خطبة عن حديث ( إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ )
فبراير 13, 2017خطبة عن ( اسم الله ( الحَمِيد )
فبراير 15, 2017الخطبة الأولى (طريق الحق واحد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الانعام ،وروى الإمام أحمد وصححه الألباني: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ – ثُمَّ قَالَ – هَذِهِ سُبُلٌ – قَالَ يَزِيدُ – مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ :(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) (153) الانعام. وروى الإمام أحمد وصححه الألباني : (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَىي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِى مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ».
إخوة الإسلام
إن الطريق الموصل إلى الله هو طريق واحد ، وهو ما بعث به رسله ، وأنزل به كتبه ، ولا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق ،واستفتحوا من كل باب، فالطرق عليهم مسدودة ،والأبواب عليهم مغلقة ،إلا من هذا الطريق الواحد ،فإنه متصل بالله ، وموصل إلى الله. والملاحظ في قوله تعالى :(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ) (153) الانعام. أنه جمع السُبل المنهي عن اتباعها ،لبيان تشعُّب طرق الضلال وكثرتها وسعتها ، وأفرد سبيل الهدى والحق ،لوحدته وعدم تعدده. فطريق الحق واحد، وهو صراط الله المستقيم ،الذي أمرنا الله باتباعه، والصراط: هو الإسلام المتمثل في الكتاب والسُنة الصحيحة ،فمن تمسك بهما فقد هُدي إلى صراط الله المستقيم. فإنَّ الطريق الوحيـد الموصل إلى الله تعالى، هو: اتباع السُّنَّة قولاً وفعلاً وعزمًا وعقدًا ونية؛ لأن الله تعالى يقول :{.. وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ..} [النور: 54] ، وأن تكون أكثر امتثالاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتتأسى به في أقواله وأفعاله وأخلاقه، وأن تعلم علم اليقين ،أن ما كان عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الحقُّ المبين.
ففي سنن الترمذي بسند صحيح يقول صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ».
وعلى هذا ، فإذا حاول الإنسان بفهمه ،وبتدبير عقله ،أن يفعل ما لم يكن عليه الصدر الأول العظيم ،فإنما يعرج في طرقات وأودية المهالك، ولذلك اشتد نكير السلف الصالح على من يزيد في الدين، ويوغل فيه برأيه ،بعد التمام والكمال، فلا نامت أعين أهل البدع الذين يريدونها هلاكًا وضياعًا؛ وذلك لأن الدين مبناه على الاتباع لا الاختراع، والرأي في الغالب مذموم؛ لأن كثيرًا من أمور الدين لا يهتدي إليها العقل بمفرده ،ولا سيما أن العقول تتفاوت في إدراكاتها، فكان فهم السلف للنصوص أسلم وأعلم وأحكم كما قال الله: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137]. وطريق الحق أيضا قريب ويسع الجميع ، وليس بعيدا أو ضيقا ، فوصفه بالاستقامة يتضمن قربه؛ لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل بين نقطتين ،وكلما تعوج طال وبَعُد ،وليست العبرة فيه بمن سَبَق، إنما العبرة بمن صَدَق ،وحصَّل الثمرات المرجوة من سيره في الطريـق إلى الله سبحانه وتعالى ..فمن يدخل الطريق بصدق وإخلاص ،تجده موفقًا، فيقطع الطريق بسهولة ،ويُرْزَق حُسن الخاتمة ،بالرغم من عدم مرور وقت طويل على سلوكه طريق الهداية والالتزام .. وقد يكون آخر مرت عليه سنوات في الطريق ،وطلب العلم على يد الكثيــر ، لكنه مازال متعلقاً برواسب الجاهلية التي تُثْقِلُه ،وتجعله لا يستطيع استشعار الطمأنينة وحلاوة الإيمان. والسائر في الطريق إلى الله يلزمه أن يستعين بالله ، فإنك لن تُهدى إلى طريق الله عزَّ وجلَّ ،ولن تتمكن من السير عليه، إلا إذا استعنت بالله تعالى وحده .. أما إذا ركنت على نفسك ولو للحظة، وظننت أنه بإمكانك الاستعانة بقدراتك، وإمكانياتك، دون الاستعانة بحول الله وقوته ،فقد ضللت سواء السبيـل. فالمقصود الأسمى هو الله جلَّ وعلا، ولا ينبغي أن يكون في القلب عبودية لسواه .. وكثيرٌ من الناس يلتفتون عن الطريق، ويعيشون الوهم والخديعة الكبرى ويحسبـــون أنهم مهتدون!! .. وذلك لأنه قد تكون في قلوبهم عبودية للمال أو الجــاه أو حب الدنيــا وملذاتها الفانية.
