الخطبة الأولى عيد الفطر (بنعمة ربك فحدث)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:20، وقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (11) الضحى
إخوة الإسلام
لقد أنعم الله تعالى علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، وأمرنا أن نتحدث بنعمه ولا نكتمها، والله سبحانه وتعالى إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثرها عليه، في سنن الترمذي :(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ». فلا يكون العبد في مظهر الفقراء، وقد أعطاه الله المال ولكن لا يفهم من هذا الغلو وفيها الإسراف والتبذير، وفي سنن أبي داود وغيره: (عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي ثَوْبٍ دُونٍ فَقَالَ «أَلَكَ مَالٌ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ «مِنْ أَيِّ الْمَالِ». قَالَ قَدْ أَتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ «فَإِذَا أَتَاكَ اللَّهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ».
أيها المسلمون
قال تعالي: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) (18) ) النحل، وليس المراد بالتحدث بالنعمة، ما يفهمه البعض خطأ: مجرد ذكر الثروة، والمال، والتباهي به, فإن ذلك ليس من كرم الأخلاق في شيء, بل إن النبي صلي الله عليه وسلم علمنا أن التحدث بالنعمة يكون بإظهار آثارها، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَىَّ شَمْلَةٌ أَوْ شَمْلَتَانِ فَقَالَ لِي «هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ». قُلْتُ نَعَمْ قَدْ آتَانِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ مَالِهِ مِنْ خَيْلِهِ وَإِبِلِهِ وَغَنِمِهِ وَرَقِيقِهِ. فَقَالَ «فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالاً فَلْيَرَ عَلَيْكَ نِعْمَتَهُ». فَرُحْتُ إِلَيْهِ فِي حُلَّةٍ). فالله أمرنا أن نتحدث بنعمه علينا، فنشكر الله قولا، كما نشكره عملا، ومن التحدث بالنعم أن يقول المسلم: إننا بخير والحمد لله، وعندنا خير كثير، ونعم الله كثيرة، ونشكر الله على ذلك.
والتحديث بالنعم لا يلزم أن يكون على سبيل التفصيل، بل قد يكون إجمالاً، بأن يقول: إن الله أنعم علىَّ بالصحة، والغنى، والهداية، ولا يفصل في ذكر هذه النعم. قال السعدي في تفسير: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) : قال (هذا يشمل النعم الدينية والدنيوية؛ فاشكر الله عليها)، فالتحدث بنعمة الله داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها؛ فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن
وقال بعض أهل العلم: لكل نعمة طريقة في شكر الله عليها. فمثلاً، التحدث بنعمة المال يكون بالإنفاق في أوجه الخير، والتحدث بنعمة الصحة: أن تستعملها في الخير. والتحدث بنعمة المنصب: أن تساعد به أهل الاحتياج. وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)
أقول قولي وأستغفر الله لي وكم
الخطبة الثانية عيد الفطر (بنعمة ربك فحدث)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من عدم اظهار النعمة، ففي المعجم الأوسط للطبراني: (عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل شيئا من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال) ، فالجحود وعدم الاعتراف بنعم الله تعالى سبب في غضب الله تعالى، فاحرص على استحضار نعم الله وفضله عليك، واعلم أنّ النعم قد تكون ظاهرة أو باطنة، فابحث عن نعم الله تعالى عليك وكن ممتنّاً لذلك، فالصحة نعمة والإسلام نعمة والمال نعمة والأولاد نعمة والمسكن والعمل والطعام والشراب كلها من نعم الله تعالى العديدة على الإنسان، فاشكرها بالقلب واللسان، فشكر القلب يتضمّن الرضا والقناعة والشعور بفضل الله تعالى، أما شكر اللسان فيكون بترديد عبارات الشكر” الحمد لله والشكر لله”: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) الاحقاف