خطبة عن: عيد الأضحى (إطعام الطعام)
يونيو 8, 2024خطبة عن (ماذا بعد الحج؟) 2
يونيو 18, 2024الخطبة الأولى (عيد الأضحى والثقة بالله)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
اليوم يوم عيد الأضحى المبارك ، الذي شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِنَفْرَحَ فِيهِ بِعَوَائِدِ الإِحْسَانِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَزِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ ورفع الدرجات ، إِنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ، يَوْمُ الْحَمْدِ وَالنِّعْمَةِ، يوم الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ، يوم السَّعَادَةِ وَالْبَسْمَةِ، يَوْمٌ تُعْطَى فِيهِ الْهَدَايَا، وَتُسْتَعْظَمُ فِيهِ الْوَصَايَا فعِيدُنَا أَخْلاَقٌ وَقِيَمٌ، وَصِدْقٌ فِي الْمَشَاعِرِ، وَإِخْلاَصٌ فِي الْمَوَدَّةِ، تَتَعَانَقُ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَتَتَصَافَحُ فيه الأَيْدِي، إِنَّهُ يَوْمُ البِرِّ والْإحسان ، يوم صلة الأرحام ، والتوسعة على الأهل ، وعيادة المرضى ، والشفقة على اليتامى والأرامل والمساكين ، يأتي عيد الأضحى كل عام فيذكرنا بمواقف الخليل إبراهيم عليه السلام ، ومن أهم المواقف الإيمانية في حياة نبي الله إبراهيم عليه السلام (الثقة بالله)، فالثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه في جلب المنافع ،ودفع المضار، وحصول الأرزاق ، وحصول النصر على الأعداء، وشفاء الأمراض ، كل ذلك من صفات المؤمنين، ومن مواقف الثقة بالله تعالى عند الخليل إبراهيم : حينما أسكن زوجه هاجر ،وولده إسماعيل بواد غير ذي زرع بمكة ، حيث لا جليس ولا أنيس ، ولا زرع ولا ضرع ، ولا ماء ولا طعام ، فوضعهما هنالك ،ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ ، وسقاءً فيه ماء ، ثمَّ قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أمُّ إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ،أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ؟ ، قالت له ذلك مرارًا ،وجعل إبراهيم لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا؟ ، قال: نعم ، قالت : إذن لا يضيّعنا ، هذه هي الثقة بالله (إذن لا يضيّعنا) ، فصدقت فيما قالت ، فقد نبع الماء من تحت أقدام الرضيع ، وأرسل الله تعالى إليها من الأعراب من يؤنس وحدتها ، ويطعمها ويسقيها ، ويتربى معهم وليدها . ومن مواقف الثقة بالله في حياة الخليل إبراهيم : قوله : ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 78].. فهو يقول : إن الذي أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم؛ فهو أعلم بأحوالي وتكويني ، ووظائفي ومشاعري، وحالي ومآلي : ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ يهديني طريقي الذي أسلكه، وإلى نهجي الذي أسير عليه ، إنه الاستسلام المطلق في طمأنينة وراحة وثقة ويقين. ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 79، 80].. ومن أجل و أروع صور الثقة في حياة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام- الثقة بأمر الله تعالى، فهو يثق ثقة تامة ، بأن االله تعالى لا يأمرنا إلا بالخير ، ولا ينهانا إلا عن شر ، فأمره خير ، ونهيه خير، لذلك لما أمره الله تعالى بذبح ولده وفلذة كبده إسماعيل عليه السلام- ما سأل نبي إبراهيم عن الحكمة ، ولا عن المغزى من ذبحه ، لعلمه أن أمر الله تعالى خير كله، فيا روعة الإيمان والطاعة والتسليم.. هكذا يلبي ويستجيب، ودون أن يسأل ربه.. لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد؟! إنها الثقة بالله ، والاستسلام لأمره ، والإيمان واليقين بأن الله لا يأمر إلا بالخير ، والثقة بالله والطاعة والاستسلام لأمره تظهر أيضا في اجابة الابن لأبيه :﴿ يا أبت افعل ما تؤمر﴾ ، فهو يحس بما أحسه من قبل قلب أبيه. وهو يلبي وينفذ بغير لجاجة ولا ارتياب. ومن مواقف الثقة بالله في حياة الخليل إبراهيم : أنه لما ألقي في النار، كان على ثقة عظيمة بالله، فكان قوله :(حسبي الله ونعم الوكيل)، فهي كلمات قليلة، ولكنها كاشفة مضيئة ، فهي تعني الثقة في الله ، وليس وراءها إلا الفرج والتأييد، فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء فلما تبوأ إبراهيم مقام الثقة بالله ، جاء الأمر الرباني : ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]. وروى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِىَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ قَالُوا ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [آل عمران(173)] ، ففي هذه الأوقات العصيبة والحرجة كانا حبيبا الرحمن إبراهيم ومحمد -عليهما السلام- في ثقة عظيمة بالله.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عيد الأضحى والثقة بالله)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولما اختبأ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام- من الكفار فدخل الغار؛ كان واثقا من نصر الله وحفظه وتأييده ، فحفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام؛ ففي صحيح مسلم : (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، فَقَالَ : « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ». إنها ثقة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- العظيمة بالله، ولذلك لما خاف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أن يصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأذى؛ فرد عليه بلسان الواثق بوعد الله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة(40)]، وفعلا كان الله مع نبيه -عليه الصلاة والسلام- فحفظه وأيده ونصره، وجعل العاقبة له ولأتباعه من المؤمنين والمؤمنات ،والثقة أيضا صفة من صفات الأولياء الصادقين؛ قال يحيى بن معاذ : “ثلاث خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كل شيء، والغنى به عن كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء ” والثقة بالله هي كذلك صفة من صفات العباد الزهاد، فقد جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال: “يا أبا عبد الرحمن : أي شيء رأس الزهد، ووسط الزهد ، وآخر الزهد؟ فقال: “رأس الزهد الثقة بالله ، ووسطه الصبر ، وآخره الإخلاص ” فاللهم املأ قلوبنا ثقة بك ، وتوكلا عليك ، وإخلاصا لك ، واعد علينا الأيام بالخير واليمن والسلم والبركات ،سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين