خطبة عن حديث (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)
أكتوبر 20, 2018خطبة عن حديث (هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟)
أكتوبر 20, 2018الخطبة الأولى : عدم اليأس والقنوط ( وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (87) يوسف ، وقال الله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } (2) ،(3) الطلاق
إخوة الإسلام
مهما بلغ الكرب ، واشتد الأمر ، وضاقت السبل ، وانقطعت الأسباب ، ونفذت الحيل ، فلا (تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) ، ولا تقنطوا من رحمة الله ،(وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (56) الحجر ، فإن لك ربا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فقدرته فوق الأسباب ، وفرجه يأتي من حيث لا تحتسب ، وأمره بين الكاف والنون ، يقول للشيء كن فيكون ، وهو سبحانه يجبر كسر المؤمنين، ويسد خلل المتوكلين ، فلا يأس مع الإيمان، وإنما اليأس سمة من سمات الكافرين. قال الفخر الرازي وهو يبيِّن علاقة الكفر باليأس في لمحة رائعة لم يسبقه إليها غيره: “واعلم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بكريم، بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر، ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا” ،ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى: “والذي ييأس في الضرّ من عون الله يفقد كل نافذة مضيئة، وكل نسمة رخيّة، وكل رجاء في الفرج، ويستبدّ به الضيق، ويثقل على صدره الكرب، فيزيد هذا كله من وقع الكرب والبلاء.. ألا إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلاّ بالرجاء في نصر الله، ولا سبيل إلى الفرج إلاّ بالتوجّه إلى الله، ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضرّ والكفاح للخلاص إلاّ بالاستعانة بالله، وكل يائسة لا ثمرة لها، ولا نتيجة إلاّ زيادة للكرب ومضاعفة الشعور به”. فالمؤمن له صلابةٌ إيمانية تصد عنه أحداث الحياة؛ فالحياة كلها أكدار، وثباتها على حال من المحال، والدهر أيام، يوم لك، ويوم عليك، واليأس والقنوط سبب من أسباب فساد قلب العبد، وفتور همته ، وضعف عزيمته ، وقلة ثباته . وجاء في الأثر: “لا كَرْبَ وأنت رَبُّ”. فما عزَّ عليك بقانون الأرض، فاطلبه بقانون السماء، وما دام المؤمن قد أخذ بالأسباب وتوكَّل على الله؛ فليثق أن الله يمِدُّه بما هو فوق الأسباب. {إنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون } [يوسف: 87]. إنه خبر الوحي على لسان النبي المعصوم؛ فإياكم أن تحتار عقولكم فيه؛ وترتاب قلوبكم حوله، فالعقول لها سقف معلوم لا تتجاوزه، وقد لا تعقل ما وراءه، وأما صنائع الله ففوق مُدْركات العقول، فإياكم أن تستغربوها بعقولكم فتجزعوا، وأن تُكذِّبوها بقلوبكم فتيأسوا. وما يَعِزُّ عليكم بقانونكم فالجأوا فيه إلى الله. وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) رواه أبو داود. كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه رضي الله عنهم على التفاؤل وعدم اليأس والقنوط ، فيروي ابن هشام في سيرته أن عدي بن حاتم لمّا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل إسلامه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: “لعلك يا عديّ إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من الدخول أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فُتحت عليهم، قال عدي: فأسلمت”.
أيها المسلمون
ومن الآثار المترتبة على اليأس : ترك العمل ،وانقطاع السير ،وتوقف السعي ،والاستسلام للفشل، ورفع الراية البيضاء، وفتح بوابة الفشل والخذلان، إذ لا فائدة من المواصلة بزعمه. قال ابن حجر الهيتمي: “القانط آيِسٌ من نفع الأعمال، ومن لازم ذلك تركها” . وحالة اليأس : تُخرج القلب عن سكينته وأنسه إلى انزعاج وقلق وهمٍّ ، يفتِّت الأكباد ويورث السُّهاد، ويقلب الشاب كهلا كبيرا. ومن الآثار المترتبة على اليأس : أنه يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب : فانتشاره فيمن حولك انتشار النار في الهشيم, وخاصة لو كنت قائدا أو رمزا يركن الناس إليه عند الملمات، وقد فطن إلى هذا سلفنا السابقون ، فكانوا ينتقون ويختارون القادة الأفذاذ لجنود الجيش، ممن لا يعرف اليأس إلى قلوبهم سبيلا، وأوردوا ذلك في كتب الفقه ودوَّنوه، وأوصوا به حرصا على سلامة الجيش وطلبا لانتصاره. قال ابن قدامة في وصاياه لأمير الحرب: “ولا يَسْتَصْحِبُ الأمير معه مُخذِّلًا، وهو الَّذي يُثَبِّطُ النَّاس عن الغزو، ويُزهِّدُهُم في الخروج إليه والقتال والجهاد، مثل أن يقول: الحرُّ أو البرد شديدٌ، والمشقَّةُ شديدةٌ، وولا تُؤمَن هزيمة هذا الجيش، وأشباه هذا، ولا مُرْجِفا، وهو الَّذي يقول: هَلَكَتْ راية المسلمين، ومالَهم مددٌ، ولا طاقة لهم بالكُفَّار، والكُفَّار لهم قُوَّةٌ، ومددٌ، وصبْرٌ، ولا يثبتُ لهم أحدٌ، ونحو هذا” ، ومن الآثار المترتبة على اليأس : أنه يوقع