خطبة عن (خلق الورع :معناه وفضائله وصوره)
مايو 5, 2018خطبة عن حديث (مَنْ كَانَ لَيِّنًا هَيِّنًا سَهْلاً حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)
مايو 5, 2018الخطبة الأولى (ضرب الأمثال في السيرة النبوية)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر 21 ،وقال الله تعالى: ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.) ابراهيم 25 ، ويقول سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) العنكبوت 43
إخوة الاسلام
ضرب الأمثال.. أسلوب تربويٌ بليغ التأثير،.. جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،.. وذلك ضمن الأساليب المؤثِّرة.. التي تقرب المعاني، وتوضح الأمور ، يحث المُرَبِّي والمعلِّم من خلالها النفوس والعقول على فعل الخير والبِر, ويدفعها إلى الخُلُق والفضيلة، ويحجزها عن الشر والمعصية، وضرب الأمثال أسلوب استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم وتربية أصحابه رضوان الله عليهم في أحداث ومواقف متعددة, لما يحمله من سرعة إيصال المعنى المراد، والذي من خلاله تغرس في النفس القيمة التربوية، ويستقر في العقل المعنى المطلوب, والأمثلة الدالة على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، وأذكر لكم منها: أولا : ضرب الأمثال الدنيا: ففي بعض المواقف كان يكفي النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد رداً مباشراً على تساؤلٍ أو استفسار وُجِّه إليه من أحد أصحابه، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه آثر في بعض المواقف ضرب المثل رداً على ذلك، ففي سنن الترمذي بسند صحيح ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً . فَقَالَ « مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ». وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ». فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ». قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ « فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ». ومع هذا المثل من النبي صلى الله عليه وسلم للدنيا فقد ربَّى وعلَّم أصحابه أن تكون نظرتهم للدنيا نظرة متوازنة، تَزْهد فيها دون أن تترك إعمارها، فليس الزهد وعدم التعلُّق بالدنيا داعياً إلى خرابها، بل يعمرها المسلم دون أن يُفْتَنَ بها، أو يحاول جمعها من حلال أو حرام، لذلك روى أحمد في مسنده وصححه الألباني: (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ » ، ثانيا : ضرب المثل بالأنبياء وخاتمهم سيد البشر ، وإمام المتقين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : فقد اصطفى الله من بين عباده خَلْقا هم أشرفهم حسباً ونسباً، وأرفعهم مقاماً وقدْراً، وأحسنهم خَلقاً وخُلُقاً، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أفضلهم وخاتمهم، قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب: 40)، وقد مَثَّل النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،وتعاقب إرسالهم إلى الناس ،بالبيت الذي أُسِّسَت قواعده، ورُفِع بنيانه, وقد اعتنى صاحبه عناية شديدة بعمارته ،وتزيينه ،حتى بلغ الغاية في الحسن والجمال, ولم يبق له إلا موضع حجر في زاوية به ،ليتم هذا البناء ويكتمل حسنه وجماله, فشبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وما بعث به من الرسالة الخاتمة, بهذا الحجر الذي اكتمل به هذا البنيان, ففي الصحيحين ، واللفظ لمسلم : (عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ« مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَوْلاَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ جِئْتُ فَخَتَمْتُ الأَنْبِيَاءَ ». قال ابن هبيرة: ” شبه (الأنبياء) صلى الله عليه وسلم ببناء دار بُنِيَت حتى لم يبق فيها إلى موضع لبنة، حتى إن تلك اللبنة إذا وُضِعَت لم يبق فيها محل لأن يُعمل فيها شيء، فكان خبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا مُشْعِرَاً أنه ختم الأنبياء كما ختمت تلك اللبنة ذلك البناء، فلم يبق بعده لبانٍ عمل، لأنه صلى الله عليه وسلم تمم البناء”. وقال ابن حجر: “وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام”.
