خطبة عن (ظل عرش الرحمن)
يناير 12, 2019خطبة عن قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)
يناير 12, 2019الخطبة الأولى (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »
إخوة الإسلام
في يوم القيامة ، يوم البعث والنشور ، يساق الناس إلى أرض المحشر ، ويحشرون جميعا للعرض على الله وهم حفاة عراة ، إنه موقف : {… يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل17] ، ويمتد زمانه على الناس خمسين ألف سنة في انتظار ساعة الحساب، ففي الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قَالَ : « يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ »، كما جاء في صحيح المستدرك للحاكم :(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة ثم لا ينظر الله إليكم”. ومع هول هذا الموقف ؛ فإن الحر يشتد يومئذ ، لدنو الشمس منهم ،ويتصبب منهم العرق ، فيغرقهم كل يحسب ما اجترح من السيئات ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده (عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَجُزَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ – وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَلْجَمَهَا فَاهُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُشِيرُ هَكَذَا – وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ ». فما أحوج الناس إلى الظل في ذلك اليوم ، يوم لا ظل إلا ظل عرش الرحمن ـ سبحانه وتعالى ـ ويفوز بهذا الظل عموم المؤمنين ، كل بحسب عمله الصالح ؛ إلا أن هناك أصنافا من المؤمنين ،اتصفوا بأوصاف ، وتخلقوا بأخلاق ، وعملوا أعمالا ، يخصهم الله ـ تعالى في هذا اليوم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ، فهم في ظل والناس في حر وعرق ، وهم آمنون والناس في هم وكرب وخوف شديد ، وهم على منابر من نور ، والخلائق جاثية على الركب
أيها المسلمون
فمن هؤلاء الفائزون المستظلون بعرش الرحمن ؟ ، ففي الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ..،) ، فالإمام العادل بين رعيته ، والرحيم بهم ، والمشفق عليهم ، ويعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يتعب نفسه ليرتاحوا ، ويسهر ليله ليهدأوا ويناموا ، هو ممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم القامة . ثم يقول صلى الله عليه وسلم : ( وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ..،) فالشباب المتعبدون لربهم ، المطيعون لمولاهم ، الذين نشأوا في عبادة الله ، وأفنوا أعمارهم في طاعته ورضاه ، فاستحقوا أن يكونوا ممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ..،) ، فهم رجال أحبوا المساجد وألفوها ، وتعلقت قلوبهم بها ، وانتظروا الصلاة بعد الصلاة ، ففي المساجد راحتهم ، وبذكر الله والصلاة تطمئن قلوبهم ، وتحل مشاكلهم، لا تشغلهم تجارة مهما توسعت ولا مال مهما كثر ، قال الله تعالى : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (36) ،(37) [النور].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم يقول صلى الله عليه وسلم : ( وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ) ، فهم أناس تحابوا في الله ، وتزاوروا في الله ، وتجالسوا في الله ، وفي مسند أحمد (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْفَعُهُ إِلَى الرَبِّ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : « حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ » ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي ». ويقول صلى الله عليه وسلم : ( وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ .. ) ، فهذا رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ؛ وقد توفرت له كل أسباب إجابتها لما دعته، وانتفت عنه كل موانع إجابة دعوتها ، ولم يعلم أحد سواهما بما دار بينهما إلا الله ، فاستعصم بالله من إغوائها ،وإغواء شهوة الشباب ،وسيطر على نفسه وشهوته ،ولم تسيطر عليه ،ولذا استحق وصف الرجولة واستحق ظل الله له يوم لا ظل إلا ظله ، ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء