خطبة عن حديث (شَفَاعَتِي لِمَنْ لاَ يُشْرَكُ بِاللَّهِ شَيْئاً مِنْ أُمَّتِي)
نوفمبر 12, 2023خطبة عن حديث (عَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ)
نوفمبر 12, 2023الخطبة الأولى (عاقبة المترفين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (16) الإسراء، وقال تعالى: ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) (القصص: 58) . وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (23): (25) الزخرف
إخوة الإسلام
المترفون: هم المتنعمون في الملاذ، المتوسعون في النعم، بغير طاعة الله تعالى، والترف يؤدي إلى الفساد المالي، والأخلاقي، والاجتماعي، وليس الترَف مجرّد الغنى والقدرة على الحصول على ملذّات الحياة المادّية، وإنّما ينشأ الترفُ عندما يتحوّل الغنى إلى حالة مُسَيطِرة على مشاعر الإنسان، وعندما يمتزج بمشاعر استكباريّة، لا ترى فيما حولها، ومن حولها، إلا أدوات لتحقيق مصالحها، فعندئذٍ يُصبح الغنى حالة طغيانٍ وعدوانٍ، يستتبعُ مواجهة كلِّ من يقفُ في وجهها، من أنبياء ومُصلحين وغيرهم.
وسُنة الله تعالى، أنه إذا قدّر لقرية هلاكا، فإنها تأخذ بأسباب الهلاك، فيعم الفسق والشر، فتحق عليهم السنة الإلهية، وينزل بهم الدمار، بما كسبت أيديهم، ويصيبهم العذاب؛ لأن الأمة حينئذ رضيت، فلم تأخذ على أيدي المترفين، بل تركتهم يمارسون شهواتهم المردية، وأهوائهم المضلة، فأدى هذا الفسق إلى الدمار والبوار.
ولم يذكر الترف في كتاب الله تعالى إلا في موضع الذم، فقد ذكر القرآن أن المترفين كانوا أول من كفر بدعوات الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (سـبأ:34ـ35). وقال تعالى: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) (المؤمنون : 33)، وقد بينت النصوص إجرام المترفين، قال تعالى: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ) (هود: 116)،
فالترف يؤدي حتماً إلى فساد المجتمع وهلاكه، ووجود الترف في أي مجتمع معناه سقوطه وتصدعه، وتوالي نزول المصائب والكوارث عليه حتى ينتهي وتندثر حضارته، والمترف يوجه طاقاته واهتماماته وأمواله وأوقاته في أمور تنسيه شكر المنعم عليه سبحانه وتعالى وتجعله متعلقاً بسفاسف الأمور ولو كان على حساب الدين والقيم والأخلاق، فمن أهم الآثار المدمرة للترف: تبديد الأموال العامة والثروات، وارتكاب المحرمات، وعبودية الشهوات، والتكاسل عن العبادات والتسويف وطول الأمل ونسيان الآخرة، والتعالي على الناس والسخرية منهم، قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ )” الأنبياء:11 – 15 “. فالمترف لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يدعو إلى فضيلة ولا يبني وطناً ولا يقف في وجه ظالم، والمترفون لا يشعرون بحاجات الآخرين من حولهم من الفقراء والمحتاجين بل ينظرون إلى مصالحهم الشخصية فقط ، وينظرون إلى قضايا الفقراء والمحتاجين بسخرية وازدراء .
أيها المسلمون
وقد أخبرنا الله تعالى عن بعض قصص المترفين في كتابه الكريم، وكيف صنع بهم، ليكونوا عبرةً وعظةً، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن هؤلاء: صاحب الجنتين: قال تعالى: ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 34 – 37]. فهذا المترف، لما رأى جنته، وما فيها من الزروع والثمار والأشجار، والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها، ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ، ولا تهلك ولا تتلف، وذلك لقلة عقله وضعف يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة، فكانت عاقبة هذا المترف المتكبر: أن دمّر الله تعالى عليه جنته من حيث لا يحتسب. قال تعالى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾ [الكهف: 42].
ومن نماذج المترفين الوارد ذكرهم في القرآن الكريم: قارون: وما كانت فتنة قارون وكفره إلا بسبب ثرائه وترفه الشديد، حتى دعاه هذا الغنى إلى أن ينسب الفضل إلى نفسه حين قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي). قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ *وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 76، 77]. فكان اغترار قارون سببا في هلاكه كما قصه الله عز وجل: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 79 – 82]. وهذا الهلاك والعقاب ليس مختصاً بالأفراد كصاحب الجنتين وقارون بل هو عام شامل للأمم إذا أبطرتها النعم، قال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 58]. وقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
ومن نماذج المترفين الوارد ذكرهم في القرآن الكريم: العاص بن وائل: قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ﴾ [مريم: 77 – 80]. وفي الصحيحين: (عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ – قَالَ – فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي لَنْ أَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا) إِلَى قَوْلِهِ (وَيَأْتِينَا فَرْدًا)، وهكذا كان غناه وثراؤه في الدنيا سببا في عتوه وكفره وطغيانه، حتى مات إلى جهنم وبئس القرار.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عاقبة المترفين )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن نماذج المترفين الوارد ذكرهم في القرآن الكريم: قبيلة سبأ: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 – 17].
ففي أرض اليمن، عاش رجل يقال له سبأ، وكان سيداً فيها, وتتبع له الكثير من القبائل، وكانوا يعيشون في نعم عظيمة, وأرزاق واسعة، وثمار وزروع, وكانوا على الاستقامة والسداد وطريق الحق. ولما كانت المياه في زمانهم تجري من بين جبلين عظيمين، فقد أمر سبأ بإنشاء سد بين الجبلين، حتى يرتفع الماء إلى أعلى الجبل, وسمي (سد مأرب)، وغرسوا البساتين والأشجار المثمرة على جانبي السد، فكانت بساتينهم ومزارعهم كالجنان، وكانوا في عيش رغيد، وأيام طيبة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)، فلما عبدوا غير الله، وبطروا نعمته، سُلبوا تلك النعمة العظيمة، بتخريب البلاد، والشتات على وجوه العباد، قال الله تعالى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ)، فسقط السد وانهار، فسلك الماء القرار، فقطعت تلك الجداول والأنهار، وانقطعت تلك الثمار، وبادت تلك الزروع والأشجار، وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والثمار. َوهكذا عاقب الله تعالى هؤلاء المترفين ممن كفر به، وكذب رسله، وخالف أمره، وانتهك محارمه بهذه العقوبة الشديدة. قال الله تعالى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (16): (19) سبأ
الدعاء