خطبة عن ( الاستعداد لفتح مكة)
يونيو 10, 2017خطبة عن (فرح الله بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ)
يونيو 18, 2017الخطبة الأولى ( أسباب فتح مكة )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) ) الفتح ،وقال الله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)) الفتح ، وروى مسلم في صحيحه : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ. )
إخوة الإسلام
شهر رمضان المبارك شهر مُلئ بالمناسبات الطيبة التي يفتخر بها المسلمون على مر الأيام بالليل والنهار، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، وهو شهر ليلة القدر، وهو شهر الانتصارات في الغزوات كبدر وفتح مكة وغيرهما.وفتح مكة كان في شهر رمضان سنة ثمان من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،وفتح مكة هو الفتح المبين الذين أعز الله به جند الإسلام ورد لهم اعتبارهم ورفع به كرامتهم ورؤوسهم حتى بلغت عنان السماء ،وهو الفتح الأعظم الذي قصم به الله دولة الكفر ، وأزال به شعائر الشرك ، ومعالم الطغيان، وأشرقت وجه الأرض مرة أخرى بالتوحيد والتحميد، إنه الفتح العظيم ليس للأرض فقط إنما هو فتح القلوب لدين الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجًا..فهؤلاء النفر المستضعفين بقيادة الرسول الذين خرجوا مستخفين من عدوهم فارين بدينهم تاركين ديارهم وأهليهم والدنيا بأسرها وراء ظهورهم خائفين مترقبين, هم هم الذين يعودون بعد ثماني سنوات بجيش كبير وإيمان أكبر لفتح البلد التي أخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فلم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يظن أن الرسول سيعيد بناء الأمة ويكوّن دولة من مجموعة من الفارين المهاجرين بدينهم تستطيع أن تفتح معقل الكفر وعاصمة الشرك وبؤرة الإرهاب الوثني للمسلمين طيلة عشرين سنة، ففي أواخر السنة الثامنة من الهجرة كان قد أتى على صلح الحديبية سنتان ، وكان من بين شروطه: أن من أحب أن يدخل في عهد محمد دخل فيه ،ومن أحب ان يدخل في عهد قريش دخل فيه ،وبمقتضى هذا الشرط دخلت قبلية خزاعة في حلف مع النبي صلى الله عليه وسلم – ودخلت قبيلة بنى بكر في حلف مع قريش ، وكانت القبيلتان تسكنان أحياء من مكة وضواحيها وبينهما ثأر وعداء متوارث يرجع تاريخه الى ما قبل البعثة ،وذات يوم تحركت هذه الاحقاد فاغتنم بنو بكر حلفاء قريش هدنة الحديبية وفاجأوا خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وأمدتهم قريش بالخيل والسلاح فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ،فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وقدم على رسول الله في المدينة وأنشده أبياتا ينشده فيها الحلف الذي كان بينه وبين خزاعة ويسأله المعونة والنجدة ويخبره بأن قريشا اخلفوه الموعد ونقضوا الميثاق المؤكد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: نصرت يا عمرو ابن سالم ،وأراد الرسول صلى الله عليه و سلم أن يستوثق منهم الخبر ويعذر إلى قريش فبعث إليهم رجلاً يخيرهم بين ثلاث :1 – أن يدُوا قتْلى خزاعة. (أي: يدفعوا دية قتلى خزاعة). 2 – أو يبْرَؤُوا من حِلْفِ بني نُفاثة. 3 – أو ينبذ إليهم عهدَهُم على سواء. (أي: فيتحلَّل كلّ فريق من الالتزام بعقده وعهده). فاجتمعتْ رؤوس قريشٍ للتَّشاوُر فيما عرض عليْهِم رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فتعجَّل “قرظة بن عمرو” من بين القَوْمِ فقال: ” لا ندي، ولا نبرأن ولكن ننبِذُ إليه على سواء”. ورجع مبعوثُ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – بِما سمع منهم، فأخبر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ ندِمَتْ قريشٌ على ما كان منها، إذ تَخوَّفَتْ من الانتِقام وغزْوِ الرسول لها في بلدها، وأرادتْ أن تتدارَك الأمر مع الرسول، فاتَّفق كبراؤُها على أن يرسلوا زعيمَهُم “أبا سفيان بن حرب” إلى الرَّسول في المدينة، فيوثِّق معه عقد الهدنة، ويستزيد في مدَّتِها. وقال الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: ((كأنَّكُمْ بأبِي سفيان قد جاء يقول: جدِّد العهد، وزد في المدَّة. وهو راجع بسخطة )). فقدم أبو سفيان المدينة، ودخَل على ابنتِه أمِّ المؤمنين أمِّ حبيبة، فأقبل ليجْلِسَ على فراش النبي – صلى الله عليه وسلم – فطوته عنه. فقال لها: يا بنية، ما أدري، أرغبتِ بِي عن هذا الفراش أم رغبتِ به عنِّي؟ قالت: بل هو فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنتَ مُشْرِكٌ نَجس. قال: والله لقد أصابك بعدي شر. ثم ذهب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكلَّمه فيما هو قادم من أجله، فلم يَرُدَّ عليْه الرَّسول شيئًا، ثُمَّ ذهب إلى أبي بكر الصديق، فطلبَ منه أن يكلِّمَ الرَّسول في الأمر، فأبى الصديق – رضي الله عنه – وقال له: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطَّاب، فطلب منه أن يَشْفَع لقُريْشٍ عند رسول الله، فكان عُمَر أشدَّ النَّاس وطأةً عليه، وأعنف ردًّا، وقال له: أأنا أشفَعُ لكم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فو الله لو لم أجد إلا الذَّرَّ لجاهدتُكم به. ثُمَّ أتَى عليَّ بن أبي طالب، وعنده زوجُه فاطمة، وابنُهما الحسن، غلام يدبُّ بيْن أيديهما، فاستَعْطَفَ عليًّا، وسأله بالرَّحِم أن يَشفع له عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقال له: يا عليُّ، إنَّك أمسُّ القَوْمِ بِي رحمًا، وإني قد جئتُ في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبًا، اشفَعْ لي إلى مُحمَّد. فقال له عليّ: ويْحَك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أمرٍ ما نَستطيع أن نكلِّمَه فيه. فالتفت أبو سفيان إلى فاطمة بنت الرَّسول يستعطِفُها، وقال لها: يا بِنْتَ مُحمَّد، هل لكِ أن تأْمُري بُنَيَّك هذا، فيجيرُ بيْن النَّاس، فيكون سيِّد العرب إلى آخِر الدَّهر؟ فقالت له: والله ما بلغ بُنَيَّ ذاك أن يُجيرَ بين الناس وما يُجيرُ أحدٌ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أسباب فتح مكة )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعاد أبو سفيان زعيم قريش إلى مكَّة خائبًا، لَمْ يَنَلْ شيئًا مما قدِمَ من أجْلِه! ولمَّا قدم على قريش قالوا له: ما وراءك؟ قال: جئت محمدًا فكلمته، فو الله ما ردَّ عليَّ شيئًا. ثُمَّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرًا. ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدُوِّ (أو أعدى العدو). ثم جئتُ عليًّا فوجدته ألين القوم، وقد أشار عليَّ بشيْءٍ صنعْتُه، فو الله ما أدري هل يُغْنِي ذلك شيئًا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت. قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلَكَ، إن زادَ الرَّجُل على أن لعِبَ بك، فما يغني عنك ما قُلْت. قال: لا والله ما وجدتُ غيْرَ ذلك. وروى ابن أبي شيبة بسندِه عن أبي مالك الأشجعي: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خرج من بعض حجره، فجلس عند بابِها – وكان إذا جلس وحده لم يأتِه أحدٌ حتَّى يدعوه – فقال – صلى الله عليه وسلَّم -: ((ادْعُ لي أبا بكر)). فجاء، فجلس بين يديْه، فناجاه طويلاً، ثُمَّ أمره فجلسَ عن يَمينه. ثم قال: ((ادعُ لي عمر)). فجلس فناجاه طويلاً، فرفع عُمَرُ صوتَه فقال: يا رسول الله، هم رَأْسُ الكُفْر، هم الذين زعموا أنَّك ساحرٌ، وأنَّك كاهن، وأنَّك كذَّاب، وأنَّك مُفْتر. ولم يَدَعْ شيئًا مِمَّا كانوا يقولونه إلا ذَكَرَهُ، فأمره فجلس عن شِمالِه ثُمَّ دعا النَّاس فقال لهم: ((ألا أحدِّثُكم بمثل صاحبيكم هذين؟)) قالوا: نعم يا رسول الله. فأقبل بوجهه على أبي بكر فقال: ((إنَّ إبراهيم كان ألين في الله تعالى من الدهن للميل)). ثم أقبل بوجهِه على عمر فقال: ((إنَّ نوحًا كان أشدَّ في الله تعالى من الحجَر، وإنَّ الأمر أمر عمر، فتجهَّزوا، وتعاونوا)). فتبِع النَّاسُ أبا بكر، فقالوا: إنَّا كرِهْنا أن نسأل عمر عمَّا ناجاك به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. قال أبو بكر: قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كيف تأمرني في غزو مكة؟)). قلتُ: يا رسول الله، هم قومُك، حتَّى رأيْتُ أنَّه سيُطيعُنِي. ثُمَّ دعا عمر، فقال عمر: هُمْ رأْسُ الكفر، حتى ذكر له كلَّ سوء كانوا يقولونه. وايمُ الله، لا تذلُّ العرب حتى يذلَّ أهل مكَّة، وقد أمركم بالجهاز لتغزو مكة”. هذه الرواية تدلُّ على أنَّ عرض الرسول على الصاحبين كان عرض استئناس بالرأي، لا عرض مشاورة، وأنَّ عزم الرسول على غزو مكَّة قد سبق ذلك. والأمارات تدل على أنَّ التوجيه لغزوها كان بوحي من الله. وهكذا بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في التجهيز للخروج شطر مكة لفتحها ، وكان من عادة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قيادته الحربية، أنه إذا أراد التوجُّه لجهةٍ ما ورَّى بغيرها، ليباغت عدوَّه مباغتة، وليُخْفِي الأمر عن عيون العدوِّ وجواسيسه. ونستكمل الحديث عن فتح مكة إن شاء الله
الدعاء