خطبة عن (أفضل الأعمال في شهر رمضان)
مارس 19, 2023خطبة عن (رَمَضَانُ شَهْرُ الصَّبْر)
مارس 19, 2023الخطبة الأولى ( شهر رمضان نعمة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة 185 . وروى النسائي في سننه (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ )
إخوة الإسلام
إن النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظَرَة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرّفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شكره قيدًا يقيّدها به حتى لا تشرد ـ فإنها تشرد بالمعصية وتقيّد بالشكر ـ ووفقه لعلم يستجلب به النعمة المنتظرة، وبصّره بالطرق التي تسدّها وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها، وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه، وعرّفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها . ويحكَى أن أعرابيًا دخل على الرشيد فقال: أمير المؤمنين، ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها، وحقّق لك النعم التي ترجوها بحسن الظنّ به ودوام طاعته، وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرَها. فأعجبه ذلك منه فقال: ما أحسن تقسيمه. ومن هذه النعم التي قد لا يشعر بها العبد وهو فيها أن يمد الله في عمره، نعم، إذا مد الله في عمر العبد فهذه نعمة عظيمة ينبغي له أن يحمده ويشكره عليها، وأن يندم على ما فوته على نفسه من الخير، وأن يغتنم ما يكرمه الله به من المواسم والأعياد ليتقلّب القلب، يرجو بذلك الثواب والدرجات، وخاصة عند نزول النفحات، فمن عظيم نعم الله أن يبلِّغ العبدَ مواسمَ يعينه بذلك على أمر دينه وآخرته،
أيها المسلمون
ومن هذه المواسم ومن هذه المناسبات العظيمة شهر رمضان، هذا الشهر التي ما فتئ أهل العلم والمعرفة بهذا الشهر يطلبونه ويسألون الله أن يبلغهم رمضان، فكم في هذا الشهر من الخير والرحمات والبركات، بل من عظيم شأن هذا الشهر أن الله يعين العبد وييسر ويسهل له فيه سبل الخير والطاعة. ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِى مُنَادٍ يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ». وقوله صلى الله عليه وسلم (صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ) أي: سلسِلت الشياطين وشدَّت بالأغلال، وكذا مردة الجن وهم المتجرّدون للشر، وهذا أول علامة ودلالة على فضل هذا الشهر، أن الشياطين ومردة الجن يصفدون ويسلسلون، فيضعف تأثيرهم ووسوستهم على المسلم، وقد قال أهل العلم: الحكمة في تقييد الشياطين وتصفيدهم كيلا يوسوسوا في الصائمين. ولعل الأمارة والأثر يظهر إذا لاحظنا أن أكثر المنهمكين في الذنوب والمعاصي يرجعون في هذا الشهر إلى الله تعالى. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ)). نعم، تغلق أبواب النار فلا يفتح منها باب، وتفتح أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، وفي هذا جاء عن حذيفة أنه قال: ((يا حذيفة، من ختِم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة)) رواه الأصبهاني وهو صحيح. فمن ختم له بصيام ـ أي: مات وهو صائم ـ أدخله الله الجنة بشرط أن يكون هذا الصيام لله تعالى مريدًا به وجهه عز وجل، وفي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِى ، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ). وفي تأويل هذا الكلام للعلماء فيه أقوال، مع أن الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، ولعل أقواها أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره عمومًا، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه: “قد علمنا أن أعمال البر كلها لله، وهو الذي يجزي بها، فنرى أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القلب”. وهذا يظهر من خلال قوله : ((يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى)). قال الحافظ: “قد يفهم من هذا الحصر التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك، وهو الإخلاص الخاص به، حتى لو كان ترك المذكورات لعرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور”، ثم قال: “وقد يدخل الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم، فدخول الرياء يكون بالقول، أما بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد الفعل”.وفي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » أي: صام إيمانًا بأن الله فرضه وأوجبه عليه، واحتسابًا أي: طلبًا لوجه الله وثوابه ونفسه راغبة في ثوابه، طيبة غير كارهة ولا مستثقلة لصيامه، وفي هذا يخرج من يصوم وهو كاره مستثقل لرمضان، أو من يصوم فقط لأن الناس يصومون لكن دون إيمانه بأن الله أوجبه، من جهة العادة فقط. والمراد بقوله: ((وَأَنَا أَجْزِى بِهِ)) أي: أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد أطلع عليه بعض الناس، ويشهد لهذا ما رواه مسلم في صحيحه والإمام مالك في موطئه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ. يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى )) أي: أجازي عليه جزاء كثيرًا من غير تعيين أو تحديد لمقداره، كقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].فالله سبحانه يجازي الصائم الأجر الكثير والكبير، ويكفر له بالصيام الذنوب والخطايا، فعن حذيفة قال: قال عمر: من يحفظ حديثًا عن النبي في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا سمعته يقول: « فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْىُ » ، وفي الجنة باب لا يدخله إلا الصائمون ،ففي الصحيحين عَنْ سَهْلٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ » وفي رواية: ((مَنْ دَخَلَ فِيهِ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شهر رمضان نعمة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وليحذر المسلم من أن يتعب نفسه ثم لا يجد من الأجر شيئًا، ففي مسند أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ » ، فالكيس الفطن من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والكيس الفطن من يعمل العمل ويأمل بذلك ثواب الله، فكما أن العامل يكدح ويعمل وهو يتقن عمله حتى ينال أجرته فكذلك المسلم لا يفسد عمله حتى يلقى الله وهو عليه راض، جاء أن عمر رأى ذات يوم راهبا فبكى، فقيل له عن ذلك، فقال: تذكرت قوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) [الغاشية:3، 4]. فطوبى لمن بادر عمره القصير فعمر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وأعرض النصير، كان الحسن يقول: “عجبت لأقوام أمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل، وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون”، وكان أبو بكر بن عياش يقول: “لو سقط من أحدكم درهم لظل يومه يقول: إنا لله ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات ويحفظون الساعات ويلازمونها بالطاعات”.
أيها المسلم
هلال الهدى لا يظهر في غيم الشبع، ولكن يبدو في صحو الجوع وترك الطمع، واحذر أن تميل إلى حب الدنيا فتقع، ولا تكن ممن قال: سمعت وما سمع، ولا ممن سوّف يومه بغده فمات ولا رجع، كلا ليندمن على تفريطه وما صنع، وليسألن عن تقصيره في عمله وما ضيع، فيا لها من حسرة وندامة، وغصة تجرع عند قراءة كتابه وما رأى فيه وما جمع، فبكى بكاء شديدًا فما نفع، وبقي حزونًا لما رأى نور المؤمن يسعى بين يديه وقد سمع، فلا ينفعه الحزن ولا الزفير ولا البكاء ولا الجزع.
الدعاء