خطبة عن (صلاة النافلة )
نوفمبر 6, 2022خطبة عن ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ يُؤْمِنُونَ)
نوفمبر 6, 2022الخطبة الأولى ( عندما يصبح الهَوَى إِلَهَا؟ )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) (43) الفرقان
إخوة الإسلام
المقصود بالهوى: هو ما يهواه الانسان ويُحبه ويتمناه، والناس في ذلك قسمان:
قسم يهوى الخير ويميل إلى الحلال والمباح ويتمناه، وهم أهل الإيمان، فهم يحبون الخير وترى هواهم وميولهم موافقا للشرع والدين ،وقدوتنا في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ .. أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ» رواه الترمذي، وفي سنن النسائي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُبِّبَ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ ».
والقسم الآخر يهوى الشر، ويميل إلى المحرم، ويجد لذته وسعادته في فعل المعاصي، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) رواه البخاري، وليس هذا فحسب، بل إنه أطاع هواه، حتى أصبح هواه إلها يعبد من دون الله، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (43) الفرقان لقد تمكن حب الهوى في قلب أحدهم حتى أصبح يستجيب لهواه ولا يستجيب لأمر الله، وهذا هو المقصود بعبادة الهوى ،فكل من أطاع هواه، وعصى الاله، فقد عبده من دون الله، ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ « يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ». وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ « أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ»، وفي رواية للبيهقي: (قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ :«أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ». فالأحبار والرُّهبان كانوا إذا أحَلُّوا شيئًا استحَلَّه أتباعُهم، وإذا حرَّموا شيئًا امتَنَع عنه أتباعُهم، فمن معاني العبادة الطاعة، وكأنَّهم بذلك اتَّخَذوا أحبارَهم ورُهبانَهم آلهةً مِن دونِ اللهِ، يُحِلُّون لهم، ويُحرِّمونَ عليهم.. فهذا يعني أن عبادة الهوى لا تعني أن يسجد لهواه أو يصوم له أو يحج إليه، ولكن طاعة الهوى في معصية الله، واتباع الأهواء فيما نهى الله عنه وحرمه هي عبادة له، وفي مسند أحمد وحسنه الألباني: (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلاَّتِ الْهَوَى» ، وصور مضلات الهوى في مجتمعاتنا كثيرة ومتعددة ، فخذ مثلا: فمن يجمع المال الحرام بالغش، أو بالنصب والاحتيال، أو بالظلم والاستيلاء على حقوق الآخرين، أو بالرشاوى، أو بالربا ،وغيرها من صور جمع المال الحرام ،فهذا يعبد المال، ويعبد هواه من دون الله، لأن امتلاك المال المحرم مقدم عنده على طاعة الله تعالى، فأصبح المال إلهه ومعبوده المطاع، وأصبح جمع المال هدفه وغايته، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هناك أناسا أصبحوا للمال ،عبيدا للدرهم والدينار، ففي صحيح البخاري: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ..)، فلما كان جمع المال الحرام مقدما على طاعة الله، أصبح المرء عبدا للدينار والدرهم، فتراه لا يستجيب لموعظة، ولا يستمع لنصيحة، ولا يهتم في جمع المال أمن الحلال أم من الحرام ، وفي صحيح البخاري: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ » .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عندما يصبح الهَوَى إِلَهَا؟ )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور اتخاذ الهوى إلها: إصدار البعض للفتاوى بما يخالف الشرع والدين، ففي فتاويهم يحلون الحرام، ويحرمون الحلال، وينكرون المعروف، ويستحسنون المنكر، وما ذلك، إلا من أجل منصب دنيوي، أو مال حرام، أو شهرة وسمعة، وفي سنن الدارمي: (عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ: هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الإِسْلاَمَ؟ قَالَ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمُ الأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ). وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ” من خرج عن الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يُجعل من أهل الأهواء” ،وكل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم)، قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 19] ، فالشريعة معلومة، وكان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شيء من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، فالذين يطعنون في عقوبات الإسلام وحدود الله ، ويصفونها بالرجعية والتخلف والهمجية، ويستبدلون شريعة الله وقوانينه بقوانين البشر الوضعية هم من أهل الأهواء ،فعلى المسلم أن يحذر منهم ،ولا يستمع إليهم، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) }.الجاثية ،
ومن صور اتخاذ الهوى إلها: الحكم بالهوى بين المتخاصمين، قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (26) ص ، ومن صور اتخاذ الهوى إلها: عدم العدل بين الأبناء في العطاء، وكذلك منع البنات من الميراث، وعدم تمكينهن من مستحقاتهن، وكذلك ترك المرأة معلقة، لا هي مطلقة ولا هي متزوجة، وغيرها وغيرها من صور الظلم والجور على حقوق الآخرين،
ألا فإني أحذركم ونفسي من عبادة الهوى وطاعته في معصية الله، وكونوا لله طائعين.
الدعاء