خطبة عن (كَلِمَاتٌ مِنْ نُور)
ديسمبر 10, 2025الخطبة الأولى (عامِل الناس بما تحب أن يعاملوك به)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح مسلم: (عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: (عن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ..»،
وروى النسائي في سننه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ).
إخوة الإسلام
هذا الهدي النبوي الشريف، يحمل بعض الوصايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وجائزة من يعمل بها: (أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ)،
وسوف أقف معكم قليلا (متدبرا ومتأملا) مع قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ). فالمقصود: أن يؤدي المسلم إلى الناس، ويفعل بهم، ما يُحبّ أن يُفعَل به، ويعاملهم بمثل ما يحب أن يُعامل، وأن يجيء إلى الناس بحقوقهم: من النصح والنيّة الحسنة؛ بمثل الذي يُحب أن يُجاء إليه به،
وفي مثل هذا المعنى: قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وهو يوافق العبارة المشهورة: (عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به)، فالحديث يبين لنا: أن من أهم مقاصد المسلم: (النجاة من النار، ودخول الجنة)؛ ولذا، فإنه يتعين عليه السعي في تحصيل كل ما يحقق له هذه الغاية العظيمة، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وأجملها في أمرين عظيمين: أولهما: (الإحسان في التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى)؛ وذلك بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، والعمل بمقتضى هذا الإيمان)،
وثانيهما: (الإحسان في التعامل مع الخَلْق)؛ بأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وهذه قاعدة مهمة في التعامل بين الناس، وينبغي الاعتناء بها،
فهذه القاعدة النبوية تدعوك إلى التعامل مع الناس كما تحب أن يتعاملوا به معك، في جميع التعاملات، وكل الأحوال، فضَعْ نفسك في أي موقف، ثم انظر ماذا تحب أن يُفعَل معك، فافعله مع غيرك في الموقف نفسه، ولو عمل الناس بهذه القاعدة الجليلة، لم يؤذِ بعضهم بعضًا بغشٍّ أو كذب أو غير ذلك، ولم تتعطل مصالحهم الدينية ولا الدنيوية،
كما دل هذا الحديث: أن من أسباب دخول الجنة: حسن الخُلق، وإشاعة المحبة والألفة بين المسلمين؛ وذلك بوضع هذه القاعدة العظيمة في التعامل، فمن أتى للناس ما يحب أن يفعلوه معه، لم يعاملهم إلا بالمحبة وحسن الخُلق، وقَالَ النَّوَوِيّ: (هَذَا من جَوَامِع كَلمه صلى الله عليه وسلم، وبدائع حكمه، فالْإِنْسَان يلْتَزم أَلَا يفعل مَعَ النَّاس إِلَّا مَا يحب أَن يفعلوه مَعَه)
أيها المسلمون
واعلموا أن درجة الاحسان هي من أعلى درجات الإيمان: وهي ألا تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به فحسب؛ وإنما ترتقي في تعاملك معهم، فتعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله جل جلاله به، فالذي تريده من الله عز وجل، افعله للناس، كي يمنحك الله إيَّاه، وإليكم بعض الأمثلة:
هي تريدُ أن يعطيك الله من فضله؟، فأنفق في وجوه الخير، يُنفق اللهُ عليك؛ ففي الصحيحين: (أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، فهذا وعد من الله عز وجل، بِالْخُلْفِ، لمن أنفق في وجوه الخير؛ وقال عز وجل: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ:39].
وهل تريد أن يرحمكَ الله عز وجل؟، فارحم الناس، ولا تَشُقَّ عليهم؛ ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)، وأما إذا قصدت إدخال الضرر عليهم بلا حقٍّ، وشققت عليهم، فسيشقق الله عليك، فالجزاء من جنس العمل؛ ففي سنن ابن ماجه: (قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ)، فالذي ستعامل به الناس، سيعاملك الله به، ولا يظلم ربُّك أحدًا.
وإذا مرَّت عليك أزمةٌ ومشكلةٌ، وتريد أن تنكشف عنك، فيسِّر على مُعسِر؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ) رواه مسلم.
وإذا أردت أن يسترك الله، ولا يفضَح عيبك، فاستُر على الناس، ولا تتَّبِع عوراتهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ) رواه مسلم، وأما مَن تتبَّع عورات الناس، كما يحدث من بعض الناس في تصوير أخطاء الآخرين دون علمهم، ثم يقومون بنشرها عبر الإنترنت ليشاهدها العامة، فهو نوع من تتبُّع العورات، وعاقبة ذلك وخيمة؛ ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ»
وهل تريد من رب العالمين أن يعفوَ عنك، ويصفحَ، ويتجاوزَ عن ذنوبك؟، فاعفُ أنت عن الناس إذا أخطأوا؛ قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:22]، وقصة ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ؛ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ، فلما تكلَّم مسطح مع مَنْ تكلم في حادثة الإفك؛ قال أبو بكر: وَاللَّهِ، لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:22]، قال أبو بكر: بلى وَاللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فرجع إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَنْزِعُها مِنْهُ أَبَدًا.
