خطبة عن (المفسدون في الأرض وصور الفساد في الأرض)
مايو 8, 2017خطبة عن (تزكية النفوس) (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ)
مايو 10, 2017الخطبة الأولى: (صلاح الآباء ينفع الأبناء:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً). (9) النساء . وقال سبحانه : (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) (82) الكهف .
إخوة الإسلام
دخل «مقاتل بن سليمان» رحمه الله، على «المنصور» يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له «المنصور» عِظني يا «مقاتل»!
فقال: أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال: بل بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين! إن عمر بن عبدالعزيز أنجب أحد عشر ولداً وترك ثمانية عشر ديناراً، كُفّنَ بخمسة دنانير، واشتُريَ له قبر بأربعة دنانير وَوزّع الباقي على أبنائه.
وهشام بن عبدالملك أنجب أحد عشر ولداً، وكان نصيب كلّ ولدٍ من التركة مليون دينار. والله… يا أمير المؤمنين: لقد رأيت في يوم ٍ واحد ٍأحد أبناء عمر بن عبدالعزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق. وقد سأل الناس عمر بن عبدالعزيز وهو على فراش الموت: ماذا تركت لأبنائك يا عمر؟ قال: تركت لهم تقوى الله، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى. نعم : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (9) النساء . فيجب على كل أبٍ ومربٍ أن يتيقن تمام اليقين ،أن كل ما يعمله من عمل صالح أو غيره سيبقى أثره أول ما يبقى في أولاده وذريته , ولقد أرشدنا إلى ذلك المولى الكريم في الآية السابقة أننا إذا ما أصابنا القلق والخوف على أودنا من بعدنا فما علينا إلا أن نخلص العمل ونحسن التقوى والمراقبة وأن لا نفعل ولا نقول إلا ما يرضى الله تعالى ,
كما ذكر لنا القرآن الكريم طرفاً من قصة العبد الصالح مع نبي الله موسى عليه السلام حينما نزلا إلى قرية وطلبا من أهلها الضيافة , لكن أهل القرية كانوا بخلاء أشحاء فضنوا عليهما حتى بشربة ماء , ومع هذا حينما وجد العبد الصالح جداراً أوشك على السقوط فشمر عن ساعد الجد وقابل البخل بالكرم والمعروف وأعاد بناء هذا الجدار , ولما سئل في ذلك قال بأن الجدار كان لغلامين يتيمين في المدينة وأن هناك كنزاً تحت هذا الجدار , وأن أبويهما صالحان , فأبقى الله تعالى أثر صلاح الوالدين في أولادهما ،قال سبحانه : “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) (82) الكهف .
أيها المسلمون
ومما قاله الشيخ الشعراوي رحمه الله: في هذه الآية: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} (9) النساء .. يقول : والإنسان حين يترك ذرية ضعيفة يتركها وهو خائف عليهم أن يضيعهم الزمان. فإن كان عندك أيها المؤمن ذرية ضعيفة وتخاف عليها فساعة ترى ذرية ضعيفة تركها غيرك فلتعطف عليها، وذلك حتى يعطف الغير على ذريتك الضعيفة إن تركتها. واعلم أن ربنا رقيب وقيوم ولا يترك الخير الذي فعلته دون أن يرده إلى ذريتك. وقلنا ذات مرة: إن معاوية وعمرو بن العاص اجتمعا في أواخر حياتهما، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: يا أمير المؤمنين ماذا بقي لك من حظ الدنيا؟ وكان معاوية قد صار أميرا للمؤمنين ورئيس دولة قوية غنية، فقال معاوية: أما الطعام فقد مللت أطيبه، وأما اللباس فقد سئمت ألينه، وحظي الآن في شربة ماء بارد في ظل شجرة في يوم صائف. وصمت معاوية قليلا وسأل عمرا: وأنت يا عمرو ماذا بقي لك من متع الدنيا؟.
وكان سيدنا عمرو بن العاص صاحب عبقرية تجارية فقال: أنا حظي عين خرارة في أرض خوارة تدر عليّ حياتي ولولدي بعد مماتي. إنه يطلب عين ماء مستمر في أرض فيها أنعام وزروع تعطي الخير. وكان هناك خادم يخدمهما، يقدم لهما المشروبات، فنظر معاوية إلى الخادم وأحب أن يداعبه ليشركه معهما في الحديث. فقال للخادم: وأنت يا وردان ماذا بقي لك من متاع الدنيا؟ أجاب الخادم: بقي لي من متع الدنيا يا أمير المؤمنين صنيعة معروف أضعها في أعناق قوم كرام لا يؤدونها إليّ طول حياتي حتى تكون لعقبي في عقبهم. لقد فهم الخادم عن الله قوله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9] ، فالذين يتقون الله في الذرية الضعيفة يضمنون أن الله سيرزقهم بمن يتقي الله في ذريتهم الضعيفة.
