خطبة عن (سلامة الْقَلْب) مختصرة
أبريل 17, 2024خطبة عن قوله تعالى (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)
أبريل 20, 2024الخطبة الأولى (طرق الشيطان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (168)، (169) البقرة، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور: (21)
إخوة الإسلام
يُعتبر الشيطان هو العدو الأول والخفي والأشد ضراوة على بني آدم، فهو لا يفتأ يفسد أخلاق بني آدم، وعقائدهم، ويورث بينهم العداوة والبغضاء، لذلك، جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، تبين خطر هذا العدو، وسبل إضلاله وإفساده، حتى يحذره الناس، ويكونوا في مأمن من مكره وشره، ففي سنن النسائي وغيره: (عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ).
هذا وللشيطان طرقه التي يتعامل بها مع ضحاياه من بني آدم، فهو لا يهجم عليهم دفعة واحدة ، ليخرجهم من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، بل هو يتدرج للوصول إلى هدفه، وينظر إلى نقاط الضعف في الشخص، ويحاول أن يلج من خلالها، فمثلا: إن وجد فيه قوة في دينه، أتاه من جانب المباحات، وحرّضه على الإكثار منها، ليضيّع عليه بعض المستحبات، ثم لا يزال به حتى يتهاون بالسنن، وهكذا، حتى يتهاون في الواجبات، وإن وجد في الشخص غلوا وميلا نحو التطرف في جانب من جوانب الدين، حبب إليه البدع والمحدثات، ثم لا يزال به حتى يجعل منه حامياً، لها مدافعاً عنها، بل وركنا من أركانها، وإن وجد في الشخص تهاونا في الواجبات، وانهماكاً في المحرمات، فتلك الغنيمة الباردة، حيث لا يزال يحثه على التفلت من الفرائض، ويحرّضه على الإكثار من فعل الحرام، حتى يصبح عديم الدين والخلق. ولا يكتفي الشيطان بإضلال العباد فحسب، بل يتبع إضلاله تزينناً لباطله، فلا يدع ضحاياه فريسة لتأنيب الضمير، وأسرى لتقريع المواعظ، وإنما يحاول أن يبقيهم في سلام داخلي مع أنفسهم، بأن يزين لهم أعمالهم، قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}ْ (43) الأنعام، وقال تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) (24) النمل، وقال تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (38) العنكبوت
وأسلحة الشيطان في ذلك كله لا تخرج عن “الوسوسة” وهي حديث النفس، والكلام الخفي الذي لا يُسمع، فالشيطان يوسوس في صدور الناس، ويأمرهم بالمنكر، وينهاهم عن المعروف، قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (1): (6) الناس، وقال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) إبراهيم: (22) ،وقال تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (120)، (121) طه، ورغم افتقاد إبليس للسلاح المادي في الإضلال والاغواء، إلا أنه قد أغوى أكثر الخلق، ويساعده في ذلك موافقة هوى النفس وشهواتها لما يدعو إليه، فيجتمع على العبد نفسه وشيطانه فلا يقف أمامهما إلا خالص المؤمنين،
أيها المسلمون
وللشيطان في اغواء بني آدم وسائل وطرق متعددة، فمن طرق الشيطان في اغواء الانسان: التزيين: قال تعالى: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63) النحل، والتزيين الذي يعمد إليه الشيطان لإغواء الإنسان نوعان: الأول: تزيين القبيح. والثاني: تقبيح الحسن. فإذا رأى الشيطان الإنسان قد وقع في معصية، زيَّنها له، وحسَّنها، وذلك بإظهار منافعها، وإخفاء مغباتها وحسراتها، وكذلك تحسينه للأفكار الباطلة، والأهواء المخلة، وإيجاد المسوِّغات لها، وقذفها في القلوب المريضة، ومن ذلك تزيين الاستغاثة بالأموات ودعائهم والذبح لهم والنذر لهم وتعظيمهم، وكذلك تزيين التعبُّد بما لم يأذن به الله، قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) البقرة: 268،
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: «التضليل»، قال تعالى: “إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ” [النساء:117-119]. والإضلال الذي ينتهجه الشيطان على مراتب: الأولى: الدعوة إلى الشرك والكفر: وهذا النوع هو أحطِّ أنواع الإضلال وأخبثها وأخطرها، فإذا ظفر به الشيطان من الإنسان فقد ظفر بكلِّ مراده، وحظي بغاية إضلاله وإغوائه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (48) النساء، فيعمد الشيطان إلى تشكيك بني آدم في توحيد الله تعالى؛ فإذا يئس عمد إلى تعظيم قبور الصالحين واتخاذ الأصنام والأزلام وسائط مع الله، المرتبة الثانية من مراتب الاضلال: الدعوة إلى البدعة: فإذا كان الكفر سببًا لحبوط الأعمال، فإنَّ البدعة سبب في ردِّها، وعدم قبولها، ففي الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ »، المرتبة الثالثة: التحريض على الكبائر والفواحش: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (90) المائدة ،فارتكاب الفاحشة أهون على ابليس من الابتداع في الدين، ولذلك فالشيطان لا يحرص على هذا الأسلوب إلاَّ إذا فشل في امتحان المسلم في البدع والضلالات،
