خطبة عن (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)
نوفمبر 19, 2025الخطبة الأولى (شَبَابُنَا بَيْنَ التَّحَدِّيَاتِ وَالْآمَالِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) (13)، (14) الكهف، وفي صحيح البخاري: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ – صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- عن: (شَبَابُنَا بَيْنَ التَّحَدِّيَاتِ وَالْآمَالِ)، فالشباب: فترة زمنية، لها قيمتها ومكانتها في الحياة؛ فهي باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، والشباب: مرحلة الفتوة والنضارة، فهم رجال الغد، وآباء وأمهات المستقبل، وإليهم تؤول قيادة الأمة في المستقبل في جميع مجالاتها، ففي صلاح الشباب صلاحٌ للأمة، فالشباب: مرحلة قوة بين ضعفين، وهي سن البناء، وسن الحماسة والعطاء، وسن الهمة والطموح، ولذلك يستهدفهم الشيطان، وتغريهم الدنيا، ويتسابق عليهم دعاة الفتن، وتخاطبهم أمواج الشهوات والشبهات ،وما من أمة أُهملت فيها هذه الفئة إلا ضاعت، وما من أمة اعتنت بشبابها، وأصلحت قلوبهم إلا نهضت وارتفعت، وبلغت بإذن الله أعلى المراتب، فهم عصب الأمة، ورأس مالها، وطاقة المستقبل، وحَمَلة الرسالات، وصنّاع النهضة، وإذا فسدوا، فسد بهم حاضرها ومستقبلها.
ولا بد أن نعلم أن الشباب لا يمكنه النجاح وحده، بل يحتاج إلى أسرة تُعين، ومدرسة تربي، ومسجد يُزكي، ومجتمع يشجع، فالأسرة تغرس الإيمان، والمدرسة تنمي العقل، والمسجد يزكي القلب، والمجتمع يعطي القدوة الحسنة، وإذا اجتمعت هذه الأجهزة على الطاعة، أعدت لنا جيلا صالحا قويا، وإذا تخاذلت، ضاع الشباب، وتاهت القيم.
أيها المسلمون
ومن المعلوم: أن الشباب مرحلة من مراحل العمر، لم يكتمل نضجها بعد؛ فهي قابلة للتشكل والتغير، ومن هنا، يتأتى دور الأسرة والمربين في توجيهها إلى الخير، وبذل مزيد من التربية والرعاية والاهتمام بها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد اشتد حرصه (صلى الله عليه وسلم) وتوجيهه للشباب، وظهرت عنايته الفائقة بهم؛ ففي تعليم الآداب الشرعية، روى البخاري في صحيحه: (أن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ)، وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ «يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».وفي الصحيحين: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ..- وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ «مَا تَزَوَّجْتَ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا». فَقُلْتُ لَهُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. قَالَ «أَفَلاَ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُكَ وَتُلاَعِبُهَا ». فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي – أَوِ اسْتُشْهِدَ – وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ)، وفي صحيح البخاري: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ،..)، وفي صحيح البخاري: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ – صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
ومن صور حال الشباب في العهد النبوي: ففي الصحيحين: (قَالَ مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ – وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا – وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ سَبْعِينَ رَجُلاً يُسَمَّوْنَ الْقُرَّاءَ. قَالَ كَانُوا يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَمْسَوُا انْتَحَوْا نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ فَيَتَدَارَسُونَ وَيُصَلُّونَ يَحْسِبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْسِبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِى وَجْهِ الصُّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنَ الْمَاءِ وَاحْتَطَبُوا مِنَ الْحَطَبِ فَجَاءُوا بِهِ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَمِيعاً فَأُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَدَعَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ). وهذا (أسامة بن زيد) (رضي الله عنه) شاب يشاوره النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، ويسلمه قادة الجيش الذاهب إلى الروم، وهذا (عتاب بن أسيد) شاب يجعله أميرًا على مكة، و(عبدالله بن الزبير) يقود الغلمان لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، وسفير الإسلام (مصعب بن عمير) يرسله داعية إلى أهل المدينة، فيُسلِم على يديه أكثر أهلها، ويدخل نور الإسلام كل بيت من بيوتها.
أيها المسلمون
وتقف في وجه الشباب تحديات، ولهم في المستقبل آمال يبتغون تحقيقها، أما عن تحديات الشباب: فمن أكبر التحديات التي تواجه الشباب اليوم: تحدي الهوية؛ فالشباب بين تيارات متناقضة، وثقافات مختلفة، ودعوات مُضلِّلة، تريد أن تقتلع المسلم من جذوره، وتجعله تابعًا لغيره، مبهورًا بمن عداه، ناسياً دينه، متبرمًا بقيمه، مع أن الله قد أكرم هذه الأمة بدين عظيم، وهداية كاملة، وشرع حكيم، فلا سعادة للشباب إلا بالثبات عليه.