العبد في براثن ظن السوء بربه، : فمن ظنَّ بأن الله لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيِّده ويؤيِّد حزبه، ويُعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالا لا يقوم بعده أبدا، فقد ظن بالله ظن السوء . وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء، ومن الآثار المترتبة على اليأس : أن اليأْس والقنوط من صفات الكافر والضال: قال الله تعالى: (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) [الحجر: 56]. وقال الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. ومن الآثار المترتبة على اليأس : أن اليأْس والقنوط فيه تكذيب لله ولرسوله: قال ابن عطية: (اليأْس من رحمة الله، وتفريجه من صفة الكافرين. إذ فيه إمَّا التكذيب بالربوبية، وإمَّا الجهل بصفات الله تعالى) وقال القرطبي: (اليأْس من رحمة الله،.. فيه تكذيب القرآن، إذ يقول وقوله الحق: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [الأعراف: 156] ، ومن الآثار المترتبة على اليأس : أن اليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى: فـ(الخوف المتوقع في اليأس: إساءة أدب على رحمة الله، التي سبقت غضبه، وجهل بها) ،ومن الآثار المترتبة على اليأس : أن اليأْس سبب في الوقوع في الكفر والهلاك والضلال: قال القاسمي، في قوله تعالى : (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ) [الإسراء: 83] ،قال : هذه إشارة إلى السبب في وقوع هؤلاء الضالين في أودية الضلال. وهو حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وكفران نعمه تعالى. بالإعراض عن شكرها، والجزع واليأْس من الفرج عند مسِّ شر قضى عليه)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : عدم اليأس والقنوط ( وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الآثار المترتبة على اليأس : الفتور والكسل عن فعل الطاعات والغفلة عن ذكر الله: قال ابن حجر الهيتمي: (القانط آيس من نفع الأعمال، ومن لازم ذلك تركها) ، قال فخر الدين الرازي في قوله تعالى : (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) (83) الاسراء ، أي: إذا مسه فقر أو مرض أو نازلة من النوازل كان يؤوسًا شديد اليأْس من رحمة الله، إن فاز بالنعمة والدولة اغتر بها فنسي ذكر الله، وإن بقي في الحرمان عن الدنيا استولى عليه الأسف والحزن ولم يتفرغ لذكر الله تعالى، فهذا المسكين محروم أبدًا عن ذكر الله) ، ومن الآثار المترتبة على اليأس : الاستمرار في الذنوب والمعاصي، قال أبو قلابة: ( الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت ليس لي توبة. فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87] ،ومن الآثار المترتبة على اليأس :أنه سبب في الحرمان من رحمة الله ومغفرته: قال المباركفوري : (إن اعتقد أو ظن الإنسان أن الله لا يقبلها- أعماله – وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأْس من رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِّل إلى ما ظنَّ، وفي مسند أحمد 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي إِنْ ظَنَّ بِي خَيْراً فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ». ومن الآثار المترتبة على اليأس : سبب لفساد القلب: قال ابن القيم وهو يعدد الكبائر: (الكبائر:.. القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله..، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن) ،ومن الآثار المترتبة على اليأس :ذهاب سكينة القلب والشعور الدائم بالحرمان والحزن والهم: فـــ (اليأْس من روح الله والقنوط من رحمته؛ يؤدي إلى ترك العمل، إذ لا فائدة منه بزعمه، وهذه طامة كبرى، وكبيرة من كبائر الذنوب، تُخرج القلب عن سكينته وأنسه، إلى انزعاجه وقلقه وهمه) ، وقال الشوكاني: (إذا مسه- الإنسان – الشر من مرض، أو فقر، كان يؤوسًا شديد اليأْس من رحمة الله، وإن فاز بالمطلوب الدنيوي، وظفر بالمقصود نسي المعبود، وإن فاته شيء من ذلك استولى عليه الأسف، وغلب عليه القنوط، وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة) ،ومن المعلوم أن الظن بالله ظن السوء هو من صفات المنافقين ، قال الله تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (6) الفتح ،
أيها المسلمون
ومنبع اليأس من رحمة الله ،أن العبد يجعل قوة الله العليا مساوية لقوة الخلق، فإذا ضاقت به الدنيا وتكاثرت عليه الخطوب أصابه اليأس، لأنه قلبه لم يؤمن حق الإيمان بالقدرة الإلهية، وغفل عن قوة الله وبطشه وسلطانه، فوقع فريسة لهذه الأوهام ، ولكن المؤمن لا يعرف اليأس ولا القنوط، لأنه يؤمن أن له ربا عزيزا قادرا ، وله غاية عظمى ،وهدفًا ساميًا، ألا وهو رضا الله والجنة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا). [النساء: 104]. فلا يأس مع الإيمان ، ولا كرب وأنت رب ، ونختم بما بدأنا ، قال الله تعالى : (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (87) يوسف
الدعاء