خطبة عن ( الإحسان للآخرين ،وصوره وثمراته)
ديسمبر 3, 2020خطبة عن فتنة الدنيا وقوله تعالى ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )
ديسمبر 5, 2020الخطبة الأولى ( عند الشدائد تُعرف الإخوان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»
إخوة الإسلام
من الأمثال العربية المشهورة : ( عند الشدائد تُعرف الإخوان ) ، وهذا المثل ، وتلك المقولة يصدقها الواقع ، وتؤكدها الأحداث ، فحينما يتعرض الانسان لشدة ، وتمر به أزمة ، أو تفاجئه كارثة ، يتخلى عنه كثير ممن كان حوله ، ولا يقف بجانبه إلا الإخوان الصادقون في ودهم ، المحتسبون عند الله أخوتهم ، فهذا نبي الله أيوب ( عليه السلام ) لما أصيب بالبلاء ، وداهمه المرض ، وفقد المال والأهل والولد ، تفرق عنه الزوار ،والجلساء والأصدقاء والخلان ، ولم يقف بجانبه في محنته إلا الخلص من الإخوان ، ففي صحيح ابن حبان : (إن أيوب نبي الله صلى الله عليه وسلم لبث في بلائه ثمان عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه ، كانا من أخص إخوانه ، كانا يغدوان إليه ويروحان ،فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ، ما أذنبه أحد من العالمين ، قال له صاحبه : وذاك؟ ،قال : منذ ثمان عشرة سنة ، لم يرحمه الله ، فيكشف ما به .فلما راح إليه ، لم يصبر الرجل ، حتى ذكر ذلك له ،فقال أيوب : لا أدري ما تقول ، غير أن الله يعلم ، أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله ،فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما ، كراهية أن يذكر الله إلا في حق)
وانظروا ماذا فعلت هذه الأخوة الصادقة في الله ، بين هذين الصحابيين الجليلين ، ففي صحيح البخاري : (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ – رضى الله عنه – : لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ : إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً ، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي ، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا ، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا . قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ ، قَالَ سُوقُ قَيْنُقَاعَ . قَالَ فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ – قَالَ – ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تَزَوَّجْتَ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « وَمَنْ » . قَالَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ « كَمْ سُقْتَ » .قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ .فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ »
ومما أثر عن السلف الصالح وهم ينصحون بالأخوة الصادقة ، ما جاء عَنِ الْخَطَّابِ بْنِ الْمُعَلَّى الْمَخْزُومِيِّ ، أَنَّهُ وَعَظَ ابْنَهُ , فَقَالَ : ” إِيَّاكَ وَإِخْوَانَ السُّوءِ فَإِنَّهُمْ يَخُونُونَ مَنْ رَافَقَهُمْ , وَيَخْرُفُونَ مَنْ صَادَقَهُمْ , وَقُرْبُهُمْ أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ , وَرَفْضُهُمْ مِنِ اسْتِكْمَالِ الأَدَبَ , وَالْمَرْءُ يُعْرَفُ بِقَرِينِهِ . قَالَ : وَالإِخْوَانُ اثْنَانِ فَمُحَافِظٌ عَلَيْكَ عِنْدَ الْبَلاءِ ،وَصِدِيقٌ لَكَ فِي الرَّخَاءِ , فَاحْفَظْ صَدِيقَ الْبَلِيَّةِ ، وَتَجَنَّبْ صَدِيقَ الْعَافِيَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَعْدَى الأَعْدَاءِ ” , وَفِي هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ : وَكُلُّ خَلِيلٍ بِالْهُوَيْنَا مُلاطِفٌ وَلَكِنَّمَا الإِخْوَانُ عِنْدَ النَّوَائِبِ وَلآخَرَ : أَرَى النَّاسَ إِخْوَانَ الرَّخَاءِ وَإِنَّمَا أَخُوكَ الَّذِي آخَاكَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ . ومن أقوال أمير المؤمنين الامام علي (رضي الله عنه) :
وَلا خَيرَ في وُدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ
جَوادٌ إِذا استَغنَيتَ عَن أَخذِ مالِهِ وَعِندَ احتِمالِ الفَقرِ عَنكَ بَخيلُ
فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم وَلَكِنهُم في النائِباتِ قَليلُ
أيها المسلمون
