خطبة عن (تساؤلات حول الأحداث) مختصرة
نوفمبر 7, 2023خطبة عن الدنيا والآخرة ،وقوله تعالى ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ )
نوفمبر 11, 2023الخطبة الأولى (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (1): (4) الرحمن
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله تعالى مع آية من كتاب الله العزيز، نتدبرها، ونفهم معانيها، ونرتوي من معينها الصافي، ونرتشف من رحيقها المختوم، مع قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (3): (4) الرحمن، فالله تعالى بعد أن خلق الإنسان، علمه البيان، وقد جاء في معنى البيان الكثير من أقوال المفسرين، فقالوا: علمه البيان: أي علمه النطق بالكلام واللغات، والفهم والادراك، فخلق فيه الاستعداد لعلم ذلك، وألهمه ليعبر عمَّا في نفسه وضميره، وذلك تمييزًا له عن غيره من بقية المخلوقات، وعلمه البيان: ليفهم القرآن، ومراد الرحمن، فيحيط علما بوحيه، وكتبه، وما خلق الإنسان من أجله، وعلمه البيان: فعلمه بيان ما كان وما يكون، والحلال والحرام، والخير والشرّ، وما يأتي وما يدع، وما ينفعه وما يضره، وسبيل الهدى، وسبل الضلال، وعلمه البيان: فبين له نعمه، وبصره بما فيه رضاه ليعلمه، ويعمل به، وما فيه سخطه ليجتنبه، فيستوجب بذلك جزيل ثوابه، وينجو من أليم عقابه، وعلمه البيان: ليقيم الله بذلك الحجة على خلقه، وعلَّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه، لتستقيم حياته، وحقيقة الدنيا والآخرة، ليعمل لما بعد مماته، فإن هم لم يشكروا الله تعالى على نعمة البيان، وصرفوا جزءاً كبيراً من بيانهم فيما يلهيهم عن إفراد الله بالعبادة، وفيما ينازعون به من يدعوهم إلى الهدى، اقيمت عليهم الحجة، واستحقوا العذاب الأليم،
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (3): (4) الرحمن، فالله تعالى يتعرف إلى خلقه بنعمه عليهم، وآلائه التي ملأت أرجاء السماء والأرض، فيذكرهم بها، ليقوموا بحق عبوديتهم له عز وجل، وما يلزمهم طاعته، وابتغاء مرضاته. ولما كان القرآن الكريم هو النعمة الكبرى، والآية العظمى، التي أنزلت على الإنسانية جمعاء، فقد بدأ بها عز وجل، وقدمها على كل شيء، حتى على خلق الإنسان نفسه، ليوحي بذلك إلى الغاية التي خلق الإنسان من أجلها، ألا وهي معرفة وحي الله، والالتزام به، والعمل بما فيه، فلا يشتغل الإنسان بالخلق عن الخالق، ولا بالوسيلة عن المقصد. كما ذكر الله تعالى خلق الإنسان بعد ذِكْر تعليم القرآن، ليبين أن الإنسان هو المقصود بتعليم القرآن. قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله : “ولما عدّد نعمه تعالى، بدأ مِن نِعَمه بما هو أعلى رتبها، وهو تعليم القرآن، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به). فأتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان؛ ففي ذلك اشارة إلى الغاية من خلق الإنسان، وهو كماله في قوة العلم، وإشارة إلى أن نعمة الله علينا بتعليم القرآن أشد وأبلغ من نعمته بخلق الإنسان، وإلا فمن المعلوم أن خلق الإنسان سابقٌ على تعليم القرآن، ولكن لما كان تعليم القرآن أعظمَ مِنَّةٍ من الله عز وجل على العبد قدمه على خلق الانسان،
فتعليمُ القرآن هو أوسعُ فضلٍ وإحسان، فهو رحمة الله تعالى بعموم الناس والمخلوقين؛ لتدومَ الحياة الدنيا به وبأحكامه وتشريعاته وآدابه، فهو آخرُ كُتبه التي أنزَلها شرائعَ للناس، وكل ما جاء فيه يشمَل الإنسان والكون والحياة في نظام إسلامي شامل؛ ليهتدوا به وتَستقيم حياتُهم، ويفوزوا في الآخرة بجنات النعيم، ولا تستقيم حياتهم إلا به، فقد أنزَله تعالى بلسان عربي مبين، واضح البيان على نبي عربي كريم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بعَثه الله في أُمته العربية داعيًا لهم ولكافة الناس والأمم بدعوته الإسلامية، إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها. وقد يسَّر الله تعالى مفردات كَلِمِهِ في الآيات البيِّنات الواضحات القابلة، وغير المتعسِّرة على ترجمة معانيه إلى كل لغة إنسانية ولسان من شعوب وأُمم بني آدمَ، (خلق الإنسان)، وكرَّمه بهذا الخلق وأمَر ملائكته المقرَّبين بالسجود له، وفضَّله على كثيرٍ ممَّن خلَق، وجعَله في أحسن قوام وأجمل صورة، وجعَل له سمعًا وبصرًا وقلبًا يَفقه ويَفهَم به الأشياء، فيُدرك معاني خطابه في القرآن وألفاظه ومعانيها، وكذلك معاني وجوده الإنساني على هذه الأرض التي خلقها ومهَّدها له وللبشر من بني جنسه، والغاية من هذا الوجود، فقد خلَقهم ليعبدوه، ويَمتحنهم أيُّهم أحسنُ عملًا