ثالثا : ضرب الأمثال بوحدة المؤمنين ، وتوادهم وتراحمهم : ففي صحيح مسلم : (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». قال ابن الجوزي: “إنما جعل المؤمنين كجسد واحد لأن الإيمان يجمعهم كما يجمع الجسد الأعضاء، فلموضع اجتماع الأعضاء يتأذى الكل بتأذي البعض وكذلك أهل الإيمان، يتأذى بعضهم بتأذي البعض”. رابعا : ضرب الأمثال للصلاة وتكفيرها للمعاصي ، وتطهيرها للذنوب : فقد جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَفِى حَدِيثِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ». قَالُوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ « فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ». قال ابن العربي: “وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهرها بالماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب، حتى لا تبقي له ذنبا إلا أسقطته وكفرته”. وروى الطبراني في الصغير والأوسط وصححه الألباني (عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال تحترقون تحترقون فإذا صليتم الفجر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظون)
خامسا : ضرب المثل بفرح الله بتوبة عبده، ورجوعه إليه : فقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده المؤمن ـ فرحاً يليق بجلاله وكماله، ولا يشبه فرح المخلوقين ـ، وضرب المثل على ذلك بمثل رجل سار في صحراء مقفرة، شديدة الحر، ضاعت منه راحلته، وفيها متاعه وطعامه وشرابه، حتى استيأس فنام موقناً بالموت، فاستيقظ فوجد وسيلة سيره وسفره (راحلته) وفيها متاعه وطعامه وشرابه، ففرح لذلك فرحاً شديداً، فالله عز وجل أفرح بتوبة عبده المؤمن من هذا الرجل، فقد روى مسلم في صحيحه : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ». قال ابن حجر: “وقال القرطبي: هذا مثل قُصِدَ به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب، وأنه يقبل عليه بمغفرته، ويعامله معاملة من يفرح بعمله”. سادسا : ضرب المثل لقراءة القرآن وثوابها : ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ». قال النووي: “قوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) إلى آخره فيه: فضيلة حافظ القرآن، واستحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد”. وقال ابن عثيمين: “هذا الحديث ساقه المؤلف (النووي) رحمه الله في باب فضل قراءة القرآن في رياض الصالحين، في بيان أحوال الناس بالنسبة للقرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أمثلة للمؤمن والمنافق ..فالمؤمن الذي يقرأ القرآن كله خير في ذاته وفي غيره فهو كالأترجة، لها رائحة طيبة ذكية، وطعمها طيب، أما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن فهو كمثل التمرة طعمها حلو ولكن ليس لها رائحة ذكية كرائحة الأترجة”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (ضرب الأمثال في السيرة النبوية)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
سابعا : ضرب المثل للجليس الصالح والجليس السوء : فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لتأثير الرفقة والمجالسة في حياة الإنسان، ففي صحيح البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً » ، قال ابن حجر: “وفي الحديث النهي عن مُجالسة من يُتأذّى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مُجالسة من يُنتفع بمجالسته فيهما”. وقال ابن عثيمين: “يعني أن الإنسان يكون في الدين، وكذلك في الخُلُق على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير، صار منهم، وإن صاحب سواهم، صار مثلهم”. ثامنا : ضرب الأمثال للمعاصي والشهوات: فمن الأحاديث التي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فيها مثلاً للتحذير من المعاصي واتباع الشهوات ، ففي الصحيحين ، واللفظ لمسلم (حدث (أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا ». قال ابن هُبَيْرَة: “في هذا الحديث من الفقه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّى أعمال النار ناراً، لأنها تؤدي إليها .. فهو صلى الله عليه وسلم بشرعه ووصاياه يمسك بالحجز عن التهافت في أعمال النار المؤدية إلى النار، والآدميون يتهافتون عليها تهافت الفراش على النار اتباعًا لطباعهم التي تؤدي من ذلك إلى ما يتلفها”. وقال ابن بطال: “هذه أمثال ضربها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته لينبههم بها على استشعار الحذر، خوف التورط في محارم الله والوقوع في معاصيه، ومثَّل لهم ذلك بما عاينوه وشاهدوه من أمور الدنيا، ليقرب ذلك من أفهامهم، ويكون أبلغ في موعظتهم، فمثل صلى الله عليه وسلم اتباع الشهوات المؤدية إلى النار بوقوع الفراش في النار، لأن الفراش من شأنه اتباع ضوء النار حتى يقع فيها، فكذلك متبع شهوته يؤل به ذلك إلى العذاب، وشبه جهل راكب الشهوات بجهل الفراش، لأنها لا تظن أن النار تحرقها حتى تقتحم فيها”.
وهكذا يُعدّ ضرب الأمثال أسرع في التأثير، وأوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع، وهو أسلوب تربوي يؤدي دوراً عظيماً في الدعوة والتربية والتعليم، لما فيه من تقريب وتسهيل للمعاني البعيدة أو الغامضة، عن طريق عرض أمثالها وما يشابهها من المعاني المحسوسة والواضحة، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في قضايا مختلفة وفي مواطن متعددة، والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة الدالة على ذلك.وقال الله تعالى : (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (17) الرعد ،وقال الله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (43) العنكبوت
الدعاء