خطبة عن (الاستغاثة وطلب الغوث والمدد)
نوفمبر 18, 2024خطبة عن (الْيَقِينُ)
نوفمبر 21, 2024الخطبة الأولى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (182)، (183) الأعراف، وقال تعالى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) (44) القلم، وفي الصحيحين 🙁عَنْ أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». قَالَ ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود:102.
إخوة الإسلام
إن سُنَن اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ لَا تَتَبَدَّلُ ولا تتغيرُ؛ قال تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (62) الأحزاب، فَلِأَهْلِ الثَّوَابِ ثَوَابُهُمْ، بِإِيمَانِهِمْ وَشُكْرِهِمْ، وَلِأَهْلِ الْعِقَابِ عِقَابُهُمْ، بِمَعْصِيَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَمِنْ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ: (سُنةُ الِاسْتِدْرَاج) فيسْتِدْرَجُ الله العبد بِالنِّعَمِ، ثُمَّ يأَخْذُهُمْ بِالنِّقَمِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ﴾ [الْأَعْرَاف:182-183]، والاستدراج مأخوذ من التقريب منزلة منزلة من الدرج والسُلم؛ لأن الصاعد يرقى درجة درجة، وقال أهل المعاني: (الاستدراج: أن يتدرج إلى الشيء في خفية، قليلا قليلا، فلا يباغت ولا يجاهر)، وقال أهل العلم: “وإذا رأيت الله قد أغدق النعم على عبده، وهو يبارزه بالمعصية، فاعلم أن ذلك استدراج، لأن الله عز وجل أمهل لهم، مع معصيتهم، فيكون هذا استدراجا”، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». قَالَ ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود:102.
فالاستدراج سنة من سنن الله التي يعامل بها الطغاة، فيستدرجهم إلى العقوبة، من حيث لا يشعرون، ويقربهم إلى هلاكهم شيئاً فشياً، وذلك بما يفتح الله عليهم من زهرة الدنيا ومتاعها، فيظنون أن ذلك علامة فلاحهم، فيفرحون بما في أيديهم، ويزيدون طغيانا وظلما، فينزل عليهم الهلاك والعذاب فجأة، قال تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:178]، وقد يسأل سائل: ما الحكمة في إمهال الله تعالى للعصاة واستدراجهم؟، والجواب: ليرى العبادُ أن العفو والإحسان أحب إلى الله تعالى من الأخذ والانتقام، وليعلموا شفقته وكرمه سبحانه وتعالى،
ومن رحمة الله تعالى بعباده، ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، أن ورود التحذير من الاستدراج، والاطمئنان للنعم، مع الإعراض عن الله، فكثر الحديث عن سنن الله في المكذبين والمترفين، الذين لم تنفع معهم الحجج ولا البينات، ولا الابتلاء بالبأساء والضراء، عندها، تبدأ مرحلة الاستدراج، ببسط النعم، وانفتاح أبواب الأرزاق، فيفرحوا بها، ويبدلوا نعمة الله كفرا، وعندها يأتي العذاب والهلاك، قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (33): (35) الزخرف، وفي مسند أحمد: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ». ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) الانعام:44،
وشواهد سنة الاستدراج والإمهال في السيرة النبوية كثيرة، ولا سيما إذا تأملنا الطغيان الذي واجهه المسلمون في العهد المكي، قرابة ثلاثة عشر عاما، والمشركون يكفرون ويقتلون ويعذبون ويؤذون، وهم في سكرة العز والعلو، مفتونون بالنعم، ومستدرجون بالغلبة الظاهرة، ولم تزل الآيات تتنزل عليهم، والمثلات تقع في دراهم، أو قريبا منها، فلم يردهم ذلك عن غيهم، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} (34)، (35) سبأ، وهذا غاية ما وصلوا إليه من الاطمئنان الزائف، فأعقب ذلك الهلاك، والأخذ الشديد، ونقل عن علي رضي الله عنه: (كم من مستدرج بالإحسان، وكم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بالستر عليه)،
أيها المسلمون