ومن التحديات العظيمة: تحدي الشهوات: فما أكثر ما يواجهه الشاب اليوم من دوافع الانحراف، وما تعرضه وسائل الإعلام من مشاهد محرمة، وما يبثه العالم المفتوح من صور تضعف القلب، وتفتن النظر، وتستعبد النفس، ولذا كان لزامًا على الشاب أن يتحصن بالتقوى، وأن يملأ قلبه بخشية الله، وأن يراقب ربه في سره وعلانيته.
ومن التحديات التي تواجه شباب اليوم: الغزو الفكري والإعلامي؛ غزو يتسلل إلى البيوت بلا إذن، ويخترق العقول بلا استئذان، فكم من شاب كان ثابتاً على الطاعة، فلما أطلق بصره للمواقع المشبوهة، والمنصات المنحرفة، اختلط عليه الحق بالباطل، وبدأ يشك في ثوابته، ويفقد بوصلته، ولذلك كان لزاماً على الآباء والأمهات أن يربّوا الأبناء على الوعي، وعلى قاعدة: لا تأخذ دينك ممن لا يعرف دينه.
ومن التحديات الجاثمة على قلوب الشباب: رفقاء السوء، فالصاحب ساحب، والطباع سراقة ،والقلوب تتأثر بمن حولها، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»، فيا شاب الإسلام: اختر لنفسك صحبة صالحة، صحبة تذكرك بالله، لا صحبة تجرّك للمعاصي، وتأخذ بيدك إلى الضياع.
ومن التحديات الكبرى التي يعاني منها شبابنا: اليأس والإحباط وفقدان الأمل، فبعض الشباب يرى الفساد في المجتمع، وضعف الالتزام، وقلة القدوة، وتباطؤ الإصلاح، فيدخل إلى قلبه اليأس، ويفقد الثقة في نفسه وفي أمته، فيترك العمل، ويتخلى عن الإيجابية، ويظن أن لا فائدة من بذله. ونرى شبابا يشعرون بأن الأبواب مغلقة، وأن المستقبل مجهول، وأن الحياة بلا معنى، فيقعون في الإحباط أو الاكتئاب أو العزلة، رغم أن الإسلام علّمنا التفاؤل والعمل والسعي. ومن التحديات أيضًا: تحدي الوقت وضياعه: فالوقت أغلى ما يملك الشاب، ومع ذلك يذهب الكثير منه في اللهو الزائد، والتصفح الذي لا ينفع، ومتابعة ما لا يقدم علمًا، ولا ينشئ مهارة، فاحفظوا أوقاتكم، وبادروا شبابكم قبل هرمكم، وصحتكم قبل سقمكم، وفراغكم قبل شغلكم. ومن التحديات أيضًا: البيئة: فالبيئة التي تذكّر بالله، وتبعد عن الحرام، وتحث على العلم والالتزام – هي التي تحفظ الشاب، وتفتح له طريق الهدى. فإذا صلحت البيئة صلح الشباب، وإذا فسدت البيئة صعب على الشاب الثبات. ومن التحديات أيضًا: الشعور بالمسؤولية والرسالة: فالشاب إذا شعر أن له قيمة، وأنه صاحب رسالة، وأنه مسؤول في بلده وأمام ربه، فإنه ينهض، ويجتهد، ويعمل، ويصبر. أما الشاب الذي يعيش بلا هدف ولا رسالة، فإنه يسهل أن تلتهمه الفتن، وأن تضعف نفسه أمام الشهوات.
ومن التحديات أيضًا: الانحرافات العقدية والفكرية: فقد أصبح العالم مفتوحًا، تختلط فيه الأفكار، وتتزاحم فيه الأصوات، ويتسلط فيه أهل الشبهات. وكم من شاب ضاع يقينه بسبب مقطع أو منشور أو كلمة، لأنه لم يجد من يرشده، أو يبين له طريق النجاة، وكل ذلك يجذب الشباب ليبعدهم عن طريق الله، وفي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ». ومن التحديات التي تواجه شباب اليوم: تحدي القدوات الزائفة: فقد صار كثير من الشباب يبحثون عن القدوة في أهل الشهرة، لا في أهل الحق، فيتأثرون بمن لا خُلُقَ له، ولا دين، ولا رسالة، فيضلّون ويُضِلّون.
أيها المؤمنون
ومع هذه التحديات إلا أن شباب الأمة يملكون آمالًا عظيمة، وقدرات ضخمة، وهم أهل طموح وإبداع، وما بُنيت الحضارات، ولا قامت الدول، ولا انتصرت الدعوات، إلا على أكتاف الشباب، فمسؤولية الشباب تجاه دينهم كبيرة، فهم حملة الرسالة، وهم الذين تقع على عواتقهم مهمة الدفاع عن القيم، ونشر الفضيلة، والتمسك بالهوية الإسلامية، وليست الشجاعة في مظهر، ولا الفخر في تقليد، ولا الرجولة في التمرد، ولكن الرجولة كل الرجولة أن يكون الشاب ثابتاً على حقه، قوياً في إيمانه، عفيفاً في أخلاقه.