أيها المسلمون
ويتلخَّص الطريق إلى اتبــاع السُّنَّة والتمسك بها في خمسة أمور وهي : 1) مجانبة البدع .. وهنا ينبغي معرفة البدعة وحدودها؛ حتى يتم اجتنابها، دون إفراط أو تفريط. ، 2) اتباع ما اجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام ..
3) التباعد عن مجالس الكلام وأهله ..فتبتعد أقصى ما يكون عن أهل الزيغ والأهواء؛ لأن أي شبهة بسيطة منهم قد تلوِّث قلبك ويصْعُب عليك إزالتها ،فاعرف الحق، والزم أهله . 4) لزوم طريقة الاقتداء .. وبذلك اُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123]
ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء بالنبي ، يضل من حيث أنه مهتدٍ،، واعلم أيها السائر في طريق الحق ، أن الطريــق واضح أبــلج فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدْ إِلَيْنَا قَالَ « قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ ». رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني، فما عرفت من السُّنَّة التزم به وسيكفيك، والله الهادي إلى سواء السبيــل،، يقول أبو بكر الطمستاني ” الطَّرِيقُ وَاضِحٌ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَمَنْ صَحِبَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَعَزَفَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخَلْقِ وَالدُّنْيَا وَهَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصِيبُ الْمُتَّبِعُ لِآثَارِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ سُمُّوا السَّابِقِينَ لِمُفَارَقَتِهِمُ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ الْمُخَالِفِينَ وَتَرَكُوا الْأَوْطَانَ وَالْإِخْوَانَ، وَهَاجَرُوا وَآثَرُوا الْغُرْبَةَ وَالْهِجْرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَالرَّخَاءَ وَالسَّعَةَ وَكَانُوا غُرَبَاءَ فَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ وَاخْتَارَ اخْتِيَارَهُمْ كَانَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ تَبَعًا” [حلية الأولياء]
أيها المسلمون
وإن من أعظم أسباب الضلال عن طريق الحق : الكبـــائر والذنـــوب العظام ..يقول الحافظ ابن رجب “وعلى جنبتي الصِّراط يمنة ويَسرة سوران، وهما حدودُ الله، وكما أنَّ السُّورَ يمنع من كان داخله مِن تعدِّيه ومجاوزته، فكذلك الإسلامُ يمنع من دخله من الخُروج عن حدوده ومجاوزتها، وليس وراءَ ما حدَّ الله من المأذونِ فيه إلاَّ ما نهى عنه؛ ولهذا مدح سبحانه وتعالى الحافظينَ لحدوده، وذمَّ من لا يعرف حدَّ الحلال من الحرام” (جامع العلوم والحكم) ، فاحذر أيها الموحد من تجاوز حدود الله ومحارمه،، وقد يسأل سائل : كيـــف يمكن تأسيـــس الإيمان اللازم للسير على الطريق؟ ،ونستلهم الإجابة من كتاب الله ، من القرآن الكريم ،قال تعالى {.. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة108: 110] فوضحت لنا الآيــات خمسة أسس ينبغي أن تؤسس عليها إيمانك، وهي : 1) تطهير القلب وتخليته من رواسب الجاهلية .. 2) التقوى والرضوان .. 3) اليقين والثقة في موعود الله عزَّ وجلَّ .. 4) التوبــــة النصوح .. {.. إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ..}
5) البذل والتضحيـــة .{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ..} [التوبة: 111]
أما عن صفات السائريــــن على طريق الحقَّ : فللسائرين على طريق الحقِّ صفات تميزهم عن غيرهم، قد وصفها الله في قوله تعالى {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112] … 1) التوبـــة .. 2) العبــادة .. وتشمل كل ما يحبه الله ويرضاه ،من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، من علمٍ وعمل. 3) شكر النعمة .. ولن يمتثل الإنسان لأمر الشرع، إلا إذا تأمل نِعَم الله تعالى عليه ، وشكره عليها .. كما بيَّن الله تعالى { كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (*) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس23: 24]… 4) مجاهدة النفس وطلب العلم .. 5) المحافظة على الفروض والإكثار من النوافل ..
6) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. 7) المحافظة على حدود الله .. باتبـــاع أوامره واجتنـــاب نواهيه.
أيها المسلمون
واعلم أيها السائر في طريق الحق، أن الطريــق مليء بالعوائـــق، ولابد فيه من البـذل والتضحيـــة ..فإيــــاك أن تظن أنه بمجرد التزامك بأوامر الشرع واجتناب نواهيه، أنك قد عرفت طريق الهداية ،وأنك ستجد الحيـــاة بعدها ميسورة ،وستعيش في رخاء ، فقد سأل رجل الشافعيَّ فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل :أن يمكَّن ،أو يُبتلَى؟، فقال الشافعي: لا يمكَّن حتى يُبتلَى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنَهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّهَ. [الفوائد] ، أما وقد عرفت أن الطريق إلى الله واحد، وهو واضحٌ وميَّسَر ..فاستقِم عليه ولا تتلوَّن ، دخل أبو مسعود على حذيفة، فقال ” اعهد إلي “، فقال “ألم يأتك اليقين؟” .. قال “بلى، وعزة ربي ” ..قال “فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإيــــاك والتلون في دين الله تعالى، فإن دين الله واحد”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (طريق الحق واحد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكثيرا ما نسمع ونرى في هذا الزمان من يقول : الطريق ليس واحدا ، ولا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، والحق نسبي، ويوجد عند كل طائفة جزء من الحق، وبهذا نلتقي! فهؤلاء يريدون إشاعة الباطل ، وإشاعة البدع، وإشاعة الانحرافات وإشاعة المعاصي، ولا بد لهم من مدخل على الناس توطئة وتمهيدا، فما هي التوطئة والتمهيد المناسبة لقضية إحداث الالتباس وخلط الأمور، وجعل الملل الكفرية تدخل على الناس من كل ناحية؟، وتكون مقبولة غير محاربة ولا مرفوضة؟ ، المدخل الشيطاني أن تروج فكرة : وهي قولهم أنه لا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، والحق المطلق لا يملكه كل أحد، والحق قضية نسبية، فما يكون عندك مقبولاً ، يكون عند غيرك مرفوضاً، وما يكون عند غيرك مرفوضاً ، يكون عندك مقبولاً، وهكذا .. وعلى هذا يستنتج قائلهم : لا يمكن أن نقول: إن المسلمين عندهم كل الحق، فالنصارى عندهم جزء من الحق، واليهود عندهم جزء من الحق، ولا يمكن أن نقول: إن أهل السنة عندهم كل الحق، فالقدرية عندهم جزء من الحق، والجبرية عندهم جزء من الحق، والجهمية عندهم جزء من الحق، والأشاعرة عندهم جزء من الحق، وأهل الرفض عندهم جزء من الحق، فلا تحتكر الحق، ومن أنت حتى تحتكر الحق؟ وتدعي أن العالم كله على خطأ! وهكذا يبدأ تمهيد الطريق لدخول الكفر والبدع بأنواعها، وهذه الفكرة ابتدعها السفسطائيون من اليونان في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد .. ولذلك قال علماؤنا في هذا المذهب: أوله سفسطة وآخره زندقة؛ لأنه يجعل الشيء ونقيضه مقبولاً واحداً، ويخير الناس بين كل المذاهب وكل الأفكار، وكل الطرق وكل الأديان، ويؤدي في النهاية إلى قضية وحدة الأديان .أو إلى قضية اجتماع الأديان، والرضا بكل الأديان والرضا بكل الطوائف، والرضا بكل الفرق، وقد قال أحد ملاحدة العرب معبراً عن هذه المدرسة: لقد صار قلبي قابلاً كل صورة وبيت لأوثان وكعبة طائـف أدين بدين الحب أنَّى توجهت فمرعى لغزلان ودير لرهبان وألواح توراة ومصحف قرآن ركائبه فالحب ديني وإيمـاني …. ولذلك لا مانع عند هؤلاء أن يجتمع كل الناس من جميع الملل والنحل والفرق والأديان، ويؤلفوا شيئاً جديداً ومذهباً موحدا اسمه الإنسانية، ونحن نقول لمثل هؤلاء : إن طريق الحق طريق واحد ، وهو الإسلام ، وأهله في الجنة، والباطل شعب وسبل وملل ونحل متفرقة ، وأهلها في النار، وخير شاهد وختام كتاب الله قال تعالى : (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) الشورى (15) ، وقال تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (19) الانعام ، قال تعالى : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) (28) هود ،وقال تعالى : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (55): (56) القصص
الدعاء