أيها المسلمون
وفي نفس المعنى والسياق: يقول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (113) النساء، وقال تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، فمن الذي علم الإنسان هذه العلوم؟، ومن الذي سَهَّلَ له طُرُقَ الوصول إليها واكتشافِها واختراعِها؟ إنه ربُّ العالمين، الذي خلق الانسان وعلمه البيان، فيجب أن يُنْسَبَ الفضلُ إلى أهله، فربنا تبارك وتعالى هو أهل الفضل والجود، قال تعالى: ﴿ صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]، وكم نحن محتاجون إلى تذاكر نعم الله علينا، وتدارس النُّصوص التي تدل على علمه وإحاطته وقدرته، مع التذكير بأنَّ هذه المكتشفات والمخترعات الحديثة ، والتي تبهر العقول، هي من خلق الله تعالى، فهو الذي خلقها، وعلمها للإنسان، ثم سخَّرها له، فقال تعالى: ﴿عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الملاحظ أن هناك فريقا وفئة مِنَ النَّاس بهرتهم العلوم الحديثة، والتقدمُ الهائل في العلوم التجريبية، وكثرةُ المخترعاتِ والمكتشفاتِ، فنَسُوا أن يَنْسبوا الفضل لصاحب الفضل سبحانه وتعالى، فسجَّلوا إعجابهم وإكبارهم للبشر، من الباحثين والمخترعين الذين: ﴿ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 3]، ونسوا أن الذي خلق وعلم هو الله تعالى، فقال تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان : 2]، وقال تعالى: ﴿فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [غافر: 83]. فالأنبياء والمرسلون وقد علمهم الله من العلم اليقيني والبيان ما ليس عند سائر البشر، ومع ذلك، كانوا متأدِّبينَ مع الله تعالى، إذ نسبوا علومهم إليه، فهذا نبي الله هود عليه السلام لما قال له قومه: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحقاف: 22 – 23]، وهذا نبي الله عيسى عليه السلام لمَّا سأله الله تعالى: “هل أمر الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دونه قال عليه السلام: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: 116]، وهذا نبي الله موسى عليه السلام، لما سأله فِرْعَوْنُ عن مصير القرون الأولى: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ [طه: 52]، وهذا نبي الله شعيب عليه السلام قال: ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأعراف: 89]، وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام قال: ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأنعام: 80]، وهذا نبي الله يوسفُ عليه السلام نسب قدرته على تعبير الرؤيا والعلم بها إلى تعليم الله له: ﴿قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ [يوسف: 37]، وهذا نبي الله سليمان عليه السلام، وهو يعلم لغة الطير، ما قال إني علمتها من نفسي، بل قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل: 16]. وهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لما سأله المشركون عن وقت النشر والحشر والحساب، أمره الله أن يقول لهم: ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الملك: 26]. فكانت طريقةُ الأنبياء والمرسلين جميعا نسبة علومهم إلى الله تعالى، فلما ينسبوا ما يعلمون إلى أنفسهم أدبًا مع الله تعالى، ونسبة العلوم إلى البشر، وتحدي الله عز وجل بهذه العلوم هي طريقة المشركين وفي مقدِّمَتِهِمْ قارون الذي قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: 78]. فقال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (83) غافر، ومِنْ أَبْرَز صُور ضلال حضارة اليوم: التخلي عن علوم الوحي، وعدمُ الإيمان بالغيب، والتركيزُ على علم المادة وعالم الشهادة؛ فكان من نِتَاجها بشرٌ ماديُّون لا معنى للدين والأخلاق في قلوبهم، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7]، والمؤمنون مأمورون بالموازنة بين حظوظ الدنيا والآخرة، فالدنيا مَطِيَّة الآخرة، ووسيلة التقوِّي على طاعة الله تعالى وليست غاية تقصد. والمسلم مأمور بالابتعاد عمَّنْ جَعَلَ هَدَفَهُ وغايته الدنيا مع إعراضٍ كبير عن الآخرة، قال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [النجم: 29- 30]. فلا تغتروا بحضارة اليوم وزخرفها، واعلموا أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنَّه فوق كل ذي علم عليمًا، قال تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (76) يوسف
الدعاء