ويُحْكى ، أنّ رجلاً ميسور الحال ، كان له ابنٌ فتى ، كثير اللهو واللعب ، لا يعمل ، بل يقضي معظم أوقاته مع رفاق له، في مثل سنه ، وكانوا يقضون الساعات الطوال في اللعب واللهو ، وتناول الطعام في بيت والد ذلك الفتى . وكان والد الفتى يتذمر من كثرة هؤلاء الأصدقاء ، الذين لا منفعة ترجى منهم ،ومن كثرتهم ، فهم لا يعملون ، وإنما يضيعون وقتهم سدى ، وكان ينصح ابنه بتركهم والابتعاد عنهم . وكان يقول لابنه : إن رفاقك هؤلاء هم رفاق سوء ، ولا ينفعوك بشربة ماء ، ولن تجد أحداً منهم لو احتجت إليه في ساعة شدة ، وما صداقتهم لك إلا من أجل وضعك المادي الحسن ، ولو كنت فقيراً معدماً لما رأيت أحداً منهم .وكان الابن يلوم والده ويقول له : إنكم معشر الآباء ، لا تثقون بنا ، ولا يعجبكم أي تصرّفٍ نقوم به ، وتقيسون الناس بالمقاس الذي تريدونه . فخلِّي بيني وبين أصحابي ، فأنا أعرفهم أكثر منك ، وبيني وبينهم مودّة وعشرة طويلة ، وصداقة حميمة ، وأنا متأكد من صدق كلّ واحد منهم . سكت الأب على مضض ، ولم يقتنع بما سمعه من ابنه ، وتركه مع أصحابه في لهوهم ولعبهم ، إلى أن حدث ذات يوم ما قلب تلك الأمور رأساً على عقب . ذلك ما نستكمله بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عند الشدائد تعرف الإخوان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل أحداث القصة : ففي ليلة مظلمة ، طرق الأب باب حجرة ابنه ،وقـال له بصوت خافـت ، لقد قتلت رجلاً يا ابني ، وأحسبه لصاً ، دخل ليسرق من البيت ، وقد لففته في كيس وغطيته بغطاء ، وأريد منك أن تذهب ، وتدعو بعض أصحابك ، وتأخذوا ذلك القتيل ، وتدفنوه في مكان بعيد .وذهل الابن لما يسمع من أبيه ، ولكنه سار فزعاً إلى أقرب صديق له ،وقرع عليه الباب ،وأخبره بصوت خافت عما فعل أبوه ، وطلب منه أن يأتي معه ليدفنا ذلك القتيل ، قبل أن يدركهما الصباح .ولكن صديقه رده قائلاً : من يفعل جريمة يتحمل نتائجها وعواقبها لوحده ، ولن أكون شريكاً في دفن تلك الجثة ، فاذهب وابحث لك عن صديق آخر من بين أصدقائك ، فأنا لن أذهب معك .فقال له ابن الرجل : إذن لا تخبر أحداً عما سمعت مني ، وسار من عنده إلى صديق آخر ،فسمع منه مثلما سمع من الأول ، ثم صار يذهب لأصدقائه واحداً تلو الآخر ، فيجد عندهم ما وجد عند الذين قبلهم .فعاد إلى أبيه خائباً ، كاسف البال ، يكسو وجهه الخوف والخجل ، فقال له أبوه : لا عليك يا بني ، اذهب الآن إلى الرجل الفلاني ، فهو صديقي الوحيد، وأخبره بما حدث ،واطلب منه أن يأتي معك ، لدفن تلك الجثة .فذهب الفتى لصديق والده ،وطرق عليه الباب ، فخرج ،وإذا به شيخ تكسوه الهيبة والوقار ، فأخبره بصوت خافت ما جرى لأبيه في ليلته هذه ، وطلب منه أن يذهب معه لمواراة تلك الجثة ، قبل أن يدركهم الصباح .لم يسأل الرجل عن التفاصيل ، بل لبس حذاءه ، وسار مع الفتى حتى وصل إلى بيت صديقه ، وهناك رأى جثة مغطاة ،فحملها مع ابن الرجل ،وسارا في جنح الظلام ،حتى وصلا إلى جهة منزوية في حقل الرجل ،وهناك حفرا لها حفرة غير عميقة ، وغطياها بالتراب ، ثم عادا أدراجهما ، وعاد الرجل إلى بيته ، وكأن شيئاً لم يحدث .وفي الصباح ، كان أصحاب الفتى قد نشروا الخبر في القرية ، بأن الرجل الفلاني قتل رجلاً ، ودفنه في جنح الظلام ، فالتمّ الناس بين مصدّق ومكذّب، يستفسرون عن الأمر ، وجاء أقرباء الرجل ، يستوضحون منه صحة ما وصل إلى أسماعهم ، ولما كثر السائلون ، عندها قال الرجل لابنه : اذهب وادعُ أصدقاءك ، وادعُ صديقي ، وتعالوا في الحال ، فجاء صديق الرجل وجاء القليل من أصحاب الفتى ، فقال لابنه ولصديقه ، اذهبا واحضرا تلك الجثة التي دفنتماها ، فغابا برهة ثم عادا بهـا .فرفع الرجل عنها الغطاء على مشهد من الجميع ، وإذا به كبش كبير مذبوح ومسلوخ ، فقال لصديقه وأقربائه ، يمكنكم الآن تقطيع هذا الكبش وطبخه ، وإعداد طعام لكم منه ، وأضاف قائلاً : إنما أردت أن أُري ابني من هو الصديق الحقيقي .وبعد أن تأكد الابن ، بأن أصدقاءه كانوا رفاق سوء ، يعينون على الفساد والرذيلة ، ولم يجد أحداً منهم في محنته ،بل تخلوا عنه جميعاً ، كفّ عن ملاقاتهم ومصاحبتهم ، وطرد بعضهم ،وأصبح يستمع لنصح أبيه ، ويعمل معه في حقله وأعماله . ولم يعد يعاشر رفاق السوء ، بعد أن تعلم درساً عملياً في الحياة ، عرف من خلاله من هو الصديق الحقيقي ، ومن هو رفيق السوء ، وتمثل بالمثل الذي يقول : ” عند الشدائد تُعرف الإخوان ” .
الدعاء