خطبة حول قوله تعالى (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ)
ديسمبر 7, 2019خطبة حول (أسباب تخلف المسلمين)
ديسمبر 11, 2019الخطبة الأولى ( الرَّحِمُ شِجْنَةٌ ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « الرَّحِمُ شِجْنَةٌ ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ » ، وروى الترمذي في سننه وصححه : (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « قَالَ اللَّهُ أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِى فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ »
إخوة الإسلام
إن من أهم مبادىْ الإسلام الاجتماعية ،تشبيك جماعات المسلمين في وحدة جسدية جماعية عامة، وأولى الناس بذلك هم الأقربون رحما ، فلهم حق أخوة الإسلام ، ولهم حق قرابة الرحم . وإن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين ،الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، بل إن ذلك جريمة ، وكبيرة من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21]، ففي الحديث المتقدم ، وفي آيات الكتاب الحكيم دليل على تعظيم أمر صلة الرحم، والعطف عليهم، وتفقد أحوالهم، وكل شخص بحسب ما يليق بحاله. قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة، فالعامة : رحم الدين. وتجب مواصلتها بالتوادد، والتناصح، والعدل، والإنصاف، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. وأما الرحم الخاصة: فتزيد النفقة على القريب، وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم، وإيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر ،بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارًا، أو فجارًا؛ فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسب تخلفهم عن الحق، ولا تسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب، أو يعودوا إلى الطريق المثلى
أيها المسلمون
وقد يصل البعض أقاربَه وأرحامَه إن وصلوه ، ويقطعهم إن قطعوه ، وهذا ليس بواصلٍ في الحقيقة ، فإن مقابلة الإحسان بالإحسان مكافأة ومجازاة للمعروف بمثله ، وهو أمر لا يختص به القريب وحده ، بل هو حاصل للقريب وغيره ، أما الواصل – حقيقةً – فهو الذي يصل قرابته لله ، سواء وصلوه أم قطعوه ، وفيه يقول – صلى الله عليه وسلم -: « لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِى إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا » رواه البخاري . ثم إن أفضل الوصل مقابلة الإساءة والعدوان بالبر والإحسان ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ « لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ».
أيها المسلمون
ولصلة الرحم فوائد عدة ، ومنافع كثيرة ، فمن فوائد صلة الرحم : أولا : أن صلة الرحم سبب لصلة الله ، وعونه وتوفيقه ورضاه ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهَا مَهْ . قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ . قَالَ أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ . قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ . قَالَ فَذَاكِ لَكِ »، ثانيا : أن صلة الرحم سبب لدخول الجنة ، ففي الصحيحين : (أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي سَفَرٍ. فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ – أَوْ يَا مُحَمَّدُ – أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ فَكَفَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ « لَقَدْ وُفِّقَ – أَوْ لَقَدْ هُدِىَ – قَالَ كَيْفَ قُلْتَ ». قَالَ فَأَعَادَ . فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، دَعِ النَّاقَةَ ». ثالثا : أن في صلة الرحم امتثال لأمر الله ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) الرعد 21. رابعا : أن صلة الرحم تدل على الأيمان بالله واليوم الآخر: فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ » رواه البخاري ،خامسا : أن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله: فقد سأل رجل من خثعم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم مه ؟ قال: ثم صلة الرحم، قال: ثم مه ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال : الإشراك بالله ، قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم قطيعة الرحم، قال: قلت يا رسول الله ثم مه ؟ قال : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) رواه أبو يعلى بإسناد جيد,
سادسا : أن الرحم تشهد للواصل بالوصل يوم القيامة عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم : ( وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها وعليه بقطيعة إن كان قطعها) رواه البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك ،سابعا : أن صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق ، ففي الصحيحين : قال (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » . ثامنا : أن صلة الرحم تعجل الثواب وقطيعتها تعجل العقاب, ففي سنن البيهقي وصححه الألباني : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللَّهُ فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاَقِعَ ». تاسعا : أن صلة الرحم تدفع ميتة السوء : ففي مسند أحمد : (عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » ، عاشرا : أن صلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل: فقد روى الترمذي وصححه الألباني :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ ». أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الرَّحِمُ شِجْنَةٌ ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان الإسلام قد رغبنا في صلة الرحم، وأمرنا بها ، فقد حذرنا أيضا ، ونهانا عن قطيعة الرحم ، فقطيعة الرحم ذنب عظيم ، يفصم الروابط بين الناس ، ويشيع العداوة والبغضاء ، ويفكك التماسك الأسري بين الأقارب ، ولأجل ذلك جاءت النصوص بالترهيب من الوقوع في هذا الذنب العظيم ، وأنه من أسباب حلول اللعنة وعمى البصر والبصيرة قال سبحانه : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} محمد (22) ،(23) ، وقطيعة الرحم من أسباب حرمان الجنة ، ورد الأعمال على صاحبها ، ففي الصحيحين : (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ ». قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِى قَاطِعَ رَحِمٍ. وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال : ” أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا ، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجة – أي مغلقة – دون قاطع الرحم ” . وقاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين ، فقد قال الله تعالى: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة:26-27.
أيها المسلمون
ومن أسباب قطيعة الرحم : الجهل , وضعف التقوى , والكبر , والانقطاع الطويل , والعتاب الشديد , والتكلف الزائد , وقلة الاهتمام , والشح والبخل , وتأخير قسمة الميراث , والشراكة بين الأقارب والاشتغال بالدنيا , والطلاق بين الأقارب , وبُعد المسافة ،والتكاسل عن الزيارة ،والتقارب في المساكن بين الأقارب ،وقلة تحمل الأقارب والصبر عليهم , ونسيان الأقارب في الولائم والمناسبات , والحسد , وكثرة المزاح ،والوشاية والإصغاء إليها , وسوء الخلق من بعض الزوجات وغير ذلك. ومن أهم مظاهر قطيعة الرحم ، وعدم صلتها في حياتنا : 1- عدم الصدقة على المحتاج من الأرحام, فبعض الأسر فيها أغنياء ومع ذلك تجد أن فيها فقراء محتاجين ربما تصلهم المساعدات من الأباعد. 2- عدم الإهداء إما بخلاً وإما اعتقاداً بأن الموصول ليس بحاجة ،وأنه ربما يفهمها خطأ بأن هذا ما أعطاه إلا لأنه رأى عليه آثار الحاجة, ومعلوم أن الهدية تجلب المودة وفي الحديث : « تَهَادَوْا تَحَابُّوا ». رواه البخاري في الأدب 3- عدم التزاور بين الأرحام فربما مضت الأيام والشهور والسنون ولم ير الأرحام بعضهم بعضاً. 4- عدم مشاركة الأرحام أفراحهم وأحزانهم.
الدعاء