خطبة حول معنى قوله تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )
يونيو 8, 2024خطبة عن (يوم النحر) مختصرة
يونيو 8, 2024الخطبة الأولى (عيد الأضحى: يوم النحر)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – وَقَفَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»، فَطَفِقَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»
إخوة الإسلام
هذا يوم عيد الأضحى، يوم النحر، فينحر فيه الهدي والأضاحي، هذا يوم من خير الأيام عند الله تعالى، قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ” خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر كما في سنن أبي داود وصححه الألباني: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ». وهو يوم الحج الأكبر، (فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ وَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ” رواه البخاري، وذلك لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم ، ففيه يفعل الحجاج: (رمي جمرة العقبة .والنحر .والحلق أو التقصير. والطواف. والسعي)، وهو يوم عيد المسلمين: ففي سنن الترمذي : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَهِىَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ».
ومن أحكام عيد الأضحى وآدابه: أداء صلاة العيد جماعة، ويستحب التبكير لها، وأن يذهب من طريق، ويرجع من آخر. كما يستحب التهنئة بالعيد، ففي سنن البيهقي: (عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: لَقِيتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَقُلْتُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ فَقَالَ: نَعَمْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ قَالَ وَاثِلَةُ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عِيدٍ فَقُلْتُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ فَقَالَ: «نَعَمْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ». ووقت التهنئة بعد أداء صلاة العيد، كما كان يفعل الصحابة. وفي هذا اليوم يستحب إظهار البشر والسرور، وصلة الأرحام، ونبذ الشحناء والخلاف، ومسامحة الخلق، والعفو عنهم، والتوسعة على العيال، وإدخال السرور عليهم. ولا بأس باللعب واللهو المباح، لأن في ديننا فسحة. فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لوفد الحبشة أن يستعرضوا، ويرقصوا بحرابهم وأسلحتهم في المسجد، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم والنبي يسترها، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «دَعْهُمَا»، وفي رواية: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِمَّا قَالَ «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ». فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ «دُونَكُمْ يَا بَنِى أَرْفَدَةَ». حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ «حَسْبُكِ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «فَاذْهَبِي». ويُستحب التكبير عقب الصلوات الخمس، ويبدأ من فجر عرفة إلى اليوم الثالث من أيام التشريق،
أيها المسلمون
ومن شعائر الإسلام العظيمة التي أمر الله بها، وحثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وخصت في هذه الأيام: هي شعيرة الأضحية، وهي ما يذبح في يوم النحر، وأيام التشريق من الإبل، والبقر، والغنم تقربًا إلى الله تعالى، وسميت بذلك لأنها تذبح ضحى بعد صلاة العيد، ففي صحيح البخاري: (عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَخْطُبُ فَقَالَ «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا»، وفي البخاري أيضا: (عَنِ الْبَرَاءِ – رضي الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَخْطُبُ فَقَالَ «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ». فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا، وَلَنْ تَجْزِيَ أَوْ تُوفِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»،
وقد شُرعت الأضحية إحياءً لسنة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش، فذبحه بدلًا عنه، قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات:107]، وفي ذبح الأضاحي شكر لله على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام؛ وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها؛ وينبغي للمؤمن أن يحرص عليها، وبخاصة القادر عليها، والأضحية لها شروط، ومنها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل، والبقر، والغنم، ومن شروطها: بلوغ السن المعتبرة شرعًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّانِ». فالإبل خمس سنين، والبقر سنتان، والمعز سنة، والضأن ستة أشهر، ومن شروطها: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، فلا يجزي في الأضحية سوى السليمة من كل نقص في خلقتها، فلا تجزي العوراء، ولا العرجاء، ولا العضباء، وهي مكسورة القرن من أصلها، أو مقطوعة الأذن من أصلها، ولا المريضة ولا العجفاء (وهي الهزيلة التي لا مخ فيها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى»، ومن شروطها: أن تكون في وقت الذبح، وهو من صباح العيد بعد الصلاة إلى آخر أيام التشريق، فلا تجزئ قبل صلاة العيد، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: «مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». وروى مسلم في صحيحه من حديث البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: «لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عيد الأضحى: يوم النحر)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن يوم العيد هو يوم فرح وسرورٍ شُرع للمسلمين بإتمام فريضة فرضها الله ـ تعالى ـ عليهم، ولهذا فإن رسول الله ـ ﷺ ـ رخص في إظهار السرور في هذا اليوم وتأكيده، بالغناء والضرب بالدف واللعب واللهو المباح، بل إن من الأحاديث ما يفيد أن إظهار هذا السرور في الأعياد شعيرة من شعائر هذا الدين. ففي مسند أحمد: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْحَبَشَةَ لَعِبُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَانِي فَنَظَرْتُ مِنْ فَوْقِ مَنْكِبِهِ حَتَّى شَبِعْتُ). وفي رواية: (أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ»، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِرَابِهِمْ إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْهُمْ يَا عُمَرُ».
فافرح أيها الأخ المسلم، وافرحي أيتها الأخت المسلمة، وافرحوا يا عباد الرحمن، افرحوا وفرّحوا من حولكم، وودعوا الأحزان. بشّروا ولا تنفّروا. ويسّروا ولا تعسّروا. وأكثروا من ذكر ربّكم الذي هداكم للإيمان، واحمدوه على نعمة الطاعة، واستغفروه من الآثام، افرحوا: فيا من فقد حبيباً ، فقد أبقى الله له أكثر من الأحباب، ويا من فقدت صحة، فقد حفظ الله لك بقية الأعضاء، ويا من فقدت مالا، فالله سيعوضك الكثير، ومن أُغلق أمامه بابٌ، فقد فُتحت أمامه أبواب أوسع، فافرح أيها المسلم بنعمة ربك، وودع الأحزان. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (180): (182) الصافات ، وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.