وإذا أردت العون من الله عز وجل، فأعنْ مسلمًا على حوائجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم؛ هكذا يتعامل الله معنا بحسب تعامُلنا مع الناس.
وهل تريد أن يرد الله عن وجهك النار يوم القيامة؟، فرد عن أخيك الغيبة، حين يغتابه الناس وأنت بينهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه الترمذي.
وهل تريد أن ينصرك الله في الدنيا والآخرة؟، فانصر أخاك بظهر الغيب، ودافع عنه؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَصَرَ أَخَاهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». رواه البيهقي، وروى جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ وَأَبو طَلْحةَ بْن سَهْلٍ الأَنْصَارِي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَهُ) رواه أحمد وأبو داود.
وهل تريد أن يثبت الله قدمك على الصراط، حين تزل الأقدام؟، فامشِ في حاجة أخيك، حتى تثبتها له، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام) رواه ابن أبي الدنيا.
وهل تريد أن يحبَّك الله عز وجل؟، فأحبَّ عباد الله الصالحين، ورافقهم وزُرْهم، وأحسِن صحبتهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) رواه أحمد.
وهل تريد أن يفسحَ الله لك، ويوسعَ لك في الجنة؟، فافسح لغيرك المجلس، حين يريد الجلوس؛ قال لله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة:11]؛
فعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله عز وجل به، ولا شك أنك تريد من الله الرحمة، والعون والنصرة، والستر، والعطاء، والنجاة من النار، فإذا أردت كل ذلك، فحسِّن أخلاقك ومعاملتك مع الناس، تدرك حاجتك بإذن الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية (عامِل الناس بما تحب أن يعاملوك به)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن ديننا العظيم جاء ليقيم للناس ميزان العدل والإحسان، ويجعل العلاقات بين أفراد المجتمع علاقات رحمة، وبرّ، وعدل، وفضل، ومن أعظم القواعد الجامعة التي أرساها الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه البخاري. فهذه ليست مجرد كلمات، بل منهج حياة، وأساس في التعامل، وميزان دقيق، يحاسب به الإنسان نفسه قبل أن يحاسب غيره.
فعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، هي قاعدة تجمع الدين كله، فلو عمل بها الناس لاستراحت القلوب، وسكنت النفوس، وانتهت الخصومات، ولعاش المجتمع في صفاء ومحبة ورحمة. فإذا أحببت أن يعاملك الناس بالصدق، فكن أنت صادقاً. وإن أحببت أن يعاملوك بالإحسان، فكن محسنا، وإن أحببت أن يعاملوك بالعفو، فاعفُ عن الناس، وإن كرهت أن يغتابك أحد ، فلا تغتب أحداً. وإن كرهت أن يُخدعك أحد، فلا تخدع أحداً. وإن كرهت أن يُسيء إليك أحد ، فلا تُسِئ أنت إلى أحد.
ومن الملاحظ أن كثيرا من الناس يشكون من سوء معاملة الآخرين لهم، ويغفل أكثرهم عن سؤال أهم: كيف أتعامل أنا مع الآخرين؟، فالناس مرايا، وما تبذله يعود إليك، وما تزرعه في غيرك تجده بين يديك، شئت أم أبيت. وقد أشار القرآن إلى هذا الأصل العظيم حين قال سبحانه: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن (60)، وقوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة:83، فمن أراد أن يلقى من الناس وجهاً طيباً، فلينظر أين يضع وجهه هو من معاملاتهم.
أيها المؤمنون
وأمتنا اليوم بحاجة ماسة إلى إحياء هذه القاعدة، وبين أيدينا شباب وأجيال تحتاج أن ترى الإيمان واقعاً، لا مجرد شعارات. فابتسامتك صدقة، وحسن الخلق أثقل شيء في الميزان. وكفى بهذه القاعدة شرفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها شرطاً في كمال الإيمان. فمن أراد الجنة… فلينظر كيف يعامل الناس. ومن أراد السلامة… فلينظر كيف يكف الأذى عن الناس. واعلموا أن هذه الحياة قصيرة، وأن الأيام معدودة، ولن يبقى بين يدي العبد يوم يلقى الله إلا عملٌ صالح، وخلق حسن، وسيرة طيبة.
الدعاء
