خطبة عن (من دروس الهجرة) مختصرة
يوليو 15, 2023خطبة عن (هجر المعاصي إلى الطاعات)
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى ( شهر الله المحرم وفضائله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : 36] .
إخوة الإسلام
إن شهر الله المحرّم شهرٌ عظيم مبارك ،وهو أول شهور السنة الهجرية ،وأحد الأشهر الحُرمِ ، ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ 🙁 إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) ،وقد شَرَّف اللهُ تعالى هذا الشَّهرَ من بين سائرِ الشُّهورِ، فسُمِّي بشهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فأضافه إلى نفسِه؛ تشريفًا له، وإشارةً إلى أنَّه حرَّمه بنفسه، وليس لأحدٍ من الخلقِ تحليلُه. وقد رجَّح طائفةٌ من العُلَماءِ أنَّ مُحَّرمًا أفضَلُ الأشهُرِ الحُرُمِ؛ قال ابنُ رجب: وقد اختلف العلماءُ في: أيُّ الأشهُرِ الحُرُمِ أفضَلُ؟ فقال الحسَنُ وغيرُه: أفضلُها شهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، ورجَّحه طائفةٌ من المتأخِّرين، ويدُلُّ على هذا ما أخرجه النَّسائيُّ وغيرُه عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: (سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ اللَّيلِ خيرٌ، وأيُّ الأشهُرِ أفضَلُ؟ فقال: خيرُ اللَّيلِ جَوفُه، وأفضَلُ الأشهُرِ شَهرُ اللهِ الذي تَدْعونَه المُحَرَّمَ) قال ابنُ رجب رحمه الله: “وإطلاقُه في هذا الحديثِ (أفضل الأشهر) محمولٌ على ما بعد رمضانَ، كما في روايةِ الحسَنِ المرسَلةِ”. هذا ومن أهمِّ أحكامِ هذا الشَّهرِ: تحريمُ القتالِ فيه: فمن أحكامِ شهرِ الله المُحَرَّم تحريمُ ابتداءِ القتالِ فيه؛ قال ابنُ كثير رحمه الله: وقد اختلف العُلماءُ في تحريمِ ابتداءِ القتالِ في الشَّهرِ الحرامِ: هل هو منسوخٌ أو مُحكَمٌ؟ على قولينِ: أحدُهما، وهو الأشهَرُ: أنَّه منسوخٌ؛ لأنَّه تعالى قال هاهنا: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة : 36] ، وأمَرَ بقتالِ المشركين. والقولُ الآخَرُ: أنَّ ابتداءَ القِتالِ في الشَّهرِ الحرامِ حرامٌ، وأنَّه لم يُنسَخْ تحريمُ الشَّهرِ الحرامِ؛ لقولِه تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة (194) ،وقال الله تعالى :{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} التوبة (5) ،وقد كانت العرَبُ تعَظِّمُه في الجاهليَّةِ، وكان يسمَّى بشهرِ اللهِ الأصَمِّ؛ مِن شدةِ تحريمِه.
ومن فضائل شهر المحرم : فَضلُ صيامِه: فقد بيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَضْلَ صيامِ شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ » واختلف أهلُ العلمِ -رحمهم الله- في مدلولِ الحديثِ: هل يدلُّ الحديثُ على صيامِ الشهرِ كاملًا أم أكثَرِه؟ وظاهِرُ الحديثِ -واللهُ أعلَمُ- يدُلُّ على فَضلِ صيامِ شهرِ المُحَرَّمِ كاملًا، وحمَلَه بعضُ العُلماءِ على الترغيبِ في الإكثارِ من الصِّيامِ في شهرِ المُحَرَّم لا صومِه كُلِّه؛ لما رواه مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ – رضى الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِى شَعْبَانَ).
