خطبة عن ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ )
سبتمبر 10, 2022خطبة عن حديث ( الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ )
سبتمبر 13, 2022الخطبة الأولى ( سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام البخاري في صحيحه: (عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
إخوة الإسلام
الاستغفار: هو طلب المغفرة من الله تعالى، بأي لفظ من ألفاظ الدعاء والطلب، والاستغفار من أعظم الطاعات، ومن أنفع القربات، وبه ختام الأعمال الصالحات، فبالاستغفار تختم الصلوات، وقيام الليل ،قال الله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (17)، (18) الذاريات ،وكذلك في الحج، قال الله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) [البقرة:199]. وبالاستغفار تختم المجالس، ففي مسند أحمد بسند صحيح: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «كَفَّارَةُ الْمَجَالِسِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»، وقد أمرنا الله تعالى بالاستغفار فقال الله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل:20]، وقال تعالى: (أَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود:3]، وقال تعالى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت:6]، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ»، وبالاستغفار تُمحى الذنوب، وتُكفر المعاصي والسيئات، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (135) ،(136) آل عمران ،ففي الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا – فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ – وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ – فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ – أَوْ أَصَبْتُ – آخَرَ فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا – قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ – أَوْ أَذْنَبْتُ – آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي – ثَلاَثًا – فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ النَّدَمُ وَالاِسْتِغْفَارُ»، وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا» ،وفي مسند أحمد بسند صحيح: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ». وفي الاستغفار نجاة من عذاب النار، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا وأسوتنا كان يكثر من الاستغفار، ففي صحيح مسلم: (عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ – وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». وأما عن شروط الاستغفار: فالتوبة، والاقلاع عن الذنوب، والإخلاص، وموافقة السنة، وأكل الحلال الطيب، وحضور القلب وخشوعه، والأدب مع الله حال الاستغفار .
أيها المسلمون
وأجل صيغ الاستغفار، والتي ينبغي على العبد المسلم حفظها، والمداومة عليها، وهي “سيد الاستغفار”، كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي ما جاء في الحديث المتقدم: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ»، وإنما انفرد هذا الاستغفار بالسيادة؛ لتضمنه محضَ العبودية وآدابَها وجماعَ معاني التوبة؛ ففِيهِ الْإِقْرَارُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ، وَالرَّجَاءُ بِمَا وَعَدَهُ بِهِ، وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِضَافَةُ النَّعْمَاءِ إِلَى مُوجِدِهَا، وَإِضَافَةُ الذَّنْبِ إِلَى نَفْسِهِ، وَرَغْبَتُهُ فِي الْمَغْفِرَةِ، وَاعْتِرَافُهُ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الله سبحانه. ففي قَول المُسلمِ: «اللَّهُمَّ أنتَ ربِّي، لا إله إلَّا أنتَ، خَلَقْتَني»، فهذا إقرارٌ بتَفرُّدِ اللهِ تعالَى بالرُّبوبِيَّةِ والأُلوهِيَّةِ وبالخَلْقِ، ثُمَّ أقرَّ بخُضوعِه وعُبودِيَّتِه للهِ تعالَى فقال: «وأنا عبدُك»، ومِن تَمامِ العُبوديَّةِ: الالتزامُ بالعهْدِ الَّذِي أُخِذ عليه بالالتزامِ بالتَّوحيدِ والشَّرعِ أمرًا ونَهْيًا، فقال: «وأنا على عَهْدِك ووَعْدِك»، ومَعْناه: وأنا على ما عاهَدْتُكَ عليه، وواعَدْتُكَ منَ الإيمانِ بكَ، وإخْلاصِ الطَّاعةِ لكَ. والوعدُ ما جاء في الصَّحيحَيْنِ على لِسانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن ماتَ لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دخَلَ الجَنةَ»، فأخبَر بأنَّه مُصدِّقٌ مُؤمِنٌ بوَعْدِ اللهِ تعالَى بالثَّوابِ على عَملِه، وقائمٌ بكلِّ ما كلَّفَه اللهُ به، وبكلِّ ما وَعَده، ثُمَّ قَيَّد هذا بالقُدرة، فقال: «ما استَطَعْتُ»، فالْتِزامُه بكلِّ هذا بِحَسَبِ القُدرةِ والاستطاعةِ، وفي هذا إقرارٌ منه بضَعْفِه وحاجتِه لتَوفيقِ مَوْلَاه؛ ولهذا قال: «أعُوذ بِكَ»، أي: أَحتمِي بك، وألجأُ إليك، «مِن شَرِّ ما صنَعْتُ»، والمرادُ به العذابُ المترتِّبُ على الذُّنوبِ والمعاصي التي تؤدِّي بالإنسانِ إلى الهَلَكةِ في الآخِرةِ، و «أَبُوءُ»، أي: أَعترِفُ «لك بنِعمتِك عليَّ، وأَبُوءُ»، أي: أَعترِفُ «لك بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لي؛ فإنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ»، وفي هذا إقرارٌ بالذَّنْبِ، وأنَّه مِن صُنعِ المرْءِ نفْسِه، وقدْ أقرَّ واعترَفَ بأنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا اللهُ؛ لِكَمَالِ مُلكِه، ولذا استَعاذ به مِن شَرِّ صَنِيعِه، وبيَّن بقوْلِه: «أَبُوءُ لكَ بنِعمَتِك علَيَّ» أنَّ عِصيانَه لم يكُنْ جُحودًا لنِعَمِ اللهِ عليه، بلْ هو مُقِرٌّ بها، وأنَّ مَعصِيَتَه كانتْ عن هَوًى وجَهْلٍ. ثُمَّ بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجْرَ هذا الذِّكرِ، فقال: «ومَن قالها مِن النَّهارِ مُوقِنًا بها» أي: بكُلِّ ما تَضمَّنَتْه مِن مَعانٍ وبثَوابِها، «فمَات مِن يَومِه قبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فهو مِن أهْلِ الجنَّةِ، ومَن قالها مِن اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فمات قبْلَ أن يُصبِحَ، فهو مِن أهلِ الجنَّةِ» الداخِلينَ إليها مع السابقِينَ، أو مِن غَيرِ سابِقةِ عذابٍ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالاستغفار نعمة من الغفار، فمن راوح عليها وجد أثرها في نفسه وماله وولده، وجميع شأنه، ولا يعرف برد المغفرة إلا من اكتوى بنار المعصية، فمن عرف شؤم المعاصي والذنوب عرف قيمة الاستغفار. فالمعاصي والخطايا تورث الحرمان: حرمان التوفيق، وحرمان الهداية، وحرمان الفهم، وحرمان العبادة، وحرمان المغفرة، وحرمان لذة الطاعة، وحرمان إجابة الدعاء، والفقه في العلم، وتحرمه الرزق، والمعاصي تعقب الخذلان: فهي تقرب العذاب، وتستجلب غضب الوهاب، وتعسر الأمور، وتزيل النعم، وتحل النقم. ولا خلاص من هذه الذنوب والمعاصي الا بالتوبة إلى الله تعالى، والندم ،وكثرة الاستغفار، فمن أراد غيثا مدرارا، وذرية طيبة، وولدا صالحا، ورزقا واسعا، ومالا حلالا، و.. ،فليلزم الاستغفار كما قال نوح: {فقلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا يرسل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10ـ12]. وفي الاستغفار استرضاء لرب الأرض والسموات، مع اعتراف بالذنب والتقصير في حق المنعم المتفضل، فالمستغفر الصادق يستقبل ربه فكأنه يقول: يا رب اني أخطأت وأسأت وأذنبت وقصرت في حقك، وتعديت حقوقك، وقد جئتك تائباً نادماً مستغفراً، فاصفح عني، وأعف عني، وسامحني، وأقل عثرتي، وأقل زلتي، وأمح خطيئتي، فليس لي رب غيرك، ولا إله سواك. قال الفضيل بن عياض: “لم أجد غذاء ولا دواء خيرا من الاستغفار”. وقال ابن رجب: “من عجز عن مشاركة المحبين بالجري معهم في ذلك المضمار، فلا أقل من مشاركة المذنبين في الاستغفار”. وقال بعض السلف: “من أدام الحمد تتابعت عليه الخيرات، ومن أدام الاستغفار فتحت له الأبواب المقفلة”. وقالوا: “لو علم أهل الحاجات ما في الاستغفار؛ لضج سكون الليل بالأسحار”. فعليك أخي المسلم بلزوم الاستغفار؛ فإنه دواؤك الناجع، وعلاجك الناجح، وميزانك الراجح، وهو البلسم الشافي، والدواء الكافي لكل مهموم مغموم، أو مكروب محزون، يذهب الله به جيوش الهموم، وسحب الغموم، ويريح به القلب المحزون .
الدعاء