خطبة عن ( الجليس الصالح )
ديسمبر 16, 2017خطبة عن اسم الله: ( الحَلِيم )
ديسمبر 23, 2017الخطبة الأولى ( صلاح الدين الأيوبي وتحرير بيت المقدس )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) الاحزاب(23)، (24) ، وقال الله تعالى : (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37) ،(38) النور
إخوة الإسلام
إن بناء المصانع سهل يسير ، ولكن بناء الرجال صعب عسير ، وهناك رجال الواحد منهم بألف، كما أن هناك ألوفًا من الرجال لا يساوون رجلاً واحدًا. وفي وسط هذا الظلام الدامس، والأيام الحالكة، والليالي المفعمة بالسواد، يتراءى للناس شعاع من نور الله، فيبعث الله لهم من يجدِّد لهم أمر دينهم، وشئون حياتهم، فيقيض الله لهذه الأمة رجالاً يحملون همَّ هذا الدين، فيتركون الدنيا وزينتها، وحديثا اليوم -إن شاء الله- عن بطل مغوار ، وقائد فذ ، وفاتح القدس ، والمنتصر على الصليبيين في موقعة حطين، فهو رجل من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي، ولا زال أثرها بارزا حتى يومنا هذا، لما أبرزته من مواقف بطولية ،وسطرت التاريخ بانجازاته المتمثلة بالوحدة والإرادة والتصميم ، وإعادة الهيبة للأمة الإسلامية ، في وقت كان المجتمع الإسلامي يعاني فيه من التفكك والانحلال، هذه الشخصية هي (صلاح الدين الأيوبي) ، أو قل : صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان والذي يكنى “بأبي المظفر” ، والحديث عن صلاح الدين الأيوبي ضرورة إسلامية تتطلبها المرحلة ؛ لأمور منها: أولاً: لأن القدس اليوم في محنةٍ هي أشبه بما كانت عليه قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي ، ثانيًا: لأن الأمة الاسلامية اليوم ضلت طريق الهدى، وتنكبت طرق الصلاح والاصلاح ، وأصبحت غثاء كغثاء السيل ، فطمع فيها عدوها ، وأذاقها الله الذل والهوان ، ثالثًا: لأن أمتنا في حاجة إلى من تقتدي به في عصرٍ قَلَّت فيه القدوات، وانعدمت فيه البطولات ، وأخفقت فيه الرايات ، واحتلت فيه المقدسات ، وتفرقت فيه الأمة إلى دويلات ، رابعًا: لأن أمتنا الاسلامية تنتظر مثيلاً لصلاح الدين الأيوبي؛ ليعيد لها عزتها وكرامتها ووحدتها ، ويحرر مقدساتها ، ويعيد لها مجدها الضائع ، وحضارتها المسلوبة . خامسًا: لأن استقراء التاريخ أمر ضروري لتعرف الأمة كيف انتصر السلف؛ ليسير على طريقهم الخلف، سادسًا: لأن التفاؤل بالنصر أمر مطلوب، فمهما علت دولة الباطل فإنها ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة؛ فلا داعي لليأس، ولا حاجة إلى القنوط، بل العمل العمل، فنحن بحاجة إلى عطاء الأغنياء، وبذل العلماء، وجهاد الأتقياء، ومثابرة الدعاة، وعزائم الرجال. نعم، بحاجة إلى لمِّ الشمل، وشحذ الهمم، وتكاتف القوى، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، وحسن التوكل على الله سبحانه وتعالى .