ومن فضائل شهر الله المحرم : صيام يوم عاشوراء ،وعاشوراءُ: هو اليومُ العاشِرُ مِن شهرِ محَرَّمٍ؛ ولهذا اليومِ مزيَّةٌ، ولصومِه فضلٌ، قد اختصَّه اللهُ تعالى به، وحَثَّ عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فهو اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى من الغرق كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) رواه البخاري في صحيحه ،وفي صحيح البخاري أيضا : (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) ،ويستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً : وهذا لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام العاشر ونوى صيام التاسع : فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) رواه مسلم في صحيحه ،
هذا وقد ضل في يوم عاشوراء فرقتان: الفرقة الأولى الروافض: وهؤلاء يجعلونه مأتماً يضربون فيه الخدود ويشقون الجيوب، ويدعون بدعوى الجاهلية، ويصل بهم الحال إلى ضرب أنفسهم ضرباً شديداً، بل بعضهم يجرح رأسه بسيف ونحوه حتى تسيل دمائهم، ويدعون أن يفعلون ذلك حزناً على الحسين رضي الله عنه، وأنهم شيعته المحبون له، وتنقل ذلك الفضائيات، وكأنَّ هؤلاء هم المحبون لآل البيت، وغيرهم ممن لا يعمل عملهم غير محب لآل البيت، وهذا غير صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وَصَارَ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ -رضي الله عنه- يُحْدِثُ لِلنَّاسِ بِدْعَتَيْنِ: بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، مِنَ اللَّطْمِ وَالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَالْعَطَشِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَبِّ السَّلَفِ وَلَعْنَتِهِمْ، وَإِدْخَالِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَعَ ذَوِي الذُّنُوبِ، حَتَّى يُسَبَّ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَتُقْرَأَ أَخْبَارُ مَصْرَعِهِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ. وَكَانَ قَصْدُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ إِحْدَاثُ الْجَزَعِ وَالنِّيَاحَةِ لِلْمَصَائِبِ الْقَدِيمَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ). أما الفرقة الثانية: فهم النواصب، وهؤلاء يفرحون ويحتفلون في يوم عاشوراء بالاغتسال، والكحل، والخضاب ونحوه، مما يعد من مظاهر الفرح والسرور، يعارضون به شعار أولئك القوم الذين يجعلونه مأتماً، فعارضوا باطلاً بباطل، وردوا بدعة ببدعة. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وهؤلاء يَسْتَحِبُّونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ الِاكْتِحَالَ وَالِاغْتِسَالَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى الْعِيَالِ وَإِحْدَاثَ أَطْعِمَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ بِالْبَاطِلِ عَلَى الْحُسَيْنِ -رضي الله عنه-
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شهر الله المحرم وفضائله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل شهر الله المحرم : أنه الشهر الذي اختاره الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ليكون أول السنة الهجرية، فلم يكنِ التَّاريخُ السَّنويُّ معمولًا به في أوَّل الإسلام، حتى كانت خلافةُ عمرَ بنِ الخَطَّاب -رضي الله عنه- فـفي السَّنةِ الثَّالثةِ – أو الرَّابعةِ- من خلافتِه -رضي الله عنه-: كتب إليه أبو موسى الأشعريُّ -رضي الله عنه- أنه يأتينا منكَ كتبٌ ليس لها تاريخٌ! ؟،فجمع عمرُ الصَّحابةَ -رضي الله عنهم- فاستشارهم. فيُقال: إن بعضَهم قال: أرِّخوا كما تؤرِّخُ الفُرسُ بمُلوكِها، كلَّما هلك ملِكٌ أرَّخوا بولايةِ مَن بعدَه. فكرهَ الصَّحابةُ ذلك. فقال بعضُهم: أرِّخوا بتاريخ الرُّومِ. فكرِهوا ذلك -أيضًا-. فقال بعضُهم: أرِّخوا مِن مَولد النَّبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال آخرون: مِن مبعثِه. وقال آخرون: من مهاجرِه. فقال عمر: الهجرةُ فرَّقت بين الحق والباطل؛ فأرِّخوا بها. فأرَّخوا من الهجرةِ، واتَّفقوا على ذلك. ثم تشاوروا من أيِّ شهرٍ يكون ابتداءُ السَّنة. فقال بعضُهم: من رمضان؛ لأنَّه الشَّهر الذي أنزلَ فيه القرآنُ. وقال بعضُهم: من ربيعٍ الأوَّل؛ لأنه الشَّهر الذي قدِم فيه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-. مهاجرًا. واختار عمرُ وعثمانُ وعليٌّ أن يكونَ من المحرَّمِ؛ لأنَّه شهرٌ حرامٌ يلي شهر ذي الحجةِ الذي يؤدي المسلمون فيه حجَّهم الذي به تمامُ أركانِ دينِهم، والذي كانت فيه بيعةُ الأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- والعزيمةُ على الهجرةِ. فكان ابتداءُ السَّنةِ الإسلاميَّة الهجريَّة من الشهرِ المحرَّم الحرام.
الدعاء