خطبة عن ( إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) مختصرة
نوفمبر 15, 2022خطبة عن (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا )
نوفمبر 15, 2022الخطبة الأولى ( عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق (1) :(5)
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله تعالى: (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) العلق (5)، نتدبر معانيها ،ونرتشف من نبعها الصافي ،ورحيقها المختوم ،فالله سبحانه وتعالى أخرج الانسان من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم. فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلًا للناس تنوب مناب خطابهم، يقول الشيخ محمد عبده 🙁 لا يوجد بيان أبرع ،ولا دليل أقطع على فضل القراءة والكتابة والعلم بجميع أنواعه، من افتتاح الله كتابه وابتدائه الوحى بهذه الآيات الباهرات ، فإن لم يهتد المسلمون بهذا الهدى، ولم ينبههم النظر فيه إلى النهوض ، وإلى تمزيق تلك الحجب التي حجبت عن أبصارهم نور العلم . وإن لم يسترشدوا بفاتحة هذا الكتاب المبين، ولم يستضيئوا بهذا الضياء الساطع . فلا أرشدهم الله) ،
فالذي علم الإنسان هذه العلوم ،وسَهَّلَ له طُرُقَ الوصول إليها واكتشافِها واختراعِها هو الله ربُّ العالمين، فيجب أن يُنْسَبَ الفضلُ إليه، فهو سبحانه أهل الفضل والجود، قال تعالى: ﴿ صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]، فيجب ان نتذاكر نعم الله علينا، ونتدارس النُّصوص التي تدل على علمه وإحاطته وقدرته، مع التذكير بأنَّ هذه المكتشفات والمخترعات التي تبهر العقول هي من خلق الله تعالى، خلقها، ثم سخَّرها للبشر، فهو سبحانه الذي: ﴿ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5].
ويتأكَّدُ التذكير بذلك؛ لأنَّ فريقًا مِنَ النَّاس بهرهم ذلك التقدمُ الهائل في العلوم التجريبية، وكثرةُ المخترعاتِ والمكتشفاتِ، حتى نَسُوا أن يَنْسبوا الفضل لصاحب الفضل تعالى وتقدس، فسجَّلوا إعجابهم وإكبارهم للبشر الضعفاء، من الباحثين والمخترعين الذين: ﴿ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 3]، ونسوا الذي: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2] سواء أكان هذا النسيان والغفلة عن قصد أم بغير قصد؛ لكنَّ القاصد منهم يعلن إلحاده وجحوده؛ كما قال الله عن أمثالهم: ﴿ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [غافر: 83]. والمسلم لا يحجر على العلم الإنساني؛ ولكنه في ذات الوقت لا ينساق خلفه انسياقًا أعمى؛ بل يضعه في موضعه الصحيح: وهو أن نسبته مهما بلغ إلى علم الله قليلة، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، وقال تعالى:﴿ لا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ [البقرة: 255] ،وقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. بل نفسُ الإنسان وجسدُه وروُحه وما يختلج في صدره الله أعلم به قال تعالى: ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ [الإسراء: 54]، وقال تعالى:﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ [الإسراء: 25]. فمصدر هذا العلم كله من الله تعالى قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]، وقال تعالى:﴿ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 239]، وقال تعالى:﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، وقال تعالى:﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 4].
فنسبة العلوم إلى البشر، وتحدي الله عز وجل بهذه العلوم هي طريقة المشركين وفي مقدِّمَتِهِمْ قارون الذي قال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]. ويبقى العلم الحقيقي الشامل الذي لا يُنقض ولا تشوبه آفةُ الجهل السابقِ، أو الآني، أو اللاحق هو علم الله تعالى، قال تعالى : ﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 97]، وقال تعالى :﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]، وقال تعالى :﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12] ، ولكنَّ الإنسان عندما يغفل عن حقيقة علمه، فإنه يمضي بَطَرًا ببعض إنجازاته التي يظنُّ أنَّها لا يأتِيها البَاطِلُ من بين يديها ولا من خلفها.
أيها المسلمون
والله تعالى ميَّز بين من يعلم ومن لا يعلم، ونفى المساواة بين العالم وغيره، قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (9) الزمر، وهذا يشمل كلَّ العلوم والمعارف التي بها صلاح الناس، وبها مصالحهم وما يقوم به معاشهم، لكن عندما تنحصر الاهتمامات فقط في العلوم والمعارف التي تصلح بها الدنيا، ويكون هذا العلم سبيلًا لمعصية الله عند ذلك يكون مذمومًا، لذلك ذمَّ الله تعالى الغافلين عنه -جل في علاه- فقال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ الروم (7)، فالكمال هو في اقتران هذه المعارف والعلوم، وبه تميزت أمة الإسلام في صدرها الأول على سائر الأمم عندما جمعت بين العلم بالله، والعلم بالطريق الموصل إليه، والعمل بالشريعة، وتحقيق العبودية لله –عز وجل- مع أخذ أسباب ووسائل عمارة الدنيا وإصلاح معاش الناس. فلما اجتمع هذا وذاك كانوا في الذروة في النموذج البشري الذي أظهر تلك الحضارة، وأنتج ذلك التقدم الذي فاقوا به الأمم، وتقدموا على من سواهم من المجتمعات.
أفول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول سيد قطب في تفسيره: (كلما أوتي بعض الناس نصيباً من العلم كان خليقاً أن يقوده إلى الحق والهدى، فإذا هو ينسلخ مما أوتي من العلم، فلا ينتفع به شيئاً، ويسير في طريق الضلالة كمن لم يؤتوا من العلم شيئاً. بل يصير أنكد وأضل وأشقى بهذا العلم الذي لم تخالطه بشاشة الإيمان، الذي يحول هذا العلم إلى مشكاة هادية في ظلام الطريق!.) ، فقد يكون العلم مهلكة لصاحبه حينما لا يعمل به، ويكون العلم فتنة حين لا يوجه صاحبه إلى الحق وتفعيلِه في الحياة أدباً وسلوكاً وعفة وأخلاقاً ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأَتَى اللَّهُ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ لَهُ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنْ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ، وَأَتَى اللَّهُ بِرَجُلٍ قَدْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ لَهُ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: تَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ وَعَلَّمْتُهُ فِيكَ، وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ؛ لِيُقَالَ: فُلَانٌ عَالِمٌ، وَفُلَانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ فَيُسْحَبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ، وَأَتَى بِرَجُلٍ قَدْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كُلِّهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فِيهَا فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيْهَا، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَيُسْحَبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ “. وفي البخاري عن أسامة بن زيد قال : سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ” يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ “
الدعاء