أيها المسلمون
وذُكِرَ أن ابنة عمر بن عبدالعزيز دخلت عليه تبكي، وكانت طفلة صغيرة آنذاك، وكان يوم عيد للمسلمين.. فسألها: ماذا يبكيك؟ قالت: كل الأطفال يرتدون ثياباً جديدة؟ وأنا ابنة أمير المؤمنين أرتدي ثوباً قديماً! فتأثر عمر لبكائها وذهب إلى خازن بيت المال. وقال له: أتأذن لي أن أصرف راتبي عن الشهر القادم؟ فقال له الخازن: ولِمَ يا أمير المؤمنين؟ فحكى له عمر..! فقال الخازن: لا مانع، وَلكن بشرط؟ فقال عمر: وما هو هذا الشرط؟! فقال الخازن: أن تضمن لي أن تبقى حياً حتى الشهر القادم لتعمل بالأجر الذي تريد صرفه مسبقاً. فتركه عمر وعاد، فسأله أبناؤه: ماذا فعلت يا أبانا؟ قال: أتصبرون وندخل جميعاً الجنة، أم لا تصبرون ويدخل أبوكم النار؟ قالوا: نصبر يا أبانا ، هذا هو الميراث الحقيقي للأبناء في بناء النفسية السوية وحسن التعامل مع الحياة وترفها ، وكان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عندما يصلي من الليل، وابنه الصغير نائم بجواره، ينظر إليه قائلاً: من أجلك يا بني! ويتلو وهو يبكي قوله تعالى ” وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ” . وحكي أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود باع دارًا بثمانين ألف درهم فقيل له: اتخذ لولدك من هذا المال ذخرًا. فقال: أنا أجعل هذا المال ذخرًا لي عند الله عز وجل، وأجعل الله ذخرًا لولدي، وتصدق بها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية(صلاح الآباء ينفع الأبناء:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى أبو نعيم في الحلية قال : أدخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد ليستأذن على أمير المؤمنين ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبدالصمد مؤدب أولاد الرشيد ، فقال سراج للشافعي يا أبا عبدالله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهو مؤدبهم فلو أوصيته بهم ، فأقبل الشافعي على أبي عبدالصمد فقال له ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك فان أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ، ثم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم
أيها المسلمون
ومن أجمل مَن استشعر هذا المعنى سعيد بن المُسَيب فقال: “إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي..”،
يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده. فعليك أيها الأب وأنتِ أيتها الأم بتَقوى الله، عليك أيها الأب أن تطيب مطعمك ومشربك وملبسك حتى ترفع يديك بالدعاء إلى الله بأيد طاهرة ونفسٍ زكية فيتقبل منك لأولادك ويُصلحهم الله ويبارك لك فيهم، قال الله عز وجل: {إِنمَا يَتَقَبلَ اللهُ مِنَ الْمُتقِينَ}. فإذا كان الرجل دائم البر لأبويه قائمًا بالدعاء والاستغفار لهما يتفقد أحوال والديه ويطمئن عليهما ويسد حاجتيهما ويكثر من قول {رَب اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَي}، ويقول دائمًا {رَب ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبيَانِي صَغِيرًا}، ويكثر من الصدقة عنهما، ويَصِلْ مَن كان الأبوان يصلانه، ويعطي مَن كان الأبوان يعطيانه، فإذا رأى الابن من أبويه هذه الأخلاق فإنه بإذن الله يَقتبس من هذه الأخلاق، ويستغفر هو الآخر لأبويه بعد موتهما ويفعل بهما ما رآهما يفعلان مع الآباء. وليَحذر الآباء أشد الحذر من التقصير في تعليم فلذات أكبادهم ما يَنفعهم في دينهم ودنياهم ، لأن مآل ذلك خطير وضرره كبير، يقول الإمام ابن القيم: “فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا”. وليَعلم كل مَن قصر في ذلك أن وبال هذا الأمر وعاقبته السيئة ستعود عليه أيضًا في الدنيا والآخرة،
يقول الإمام ابن القيم: “فما أفسد الأبناء مثل تَغافل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شَرر النار بين الثياب، فكم من والد حَرَم ولده خير الدنيا والآخرة وعَرضه لهلاك الدنيا والآخرة ، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله، وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حَرَمهم الانتفاع بأولادهم وحَرَم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء” ، وحقا ما قال ربنا : {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]
الدعاء