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: التلبيس: وهو اختلاط الأمر، وإظهار الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، كما قال في الحديث المتقدم: (تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ)،
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: التسويف: وقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، لكي نسد هذا المدخل على الشيطان ولا نلجأ للتسويف، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ»، وفي المستدرك للحاكم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا».
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: التيئيس: ومن تلبيس الشيطان على العبد أن يصور له أنه مطرود من رحمة الله، وأن الله تعالى لن يغفر له، وقد قال سبحانه: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) {الأنفال: 38}
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: الأماني وحصائد الغرور: قال تعالى: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُوراً} [النساء:120]. وقال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) (20): (22) الاعرف
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: الافراط والتفريط، والخروج عن حد الاعتدال: يقول بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط أو تقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي إبليس بأيهما ظفر. والاسلام أمرنا بالاعتدال، فقال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (29) الاسراء
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: نشر الإشاعات الكاذبة، والأخبار المحبطة، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (83) النساء،
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (طرق الشيطان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: الغفلة والنسيان للصد عن ذكر الله: قال تعالى: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (68) الانعام، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الاعراف: (201)، فمن أعظم مقاصد الشيطان أن يضرب الغفلة على قلوب العباد، حتى يسهل السيطرة عليها بعد ذلك، فإن ذكر الله أعظم طارد للشيطان،
ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: إضلال العلماء: وهذا من مما يحرص عليه الشيطان؛ لأن إضلال العالِم إضلال لأتباعه، وقد ذكر الله خبر عالم آثر هواه على طاعة مولاه فتمكن الشيطان منه واستولى عليه فكان من زمرة جنده، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الأعراف: (175)، ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: التبذير والإسراف: وهما مسلكان في الإنفاق يدعو إليهما الشيطان لأنهما إما إنفاق في الفساد، وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات، فيعطل الإنفاق في الخير، وكل ذلك يرضي الشيطان، فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وإخوانه ، قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء:27)، ومن طرق الشيطان في اغواء الانسان: تنزل الشياطين على الكهنة والعرافين: فهناك ثمة اتفاق بين الشياطين والكهنة والعرافين، وهذا الاتفاق يقضي بأن يزود الشياطين الكهان بما يسترقونه من أخبار الغيب، ويقوم الكهان والعرافون باستعمال هذه الأخبار في إفساد العباد وتضليلهم، بأن يزيدوا على خبر الصدق أضعافا مضاعفة من الكذب والدجل؛ لذلك حذر الله منهم، وبين حقيقة أمرهم، قال تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) (221): (223) الشعراء، وفي الصحيحين: (قَالَتْ عَائِشَةُ سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَيْسُوا بِشَيْءٍ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ». وفي مسند أحمد: (عَن أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»،
فاحذر أيها المسلم طاعة الشيطان، واتباع خطواته، من الأمر بالسوء، وإشاعة الفحشاء والأمر بالمنكر، والكذب على الله، قال تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} البقرة: (169)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} النور: 21،
الدعاء