خطبة عن (التورع عن الفتيا، وصفات العالم المفتي)
فبراير 3, 2018خطبة عن اسم الله ( الوَاسِعُ )
فبراير 10, 2018الخطبة الأولى ( شفاء القلوب من أمراض الذنوب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (88) ،(89) الشعراء ،وقال الله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (31) :(35) ق ، وروى مسلم في صحيحه (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ »
إخوة الإسلام
من خلال تدبرنا للكتاب والسنة يتبين لنا أن القلب يمرض، وقد يشتد مرضه ،ولا يشعر به صاحبه ،لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت القلب ، وصاحبه لا يشعر بموته. وأمراض القلوب أصعب من أمراض الأبدان، لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت، وأما مرض القلب فقد يفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي، ومرض القلب نوعان: النوع الأول: مرض مؤلم له في الحال، كالهم والغم والحزن والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه، كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن، ويُشفى بما يشفى به البدن، فكذلك البدن ،يتألم كثيرًا بما يتألم به القلب ،ويشقيه ما يشقيه. النوع الثاني: مرض لا يتألم به صاحبه في الحال، وهو المراد بحديثنا اليوم ، كمرض الجهل، ومرض الشبهات، والشكوك، ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألمًا، ولكن لفساد القلب فلا يحس بالألم، وأمراض القلوب التي من هذا النوع كثيرة جدًّا، وجماعها يرجع إلى مرضين خطرين هما: مرض الشهوات والغي، ومرض الشبهات والشك. وقد جاء في وصف القلب المنكوس ما رواه مسلم في صحيحه (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ » ، والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب من مرضها، وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، وفتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل،
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على أمراض القلوب ، فتعالوا بنا نتعرف على الدواء والعلاج ، فعلاج حياة القلوب ، يكون بعدة أدوية وأسباب ، وأولها وأهمها : القُرآن الكريم ، والذِّكْر الحكيم ، فإنه يجلو صدأ القلوب، ويذهب ما ران عليها من آثام ومعاص، ويزيد من قرب الإنسان لربه، لا سيما إذا كان مستشعرا للذكر، مصاحبا له في كل أحواله وحركاته وهيئاته. يقول أحد السلف: “والله لو طهرت قلوبنا ما مللنا من قراءة القرآن”. والطَّريق لصلاح القلوب وشفائِها لا بدَّ أن يمرَّ بالصَّدقة التي تطفئ الخطيئة، وتزكِّي القلب؛ قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]. كذلك لا بدَّ من ترْك المحرَّمات، فإنَّها بمنزِلة الأخْلاط الرَّديئة على البدَن، والتَّوبة سببٌ لِصَلاح القلْب؛ قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، والتَّوحيد يزكو به القلب فإنَّه يتضمَّن نفْي أُلوهيَّة ما سوى الله وإثْبات ألوهيَّة الله، وهذه حقيقة “لا إله إلاَّ الله”. ومِنْ أدْوية صلاح القلب: العمل الصالح؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46]. فالحسنة لها نور في القلب، وقوَّة في البدَن، وضياء في الوجْه، وسَعَة في الرِّزْق، ومحبَّة في قلوب الخلْق، ومن أسباب شفاء القلوب: الدُّعاء وطلَب الهداية من الله، قال سهل بن عبدالله التستري: “ليس بين العبْد وبين ربِّه طريق أقْرب من الافتِقار إليه”. ومن أسباب شفاء القلوب: سلامة الصَّدْر وحبُّ الخَيْر للنَّاس، والإنْفاق في سبيل الله وتعْليم الجاهلين؛ قال تعالى: {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]، وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 54]. ومِن أسْباب شِفاء القلوب: الكَرم والجود؛ قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 – 7]. ومِن أسباب شِفاء القلوب: مُخالطة الصَّالحين، والجلوس في مَجالس الذِّكْر التي تحفُّها الملائكة وتتنزَّل عليْها السَّكينة، وتغْشاها الرحمة، ويذكُرها الله فيمَن عنده، ومن وسائل علاج القلب المريض : المراقبة والمحاسبة والعلم، وتحقيق التقوى، وقيام الليل، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله، وسؤاله الصفح ،والمغفرة، والستر ،والتجاوز.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شفاء القلوب من أمراض الذنوب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هذه هي أمراض القلوب ، وتلك هي وسائل علاجها ، ثم نأتي إلى العلامات والدلائل التي تُعرف بها صحة القلب ونجاته وسلامته من الأمراض ، ليكون ذلك مؤشرا سهلا لمن أراد أن يتعرف على قلبه ويطمئن عليه ، فمن علامات صحة القلب وسلامته : – أنه لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من عبادته ، وإذا فاته ورده وجد لفواته ألما أشد من فوات ماله ، وأنه يجد لذة في العبادة أكثر من لذة الطعام والشراب، وأنه إذا دخل في الصلاة ذهب غمه وهمه في الدنيا ، وأن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا أشهد من شح البخيل بماله ، وأن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثر من اهتمامه بالعمل ذاته ،أما عن علامات مرض القلب وشقاوته : فإنه يجد لذة في المعصية، وراحة بعد عملها – وأنه يقدم الأدنى على الأعلى، ويهتم بالتوافه على حساب معالي الأمور، – وأنه يكره الحق ويضيق صدره به، ويجد وحشة من الصالحين، ويأنس بالعصاة والمذنبين ، وقبوله الشبهة، وتأثره بها، وحبه للجدل، وعزوفه عن قراءة القرآن ، والخوف من غير الله، وأنه لا يعرف معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، ولا يتأثر بموعظة.
أيها المسلمون
وهناك بعض الوسائل والأسباب التي تعين المسلم على رقة قلبه ، ومنها : أ- ترك الذنوب، فإن الذنوب تميت القلوب، وإدمانها يورث الذل، بـ – كفالة الضعفاء كاليتامى والفقراء والمرضى، وزيارتهم والجلوس إليهم. فالرحمة تتنزل على الضعفاء.. جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ » (رواه البخاري). وفي بعض الآثار الإلهية: “ابغني عند المنكسرة قلوبهم”. يعني إذا أردت أن تجد قلبك، فاذهب إلى هؤلاء الضعفاء ، جـ – النظر في سير الصالحين من أنبياء وصحابة وتابعين، فإنه من أعظم المرقّقات؛ فصحبتهم بركة، ومجالستهم فيها الثمرة. د – كثرة النظر في أخبار الجنة والنار، وأهوال يوم القيامة، وأحوال القبر، والحساب والعقاب، والصـراط، والميزان ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ) (الحج:1-2).
الدعاء