أيها المسلمون
لم يكن صلاح الدين -رحمه الله- من الأصل العربي بل كان من عائلة كردية، كريمة الأصل، عظيمة الشرف، ولد في تكريت، وهي بلدة قديمة تقع بين بغداد والموصل، وكان أبوه حاكمًا لقلعة تكريت ،ثم هاجر نجم الدين أيوب من تكريت إلى الموصل ، وكان نزوله إلى الموصل عند عماد الدين زنكي، فأكرمه. نشأ الطفل صلاح الدين نشأة مباركة، درج فيها على العز، وتربى فيها على الفروسية، وتدرب فيها على السلاح، ونما فيها على حب الجهاد، فقرأ القرآن الكريم وحفظ الحديث الشريف، وتعلم من اللغة ما تعلم. كان صلاح الدين -رحمه الله- مفعمًا قلبه بحب الجهاد شغوفًا به، قد استولى على جوانحه وقد هجر من أجل ذلك أهله وولده وبلده، ولم يكن له ميل إلا إليه، ولا حب إلا لرجاله. لما طمع ملك بيت المقدس أموري الصليبي في دخول مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، يساعده ابن أخيه صلاح الدين، فلما علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه ، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، وقربه الخليفة الفاطمي، ثم لم يلبث أن عُيِّن وزيرًا بعد ذلك، ولم تستمر له الوزارة سوى شهرين، فاختار الخليفة ابن أخيه صلاح الدين وزيرًا خلفًا له. وكانت حياة صلاح الدين الأيوبي كلها جهادا، وكان يعود من غزو إلى غزو، ومن معركة إلى معركة، وكانت معركة حطين من معاركه التي كتبت له بأقلام من نور على صفحات من ذهب، وسطرت على جبين التاريخ شاهدة له بكل معاني الجهاد والتضحية. وكان من كلامه “كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين ، فصلاح الدين الأيوبي كانت له غاية وهدف لا يرضى بدونها بديلا إنها الجنة ، فقد رضي بها مقرًّا بدلاً عن الدنيا، وقدم لها المهر غاليًا
أيها المسلمون
بعد أن استطاع جيش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي ، تحقيق النصر المبين في معركة حطين ، كان صلاح الدين يرى أنه لا يتوجب عليه الهجوم على القدس ، بل أن عليه أن بعمل على تحرير كافة المدن الساحلية أولا ، ثم يقوم بالهجوم على القدس – ثم بدأ وقتها بتحرير عكا ، فذهب طالبا تسليمها ، ولكنهم رفضوا الاستسلام فدارت معركة عكا ،والتي انتهت بفوز المسلمين ، ومن ثم تم تحرير المسلمين الذين كانوا محتجزين فيها ، وتم الاستيلاء على الزخائر والأموال التي كانت في عكا . – بعد ذلك تم فتح نابلس والقيسارية وحيفا و الناصرة وصفورية ، والتي استطاع صلاح الدين أن يحقق بها نجاحات ساحقة ، ويلحق الصليبيين بخسائر فادحة ، حتى أن قل عددهم ، وبعد ذلك استقرت قواعد عكا ، واستطاع تقسيم أموالها وخيرها بين أهاليها – أبقى صلاح الدين في أسره عدد من الجنود الصليبيين ،وقام بنصب المجانيق ، وأغلق الحصار على المدينة بعدها تمكن من فتح بيروت – بعدها تابع لفتح سور وعسقلان وغيرها آملا في الوصول لبيت المقدس . – حين وصل صلاح الدين لبيت المقدس كان قد استطاع إضعاف قوة جيش الصليبيين ، حيث كانت المدينة بها عدد لا يتعدى 1400 جندي في حين كانوا فرسان الفرنجة الكبار ، قد غادروا المدينة بالفعل – كان خوف صلاح الدين الكبير يتجه نحو المسيحيين والمسلميين ، من سكان المدينة فقد كان يخاف أن يدفعوا هم ثمن الحرب . – بعدها قرر الزحف على المدينة ، وعسكر أمام أسوارها ثم قام بالطواف حول المدينة لمدة خمسة أيام . – تراشق الجانبين بالمجانيق و قاتل المسلمين حفاظا على دين الله ،وحماية للمستضعفين في المكان و كانوا يقاتلون بضراوة . – بعدها شعر الصليبيين بخطورة الموقف وبعدم قدرتهم على مواجهة المسلمين ،وقرروا االإستسلام وطلب الأمان . – حين عرض على صلاح الدين الأمر رفض هذا الإستسلام ، وكان رده أنه قد عرض السلام من قبل، وهنا إزداد موقف الصليبين في السوء وحاولوا إقناع صلاح الدين بالعفو . – وهنا تجلى موقف صلاح الدين الذي يشهد له التاريخ حتى الآن ، حيث قام بالسماح لهم بمغادرة المكان سلميا ودون قطرة دماء واحدة ، هذا فضلا عن أنه قام بتقسيم الغنائم على سكان بيت المقدس ، وأمن حياة أهل الكتاب الساكنين في المكان . وهكذا أكرم الله بيت المقدس بصلاح الدين كما أكرم صلاح الدين ببيت المقدس ففتحه في 27 رجب عام 583هـ، وقام القاضي محيي الدين بن زكي الدين ليخطب أول جمعة بعد قرابة مائة عام، وكان مما قال مخاطبًا صلاح الدين وجيشه: “فطوبى لكم من جيش! ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية، والعزمات الصديقية، والفتوحات العمرية،جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجزاكم الله عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( صلاح الدين الأيوبي وتحرير بيت المقدس )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والسؤال المهم هو : لماذا انتصر صلاح الدين الأيوبي؟ ، والاجابة : لقد نصره الله تبارك وتعالى لهذه الاسباب: فلم يكن صلاح الدين الأيوبي ممن يبحث عن ألقاب زائفة، أو دنيا زائلة، لكنه كان داعية حق، ورجل معركة، وصاحب عقيدة، ومن ثَم فلم يكن انتصاره صدفة واتته، أو حظًّا أدركه، وإنما كان قدر الله بعد الأخذ بالأسباب ، ومن هذه الأسباب : 1- تقوى الله والاحتراس من المعاصي: يقول واصفوه: إنه -رحمه الله- كان خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمع القرآن الكريم خشع قلبه ودمعت عينه، ناصرًا للتوحيد، قامعًا لأهل البدع، لا يؤخر صلاة ساعة عن ساعة، وكان إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خرَّ ساجدًا لله قائلاً: “إلهي! قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل”. ومن جميل ما ذكر عنه أنه كان يواظب على سماع الحديث، حتى سمع جزءًا من الحديث وهو واقف بين الصفين، وقال في ذلك “هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثًا”. 2- الاعداد الكامل والاهتمام البالغ بقضية التحرير: وقد بلغ من اهتمامه ألا يجعل لنفسه سكنًا، بل خيمة تضرب بها الرياح يمنة ويسرة، وقيل في وصفه: “كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال”. كما ظهر اهتمامه بصناعة الأسلحة، وبناء السفن، وعمل المفرقعات، وتركيب الألغام والمجانيق، وغيرها من أدوات القتال. 3- توحيد البلاد: وهذا ما صنعه صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- من يوم أن ولي وزارة مصر، وأسندت إليه سلطنتها، حيث رفض المذهب الشيعي، وأبطل الدعاء للخليفة الفاطمي وجعله للخليفة العباسي. 4- هدفه من القتال: لم يكن هدفه -رحمه الله- إعلاء صيته، أو تصيد الثناء من الناس، وإنما كان إعلاء كلمة الله. واسمع إليه حين يقول: “في نفسي أنه متى ما يسَّر الله تعالى فتح بقية الساحل، قسَّمتُ البلاد، وأوصيتُ، وودعت، وركبتُ هذا البحر إلى جزائره، أتبعهم فيها حتى لا أُبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت!”.
أيها المسلمون
ونأتي إلى الخاتمة ، إلى وفاة صلاح الدين الأيوبي: فقد مات صلاح الدين -رحمه الله- كما مات من سبقه من البشر من الأنبياء والمرسلين والدعاة والمصلحين، إذ مرض -رحمه الله- في 16 صفر 589هـ، ووافته المنية في 27 صفر 589هـ. ولئن كانت روحه قد فارقت جسده، وانتقل بجسده وروحه عن دنيا الناس، إلا أن أعماله الخالدة حيّة يذكره الناس بها في كل آنٍ، ويتطلع الناس إلى مثلها في كل مكان. والآن.. أليس الوضع هو الوضع والحال هو الحال؟! تالله ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه اليوم بالأمس! أمة ممزقة إلى أجزاء، ومجزأة إلى أوصال، ومتقطعة إلى دويلات، في كل دولة ودويلة حاكم وسلطان، وفي كل محلة راية وفي كل زاوية رأي وفقيه، مع اعتزاز كل ذي موقف بمكانه، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ،كل ذلك مع ضياع القدس وانتهاب فلسطين، وانتهاك الحرمات وهتك الأعراض، وقتل الأطفال، ودك البيوت. فهل للمسلمين من صلاحٍ جديد يصلح الدنيا بالدين، ويجدِّد للناس دينهم ؟! نسأل الله ذلك.
الدعاء