذا أخذه الله تعالى لم يفلته.
أيها المسلمون
وإذا توقفنا قليلا مع الآية الكريمة، وتدبرنا قوله تعالى: (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (37) الأنبياء، فالله -سبحانه وتعالى- وضع بين أيدينا ثلاثة أنواع من الآيات، وهي: (الآيات القرآنية المسطورة، والآيات الكونية المنظورة، والآيات الإعجازية على أيدي الرسل والأنبياء)، فالخالق عز وجل، بمنِّه وكرمه وفضله، قد أظهر لنا آياته في كتاب منظور، نراه ونحسُّ به، قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس:101]. وكتاب مسطور نتلوه ونرتِّله؛ وهو القرآن الكريم، قال تعالى : ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص:29]، وأما عن الآيات الإعجازية التي يؤيد الله تعالى بها رسوله، ليثبتوا للقوم أنهم مؤيدون من عند الله تعالى، فقد قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (37) الانعام، وقال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73) الأعراف، فمعجزة النبي أو الرسول: هي أمر خارق للعادة تكون من نفس النوع الذي برع به قومه، وهي تعجز الآخرين عن الإتيان بمثلها؛ فلذلك تعددت المعجزات واختلفت، لتتناسب الأقوام؛ والحكمة من المعجزة أنها تزيد الرسل تأييدا وتطمئنهم، وتزيد إيمان الناس واقتناعهم بنبيهم وبربهم خالقهم، وكذلك المعجزة تكون حجة الله على خلقه، فلو لم تأتهم البينات والادلة، لكان حجتهم يوم القيامة بكفرهم أنهم لم يأتهم البلاغ من ربهم، لذا، فمن عدل الله تعالى ورحمته إرسال الرسل والانبياء بأدلة وبراهين ومعجزات للناس، ومن ثم يختارون الإيمان
أيها المسلمون
فموقفك أيها المسلم من الآيات القرآنية: إذا قرأت آية في القرآن فيها أمر، فيقتضي أن تأتمر، وإذا قرأت آية في القرآن فيها نهي، فيقتضي أن تنتهي عما نهاك الله عنه، وإذا قرأت آية فيها قصة عن أمة سابقة، فينبغي أن تتعظ، وإذا قرأت آية فيها حكم شرعي، فينبغي أن تطبقه،
وأما الآيات الكونية: فهذا الكون بكل ما فيه؛ بأرضه، وسماواته، بمجراته، بمذنباته، آيات على وجود الحالق وقدرته وحكمته وعلمه، قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20]، فما من شيء في الأرض إلا ويدلك على الله؛ بل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما نظر إلى الهلال قال: “هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ” رواه أبو داود. وإذا وجدت في القرآن آية تتحدث عن الكون، كما في قوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) [الشمس:1-6]، فعليك أن تتفكر فيها، وتنظر لها، قال تعالى: (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [الأنعام:11]، فآيات الكون موقفك منها التفكر، وآيات التكوين موقفك منها النظر، وآيات القرآن موقفك منها التدبر والتفكُّر، والنظر، والإيمان، والعمل بمقتضاها،
فآيات الله المبثوثة في كتاب الكون المفتوح، هي دعوة للتدبر والتأمل فيها، قال تعالى: ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (6): (11) ق، فعِظم آثاره وأفعاله سبحانه وتعالى دليل على عظمة الخالق وجلاله، وعندها تمتلئ القلوب له إعظامًا وإجلالا، فتستغرق الألسنة في ذكره، والأبدان في طاعته، والقلوب في التفكر في دلائل عظمته، فتتعلق القلوب به ذاكرة لاهجة منيبة خاضعة. ومن خلال تأمل المؤمن في آيات ربه تتحقق له الراحة والسعادة في معيشته، ويزداد بالعلم بها إيمانًا ويقينًا، وبتسخير الله – عز وجل – له إياها شكرًا لله – عز وجل – وذكراً.
ومن حكم الله تعالى في إرسال الآيات الكونية: أنها تأتى تخويفًا للمسلمين ممن شاء الله – عز وجل – ردعهم من الغافلين، وتأتي الآيات تطهيرًا للمؤمنين، ومن الآيات ما هو بركة للمؤمنين: فقد سمع عبد الله بن مسعود بخسف فقال: كنا أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، وتأتي الآيات هلاكًا للكافرين وتدميرًا لهم على تمردهم وطغيانهم، قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (40) العنكبوت،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاعل مع الآيات والأحداث الكونية، لأنها من آيات الله عز وجل التي يخوف ويُذّكِّر بها عباده، فالريح ـ مثلاً ـ قد تأتي بالخير، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ} (فاطر: 9)، وقد تأتي كذلك بالشر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} (القمر: 19)، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ – قَالَتْ – وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ قَالَتْ فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِى أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) »(الأحقاف: 24). وفي الصحيحين: (أن أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا»
الدعاء