خطبة عن طاعة الرسول وقوله تعالى (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)
فبراير 3, 2024خطبة عن (من دلالات الإسراء والمعراج)
فبراير 5, 2024الخطبة الأولى (غذاء الروح والجسد)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (85) الاسراء
إخوة الإسلام
من المعلوم أن الإنسان مُكوَّنٌ مِن شِقين أساسيين؛ وهما: (الروح والجسد). فأما الجسد: فمَبْدؤه من الأرض، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون :12]. وفي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ اللَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ»، ولما كان الجسد مخلوقا من الأرض، كان غذاؤه من الأرض: قال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا) (61) البقرة، وقال تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (24): (32) عبس، وهذا الجسد منتهاه بعد الموت إلى الأرض، قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) طه (55)، وحينما يموت الإنسان ،يتحلَّل الجسدُ إلى التراب، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ». ومن الأرض يبعث الجسد يوم القيامة، ففي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ». قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبَيْتُ. قَالَ أَرْبَعُونَ شَهْرًا قَالَ أَبَيْتُ. قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ. قَالَ «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً. فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، هذا هو الجسد، وهذا غذاؤه، وتلك مراحله، ونهايته، ومبعثه.
وأما الرُّوح: فهي مخلوق نوراني علوي، خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها، سريان الماء في الورد، والدهن في الزيتون، وقد جعلها اللَّهُ فِي الْأَجْسَامِ, فَأَحْيَاهَا بِها, وَعَلَّمَهَا وَأَقْدَرَهَا, وَبَنَى عَلَيْهَا الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةَ, وَالْأَخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ: فالمشاعر والأحاسيس، والحب والبغض، والإرادة والقصد، والأخلاق والطبائع، كلها متعلقة بالروح. وهذه الروح تسمى نفسًا، فقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42]. وقد أضاف الله سبحانه هذه الروح إليه إضافة تشريف، فقال تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة:9] ،وهذه الروح لها أحوال وأحكام، ولها غذاء، وليس غذاء الأرواح من جنس غذاء البدن والجسد، بل إن غذاء البدن إذا زاد عن حده، أفسد الروح وأمرضها، وأدخل عليها من الفساد ما يكون فيه هلاكها.
فالروح: مَبْدؤها مِن السماء، قال تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [التحريم:12]، وقال تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر:69]. وفي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا،…ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ)، وهذه الروح تظل في الجسد حتى يتوفاها الله تعالى عند الممات، ومنتهاها إلى السماء: فإذا مات العبد الصالح، صعِدت رُّوحه إلى بارئها. ففي سنن ابن ماجه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا».. قَالَ «وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ». وللروح شأنها وحياتها في حياة البرزخ، إلى أن يأذن الله تعالى لها بالعودة إلى الجسد يوم القيامة، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (51) يس، فإذا أراد الله بعْث الخلائق، أنزَل من السماء ماءً، فينبت أهلُ القبور من ذلك الماء، فإذا تَمَّ خلقهم، نفخ في الصُّور النفخة الثانية، فطارت أرواحُهم إلى أجسادهم، قال تعالى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (7) التكوير، أي: اقترنت الأرواح بالأجساد، وقال تعالى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ [القمر: 7].
وكما أن الروح من السماء، فغذاؤها أيضا مِن السماء: فغذاؤها القرآن، والعبادات، والذِّكر، والعلم النافع، وكلها تتعلق بالسماء. فمن غذاء الروح: تلاوة القرآن، وذكر الله: قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء: 82]. فالقرآن شفاءٌ لأمراض القلوب، وعِلَل النفوس، فيُخلِّص المسلم من القلق والحَيْرة والغَيْرة، والغِلِّ والحقد والحسد، إلى غير هذا من الأمراض النفسية، بل والبدنية أيضا. فالقرآن غذاء الروح، وسرّ قوتها، وشفاء الصدور وانشراحها، ونور القلوب واطمئنانها، ففي سنن الدارمي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، فالقرآن الكريم هو غذاء الروح، وهو مأدبة الله عز وجل في الأرض، التي يقيم بها الأرواح ويغذيها، ونحن لدينا من النور بقدر ما لدينا من القرآن في قلوبنا وأفكارنا وتصرفاتنا، فإذا هجرناه، فقدت الأرواح غذاءها، وسقمت، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِى الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «اقْرَأْ فُلاَنُ فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ».
وأما ذكر الله: فهو أيضا حياةُ القلب، وغذاء الرُّوح: قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد (28)، وفي صحيح مسلم: (عن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
ومن غذاء الروح: أداء العبادات التي فرضها الله تعالى: فالعبادة غذاء للروح، ونحن نتعبد لله تعالى بها؛ لأنها غذاء لأرواحنا، فالصلاة والدعاء غذاء للروح: فهي الصلة بين العبد وربه، وفي لحظة السجود نكون في تمام القرب منه سبحانه ، وهي العبادة التي نبتهل فيها إلى الله في لحظات إيمانية غامرة، ونطلب فيها الهداية من الرحمن، فالصلاة هي المعراج الأصغر الذي يعرج فيه المسلم إلى ربه.. وما زالت الصلاة كنزا مخفيا لا نعلم عن أسرارها إلا أقل القليل. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤]، وفي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَي عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي – وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي – فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الروح والجسد وغذاؤهما)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن غذاء الروح: الصوم، وخاصة صوم رمضان، فهو غذاء للروح: فبالصوم يهذب الإنسان روحه، وتسمو نفسه، ويبني إرادته، وينمي عقله، ويقوي جسمه، ويرتقي نحو عالم الكمال المعنوي والروحي، ويتجرد من شهواته ورغباته المادية البحتة. فعندما يصوم الإنسان تصفو نفسه، ويزداد تقرباً من اللَّه عزّ وجلّ، مما يساعده على أداء العبادات بتجرد وإخلاص ولذة معنوية وبالإضافة إلى أن الصوم يورث العلم والمعرفة والحكمة، فإنه يورث (يقظة عقلية) للكثير من الغافلين عن ذكر اللَّه، وعن الالتزام بأوامره، والاجتناب عن نواهيه
وفي الحج والعمرة أيضا غذاء للروح: فالحج رحلة إيمانية، تسمو فيها الأرواح، وتصفو النفوس، ففي الحج، يستضيف الله عباده المؤمنين الذين جاءوا إليه من مشارق الأرض ومغاربها، نازعين من قلوبهم وأجسامهم كل مظاهر المادية ليتجردوا بأرواحهم وينالوا شرف الضيافة على تلك المائدة الربانية؛ وذلك الغذاء الروحي.
ومن غذاء الروح: العلم النافع، والعمل به، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)، فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، وشبه القلوب بالأراضي التي وقع عليها المطر لأنها المحل الذي يمسك الماء فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته.
ومن غذاء الروح: الرائحة الطيبة؛ ولهذا حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا الطيب؛ لأن النفس ترتاح إلى الروائح الطيبة، وفي مسند أحمد وغيره: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُبِّبَ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ»، فالطيب له أثر في زيادة قوة البدن، ودفع التعب والكسل. وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، والروح إذا تغذت بتفريغ المفسدات، والتزود بهدى الله الذي أنزله لعباده، فإن لذلك آثارًا عظيمة على الجوارح، فتقبل على العبادة بنفس منشرحة، وترى فيها أنسها وراحتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ).
الدعاء