خطبة عن عاشوراء (عند أهل السنة والشيعة واليهود)
يوليو 15, 2023خطبة من دروس الهجرة (التوكل على الله)
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى ( شهر المحرم ،وصيام عاشوراء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)
إخوة الإسلام
لقد أظلنا شهرٌ عظيم مبارك ،هو شهر الله المحرم، وهو أول شهور السنة الهجرية ،وأحد الأشهر الحرم ،ويُستحب الإكثار فيه من الصيام، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ »، وأفضل أيام هذا الشهر المبارك هو يوم العاشر، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، ففي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ « مَا هَذَا » . قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى . قَالَ « فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ » . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)، وفي رواية للبخاري: (لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالُوا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ » . ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ)، ويتأكد صيام يوم عاشوراء ؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ ، إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ . يَعْنِى شَهْرَ رَمَضَانَ) ، وفي صحيح البخاري أيضا: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَصُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لاَ يَصُومُهُ)، ويستحب حث الصبيان الصغار على صيامه ؛ كما جاء في الصحيحين: (عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ « مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ». فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ) . وصيام يوم عاشوراء له أجر عظيم، وهو أحد المواسم العظيمة التي يضاعف الله تعالى فيها الأجر ،ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ».
فيا له من فضل عظيم ،لا يفوِّته إلا محروم، فصيام يوم واحد يكفر الله به خطايا عام كامل، وهذا من رحمة الله تعالى بنا ،ولطفه بعباده ، وتكرمة لهذه الأمة ، ويجوز للمسلم صيام عاشوراء ويوم قبله أو يوم بعده، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ». وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ يَعْنِى يَوْمَ عَاشُورَاءَ). وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ) ،فتزود أخي المسلم وأختي المسلمة من الخيرات ،واغتنم هذه الفرص، لتقدم لنفسك زاداً تجده غداً أمامك ، فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره.
أيها المسلمون
ويأتي يوم عاشوراء ليُذكِّر الأمة أنه لا تقف أمام قوة الله أي قوة، ولا يعجزه سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه سبحانه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن فيكون. فيوم عاشوراء فيه رسالة أن الباطل مهما انتفخ وانتفش ،وتجبر وتغطرس ،وظن أنه لا يمكن لأحد أن ينازعه ،أو يرد كيده وباطله، أو يهزم جنده وجحافله ،فإن مصيره إلى الهلاك، وعاقبته هي الذلة والهوان، فهذا فرعون الطاغية ،بلغ به التكبر والغرور أن يدّعي الألوهية، وأن يعلن للناس بكل جرأة وصفاقة: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38]، وأن يقول بملء فيه من غير حياءٍ ولا خجل: ( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى ) [النازعات:24]، ولكنه حين حل به العذاب ،لم يُغن عنه ملكه وسلطانه، ولا جنده ولا أعوانه، قال تعالى: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) النازعات:25، 26. فشهر الله المحرم شهر نصرٍ وعزٍ ، نصر الله تعالى فيه نبيه موسى صلى الله عليه وسلم وقومه على فرعون الطاغية المتجبر ،على رغم كثرة عددهم وعدتهم وخيلائهم، فإن الله تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ، وبإحياء ذكرى ذلك النصر المجيد، على ذلك الطاغية الكبير، نعلن أن الدعوات لا تهزم بالأذى والحرب والاضطهاد، و عاقبة الظلم وخيمة، والله ناصر دينه, وكتابه, وأولياءه، و العاقبة للمتقين ،والنصر حليفهم متى ما تمسكوا بدينهم، واستنزلوا النصر من ربهم، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) [آل عمران:126]