فمع ما يواجهه شباب الأمة من تحديات، إلا أن الأمل فيهم كبير، والخير فيهم كثير، وفي مسند أحمد: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ»، وما ذاك إلا لأن الشاب حين يعفّ عن الحرام، ويستقيم على الطاعة، ويقاوم شهواته، فإن أجره عند الله عظيم، وثوابه مضاعف. فإننا بحاجة إلى شباب يحملون همّ الأمة، شباب يبنون ولا يهدمون، يصلحون ولا يفسدون، يعملون ولا يتكاسلون، شباب يقولون للباطل: لا، وللحق: نعم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (شَبَابُنَا بَيْنَ التَّحَدِّيَاتِ وَالْآمَالِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ورغم هذه التحديات جميعًا، فإن في الشباب آمالاً عظيمة، وبشائر كبيرة، فكم من شاب يهدي الله به أمة، وكم من شاب يحمل القرآن في صدره، ويقوم الليل، ويجتهد في الخير، وينشر العلم، ويذود عن الدين. والرسالات كلها بدأت بشباب، والدعوات قامت بشباب، والنهضات انطلقت من عقول الشباب وطاقاتهم. فإن الشباب الذين يملكون الإيمان، ويحملون القرآن، ويقتدون بسير الصالحين، ويُحسِنون الظن بالله – هم قادرون بإذن الله على أن يصنعوا أمة قوية، وأن يبنوا مستقبلًا مشرقًا، وأن يُقيموا دين الله في الأرض.
وفي الأمة اليوم شباب صادقون، يتعلمون، ويجاهدون أنفسهم، ويحملون هموم الدين، ويقومون الليل، ويصلحون ذات البين، ويبتعدون عن المحرمات، ويطلبون الرزق الحلال، ويُعينون المحتاجين، وهؤلاء هم أمل الأمة الحقيقي.
فيا شباب الإسلام: اجعلوا لكم نصيبًا من كتاب الله تلاوةً وفهمًا، ومن سنة نبيكم اقتداءً وعملاً، واعمروا أوقاتكم بما ينفع، واتخذوا قدوات صالحة، واحذروا مسالك الانحراف، واعلموا أن الله مطلع عليكم، وأنه سبحانه لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.
فالشباب هم أقدر الناس على تعلم العلوم، والعمل في الميادين الجديدة، واستغلال التقنية الحديثة فيما يرضي الله. ويا شباب الإسلام: إن صلاحكم صلاح للأمة، وفسادكم فساد لها. فلا تتنازل عن هويتك، ولا تخجل من عبادتك، ولا ترخص دينك لأجل رضا الناس. واختر الصحبة الصالحة، واشغل وقتك بالعلم والعمل، وارسم لك هدفا نافعا في الحياة، وبر الوالدين، فهما مفتاح كل توفيق، وبركة في العمر والرزق.
أيها المسلمون
وأمام هذه التحديات الجسام، ولتحقيق الآمال والرغبات العظام، ومن باب النصح للمسلمين، نقول للشباب: على الشاب أن يكون همه بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين، وتعبيد الناس لرب العالمين، وليحذر أن يكون داعية سوء، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وعلى الشاب أن يعرف ما لوطنه من الحق؛ وعليه لولاة أمره الطاعة في المعروف، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء للإفساد في الوطن. وعلى الشاب أن يكون دائمَ الارتباط بالله تعالى، من خلال أداء الصلاة في وقتها، وكثرة الذكر والدعاء، والاستعانة به في جميع الأمور، والتوكل عليه، والمحافظة على الأوراد والأذكار الشرعية. وعلى الشاب أن يحذر من التقليد الأعمى الذي يُفقِده شخصيته وتميزه، وعلى الشاب أن يحافظ على رجولته، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسُّرٍ وتشبُّهٍ بالنساء، وعلى الشاب أن يصبر على مشقة فعل الطاعة وترك المعصية؛ حتى تستقيم نفسه على ذلك وتستلذ به؛ فإن الخيرة عادة. وعلى الشاب أن يروِّح عن نفسه بالمباح، وأن يتجنب الحرام؛ فإن في الحلال غنية عن غيره، وعاقبة الحرام وخيمة؛ وتحلوا بخلق الصدق والوفاء، والحلم وكظم الغيظ؛ فإن الغضب من الشيطان، واطلبوا معالي الأمور، ولتكن همتكم عالية، وتسلحوا بالعلم والأدب.
أيها المسلمون
لننظر إلى شبابنا بعين الرحمة، لا بعين القسوة، وبعين الفهم، لا بعين الاتهام، وكما أن فيهم الخطأ، ففيهم الخير الكثير، وفي قلوبهم نور كبير، يحتاج فقط إلى يد تأخذ بسببه. فعلينا أن نشجعهم على العمل، وأن نسلم لهم المسؤوليات المناسبة، ونثني على إنجازاتهم، فالكلمة الطيبة تصنع معجزات، ونوجههم إلى القدوات الصالحة، ونجنبهم وسائل الفساد، والدعاء لهم، فالقلوب بين أصابع الرحمن، وقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت (69). فإذا جاهد الشاب هواه، ورعى صلاته، وحفظ بصره، وبرّ والديه، وسلك طريق العلم، والعمل الصالح، رفعه الله في الدنيا والآخرة.
الدعاء