وَالِاسْتِدْرَاجُ الرَّبَّانِيُّ يَقَعُ لِلْبَشَرِ ولِلْأَفْرَادِ وَلِلْأُمَمِ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَاهِرَةُ فِيهِمْ حِينَ يَسْتَدْرِجُهُمْ بِنِعَمِهِ، فَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النُّذُرَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ، والكفار فِي الدُّنْيَا مُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ، لِعَذَابِ الْآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 178]، وقال تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:196-197]، وقال تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطَّارِق:17]. وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلظَّلَمَةِ: فيُسْتَدْرَجُ مَنْ بَغَى عَلَى النَّاسِ، وَبَخَسَهُمْ حُقُوقَهُمْ، فَلَا يُعَجَّلُ عِقَابُهُ، اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ:42]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِيُ لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هُود:102]» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْمُنَافِقِينَ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون﴾ [التَّوْبَة:126]، فَاللَّهُ تَعَالَى يَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا لِيُذَكِّرَهُمْ، ثُمَّ يُمْهِلُهُمْ لِيَسْتَدْرِجَهُمْ، وَلِذَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التَّوْبَة:55]. وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ:205-207]، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 44]» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الملاحظ أن عقوبة الاستدراج هي من أخطر أنواعِ العقوبات، لأنها عقوبةُ خَفِيِّةُ، لا تُرى، ولا يَشْعُرُ بها العاصي، ولا يُبْصرُ معها آثارَ ذنبِه؛ فَيَسْتمرُ في غيِّه، ولا يَلْوِي عنه، حتى يُفْضيَ به إلى هُوَّةٍ سحيقةٍ، والله تعالى لا يعامل بالاستدراج إلا من لجَّ في طغيانِه؛ إما بكفرٍ يكونُ به التكذيبُ بآياتِ اللهِ، وإما بنفاقٍ اعتقاديٍّ يُوجِبُ الخلودَ في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة:15]، وإما بإمعانٍ في سقَطاتِ المظالمِ، والعدوانِ على أعراضِ العبادِ وأموالِهم ودمائِهم، دون حاجزٍ من وَرَعٍ أو توبةٍ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ “، وعقوبةُ الاستدراجِ إنما تكونُ بقدْرِ المظالمِ، والمرء يُستدرَجُ بقدْرِ ظلمه وبَغيه. فالاستدراجُ مكرٌ ربانيٌّ، دقيقُ المَسْلكِ، شديدُ الخَفاءِ؛ تخافه قلوب أهلِ الخشيةِ، فلمّا حُمِلَ إلى عمرَ -رضيَ اللهُ عنه- كنوزُ كسرى نَظرَ إليها، فقال: “اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك أنْ أكونَ مُستدرَجاً؛ فإنِّي أسمعُك تقولُ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182]“،
وتكونُ عصمةُ اللهِ من شؤمِ الاستدراجِ، بالشُّعورِ الإيماني المُرْهَفِ حِيالَ نِعَمِ اللهِ، وما يَصْدُرُ عن العبدِ مِن عملٍ؛ حين يَتذكَّرُ نِعَمَ اللهِ، ويُقِرُّ بتفرُّدِه بإسْدائِها، واستحقاقِه الشُّكرَ عليها، ويَلْهَجُ لسانُه بالثناءِ على ربِّه، ويخشى أنْ تكونَ هذه النِّعمُ حُجَّةً عليه، واستدراجاً له، فيُلِحُّ بدعائه ضارِعاً إلى الله تعالى، كما كان رسول الله يدعو بقولِه: ” وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ” رواه الترمذيُّ، ويَجتهِدُ في طاعةِ ربِّه مُسْتَقِلَّاً عملَه، مُزْرِياً على نفسِه، محاسِباً لها؛ لِيكون ذلك قَيْداً يَمنعُه من الطُّغيانِ، وتنبيهاً لقلبِه من غِشاوةِ الغفلةِ، وحثَّاً له على المبادرةِ بالتوبةِ عند وقوعِ الزَّللِ؛ فيَنكسِرُ قلبُه بين يدي مولاه، ويَنطلِقُ عامِلاً بأمرِه في الناسِ، داعياً بفعلِه وقولِه وحالِه؛ فبذلك التوفيقِ الرَّبَّانيِّ تكونُ العصمةُ من الاستدراجِ، وبه يَظْهَرُ الفرْقُ بين كرامةِ النِّعَمِ والاستدراجِ بها، قال يونسُ بنُ عُبيدٍ: “إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، فَحَفِظَهَا، وَأَبْقَى عَلَيْهَا، ثُمَّ شَكَرَ اللَّهَ مَا أَعْطَاهُ؛ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَشْرَفَ مِنْهَا. وَإِذَا ضَيَّعَ الشُّكْرَ؛ اسْتَدْرَجَهُ اللَّهُ، وَكَانَ تَضْيِيعُهُ لِلشُّكْرِ اسْتِدْرَاجًا”.
الدعاء